مفتاح العلوم

يوسف بن محمّد بن علي السّكّاكي [ السّكّاكي ]

مفتاح العلوم

المؤلف:

يوسف بن محمّد بن علي السّكّاكي [ السّكّاكي ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-1468-9
الصفحات: ٨٤٦

عمرو ، وحسن الوجه.

والإضافة على ضربين : لفظية وهي : إضافة الصفة إلى فاعلها أو مفعولها.

والمراد بالصفة : أسماء الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ، ويندرج فيها المنسوب كهاشمي ، وأفعل التفضيل في معنى الزيادة ، وهي لا تفيد زيادة فائدة على فصلها معنى ، لكن المطلوب [منها](١) التخفيف في اللفظ : وهو حذف ما يحذف لها من التنوين ، ونوني التثنية والجمع ، ولذلك لم يجز عندنا نحو : الضارب زيد ، وأما نحو : الضاربك ، والضارباتك ، فجوّز لكونه بمنزلة غير المضاف ؛ لقيام الضمير في هذا الباب مقام التنوين في نحو ضاربك ، والنون في ضارباك وضاربوك والضارباك والضاربوك ، لامتناعهم عن الجمع بينه وبين ذلك ، وكون قوله (٢) :

وهم الآمرون الخير والفاعلونه

شاذا لا يعمل عليه البتة عند غير أبي العباس ، وأما نحو : الضارب الرجل ، فإنما جوز تشبيها بالحسن الوجه ، الذي هو بمنزلة غير المضاف أيضا ، وهو الحسن وجهه.

وفي استعمال الحسن مع الوجه وما انخرط في سلك ذلك خمسة عشر وجها : ثمانية مع تعرية الحسن عن اللام وهي وجهه بالرفع على الفاعلية ، وبالجر على الإضافة ، وبالنصب على التشبيه بالمفعول ؛ والوجه بالرفع على البدل عن الضمير ، وهو قول علي

__________________

(١) في (ط) وفي (د) (ههنا).

(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أمالى ابن الحاجب ١ / ٣٩١ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٦٦ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، والدرر ٦ / ٢٣٥ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢٥ ، والكتاب ١ / ١٨٨ ، ولسان العرب (طلع) ، (حين) ، وفيه (مفظعا) مكان (معظما) ومجالس ثعلب ١ / ١٥٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧ ، وعجزه :

إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما

وانظر المعجم المفصل (٧ / ٨٣).

٢٠١

ابن عيسى (١) ، وبالجر والنصب ، ووجه بالجر وبالنصب على التمييز.

وسبعة مع تعريفه باللام هي باسرها سوى وجهه بالجر. [وأما الحسن وجهه بالجر](٢) فهو ، وإن كان لا يجوز عندنا من أجل وروده على خلاف مبني الإضافة ، فقد جوزه الفراء ، ذاهبا فيه إلى أنه في معنى المعرفة ، إذ لا يلتبس أن المراد به وجه الموصوف.

ومعنوية : وهي ما عداها. ومن حكم أصحابنا [رحمهم‌الله](٣) أنها في الأمر العام تارة تكون بمعنى (من) ، كنحو : خاتم فضة ، وعلامتها صحة إطلاق اسم المضاف إليه على المضاف الذي لا يجانسه في اللفظ بالموضع الواحد.

وقولي : لا يجانسه ، احتراز عن نحو : غلام غلام زيد ، وقولي : بالموضع الواحد احتراز عن نحو : غلام زيد ، إذا اتفق أن يكون اسم الغلام زيدا ، وأخرى بمعنى اللام ، كنحو : ثوب رجل ، ويده ورجله ، وعلامتها بعد أن ، لا تكون بمعنى (في) كنحو : قتلى الطف (٤) ، وثابت الغدر ، انتفاء تلك الصحة ، وعندي أنها لا تخرج عن النوعين ، ونحو : قتلى الطف من باب اللامية بطريق ، قوله (٥) :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

__________________

(١) هو على بن عيسى الرمانى المتوفى سنة ٣٨٤ ه‍ (بغية الوعاة ٢ / ١٨٠).

(٢) ليست في (غ).

(٣) من (غ).

(٤) الطف : اسم موضع بناحية الكوفة ، وفي حديث مقتل الحسين ـ رضى الله عنه ـ أنه يقتل بالطف.

(٥) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر (٣ / ١٩٣) ، وخزانة الأدب ٣ / ١١٢ ، ٩ / ١٢٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٨ ، ولسان العرب (غرب) ، والمحتسب ٢ / ٢٢٨ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥٩ ، والمقرب ١ / ٢١٣ ، وانظر المعجم المفصل في الشواهد العربية (١ / ٣٤٦)

وعجزه :

سهيل أذاعت غزلها في القرائب

٢٠٢

وقوله (١) :

لتغنى عنّي ذا إنائك أجمعا

مما تجري فيه الإضافة بأدنى الملابسة ، ونحو : ثابت الغدر ، من باب اللفظية. وهذه ، أعني المعنوية ، إذا كان المضاف إليه نكرة ، أفادت تخصيصا ، وإلّا فتعريفا لا محالة ، ولذلك قلنا في نحو : ثلاث الأثواب ، تعريف الثلاثة باللام مستغنى عنه إلا في نحو : غير وشبه ، اللهم إلا إذا شهر المضاف بمغايرة المضاف إليه ، كقوله عزوجل : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(٢). أو مماثلته ، لاستلزام الإضافة بالإطلاق إفادة التخصيص أو التعريف البتة (٣) ، اللهم إلّا في الأعلام ، فإنها في نحو : عبد الله اسما علما بمعزل عن ذلك ، وامتناع أن يتعرف الشيء بنفسه ، أو يتخصص ، لم يصح نحو : ليث أسد ، وحبس منع. وصح نحو : قيس قفة ، وزيد بطة ، على الظاهر.

ووجه امتناع إضافة الموصوف إلى صفته ، أو الصفة إلى موصوفها راجع إلى ذلك فليتأمل.

وقولي : إلى صفته ، وإلى موصوفها ، احتراز عن نحو : دار الآخرة ، وصلاة الأولى ، ومسجد الجامع ، وجانب الغربي ، وبقلة الحمقاء ، ونحو : سحق عمامة ، وجرد قطيفة ، وأخلاق ثياب ، وجائبة خبر ، ومغربة خبر.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لحريث بن عناب ، وصدره :

إذا قيل : قدنى ، قال بالله حلفة

خزانة الأدب ١١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٣ ، والدرر ٤ / ٢١٧ ومجالس ثعلب ص ٦٠٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٥٤ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٠٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٥٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٥٩ ، ٨٣٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢١٠ ، والمقرب ٢ / ٧٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤١ ، وانظر المعجم المفصل (٤ / ٢٣٣).

(٢) سورة الفاتحة ، الآية : ٧.

(٣) المعجم المفصل في النحو (١ / ١٧٣).

٢٠٣

فصل

وكما تكون الإضافة إلى الاسم تكون إلى الجملة الفعلية ، وذلك في أسماء الزمان ، كنحو : جئتك يوم جاء زيد ، وآتيك إذا احمر البسر ، وما رأيتك مذ دخل الشتاء ، ومنذ قدم فلان ، وفي (آية) قال (١) :

بآية يقدمون الخيل شعثا.

وذي ، يقال : اذهب بذي تسلم ، واذهبا بذي تسلمان ، واذهبوا بذي تسلمون ، وفي (حيث) ، كنحو : اجلس حيث جلس زيد.

وفى الاسمية ، كنحو : رأيتك زمن فلان أمير ، و [إذا](٢) الخليفة فلان. واجلس حيث زيد جالس.

فصل

ولا يجوز إضافة المضاف ثانية ، ولا تقديم المضاف إليه على المضاف ، ولا الفصل بينهما بغير الظرف ، ونحو قوله (٣) :

بين ذراعي ، وجبهة الأسد

محمول على حذف المضاف إليه من الأول ، ونحو : قراءة من قرأ (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ

__________________

(١) في (غ): (وإلى).

(٢) في (غ): (وإذ).

(٣) البيت من المنسرح ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٢١٥ ط الصاوى ، وخزانة الأدب ٢ / ٣١٩ ، ٤ / ٤٠٤ ، ٥ / ٢٨٩ وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٩٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٢١ ، والكتاب ١ / ١٨٠ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٥١ ، والمقتضب ٤ / ٢٢٩ ، وانظر المعجم المفصل في شواهد العربية (٢ / ٣٩٦) ، وصدره :

يا من رأى عارضا أسرّ به

٢٠٤

شُرَكاؤُهُمْ)(١) ، و (مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)(٢) ؛ لاستنادها إلى الثقاة ، وكثرة نظائرها من الأشعار.

ومن أرادها فعليه بخصائص الإمام ابن جني ، محمولة عندي على حذف المضاف إليه من الأول على نحو ما سبق ، وإضمار المضاف مع الثاني على نحو قراءة من قرأ : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٣) بالجر بإضمار المضاف على تقدير : عرض الآخرة ، ونحو قول أبي داود (٤)

أكلّ امرئ تحسبين امرأ ...

ونار توقّد بالليل نارا

بإضماره أيضا على تقدير : وكل نار ، وقول العرب : ما كل سوداء [تمرة ولا بيضاء](٥) شحمة ، عند سيبويه دون الأخفش [رحمة الله عليهما](٦) في أحد الروايتين تفاديا بذلك عن العطف بالحرف الواحد على عاملين ، وما ذكرت ، وإن كان فيه نوع من البعد ، فتخطئة الثقاة والفصحاء أبعد.

فصل

ويجوز حذف المضاف ، وهو تركه ، وإجراء حقه في الإعراب على المضاف

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية : ١٣٧.

(٢) سورة إبراهيم : الآية : ٤٧.

(٣) سورة الأنفال : الآية ٦٧.

(٤) البيت من المتقارب ، وهو لأبى داود جارية بن الحجاج بن حذافة الإيادى في ديوانه ص ٣٥٣ ، والأصمعيات ص ١٩١ ، وأمالى ابن الحاجب ١ / ١٣٤ ، ٢٩٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٩٢ ، ١٠ / ٤٨١ ، والدرر ٥ / ٣٩ ، وشرح التصريف ٢ / ٥٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٩٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٠٠ ، وانظر في باقى مراجعه (المعجم المفصل ٣ / ٨٦).

(٥) ليست في (غ).

(٦) من (غ).

٢٠٥

إليه ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) وقد جاء إجراء حقه في غير الإعراب عليه أيضا ، قال (١) :

يسقون من ورد البريص عليهم ...

بردى يصفّق بالرحيق السلسل

فذكر الضمير في (يصفق) حيث أراد ماء بردى. وقال الله تعالى (٢) : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ). وحذف المضاف إليه كما سبق وحذفهما معا كنحو (٣) :

وقد جعلتني من خزيمة إصبعا

و [نحو](٤) :

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ١٢٢ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٨١ ، ٣٨٢ ، ٣٨٤ ، ١١ / ١٨٨ ، والدرر ٥ / ٣٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٢٥ ، ولسان العرب (برد) ، (برص) ، (صفق) ومعجم ما استعجم ص ٢٤٠ ، وبلا نسبة في أمالى ابن الحاجب ١ / ٤٥١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٤ ، وشرح المفصل ٦ / ١٣٣ ، ولسان العرب (سلسل) ، همع الهوامع ٢ / ٥١. (المعجم المفصل ٦ / ٥٠٤ ـ ٥٠٥).

(٢) سورة الأعراف : الآية : ٤.

(٣) البيت من الطويل وصدره :

فأدرك إبقاء القراوة ظلعها

وهو للكلحبة اليربوعى في خزانة الأدب ٤ / ٤٠١ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٤٦ ، ولسان العرب (حرم) (نقى) ؛ وتاج العروس (حرم) ، (بقى) ، وللأسود بن يعفر في ملحق ديوانه ص ٦٨ ، وشرح المفصل ١ / ٣١ ، وللأسود أو للكلحبة في المقاصد النحوية ٣ / ٤٤٢ ، (وانظر باقى مراجعه في المعجم المفصل ٤ / ١٩٧).

(٤) من (غ) وفي (ط) و (د): [واسأل] والبيت من الطويل ، وهو لأبى داود الإيادى في ديوانه ص ٣٢٧ ، وشرح المفصل ٣ / ٣١ ، وصدره :

أيا من رأى لى رأى برق شريق

وانظر المعجم المفصل (٥ / ٢٤٨).

٢٠٦

وأسال البحار فانتحى للعقيق

على ما قدر أبو علي الفارسي من ذا مسافة أصبع ، وسقيا سحابة.

فصل : الأعداد

واعلم أن الأسماء في الإضافة ، بعد استوائها في [اقتضاء](١) الجر للمضاف إليه ، تتفاوت في اقتضاء زيادة حالة له : [كالإفراد](٢) والتثنية ، والجمع والتعريف والتنكير ، والتأنيث والتذكير ، وغير ذلك. وعدم اقتضائها ، فلنذكر شيئا من ذلك :

اعلم أن الأعداد من المائة والألف وما يتضاعف منهما تقتضي الإفراد في المضاف إليه ، ومن الثلاثة إلى العشرة ، ثمانيتها الجمع ، ونحو : ثلاثمائة إلى تسعمائة ليس بقياس ، إنما القياس قول من قال (٣) :

ثلاث مئين [للملوك](٤) وفى بها

لكنه متروك في الاستعمال ، ثم هي مع التاء تقتضي التذكير في المضاف

__________________

(١) في (غ): (اقضاء).

(٢) في (غ): (كافراد).

(٣) البيت من الطويل وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣١٠ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٧٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧٢ ، ولسان العرب ١٤ / ٣١٧ (ردى) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢٥٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٦٢٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥١٨ ، وشرح المفصل ٦ / ٢١ ، ٢٣ ، والمقتضب ٢ / ١٧٠ ، وانظر المعجم المفصل (٧ / ٣١٨).

وعجزه :

ردائى ، وجلت عن وجوه الأهاتم

(٤) في (ط) و (غ) (للمملوك).

٢٠٧

إليه ، وبدونها التأنيث ، والمراد تذكير الإفراد وتأنيثها ، وقد ينصب مجرور هذه الأعداد كنحو : ثلاثة أثوابا ، ومائتان عاما. قال (١) :

إذا عاش الفتى مائتين عاما ...

فقد ذهب اللّذاذة والفتاء

وقوله تعالى : (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ)(٢) ، غير مضاف ، ومضافا ، على القراءتين ، مفتقر إلى التخريج (٣).

(وأي) : يأبى الإفراد في المضاف إليه معرفة ، ويقبله فيه نكرة ، وقولهم : أيي وأيك كان شرّا فأخزاه الله ، بمنزلة أخزى الله الكاذب مني ومنك ، وهو بيني وبينك ، والمعنى :

__________________

(١) البيت من الوافر وهو للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى ١ / ٢٥٤ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، والدرر ٤ / ٤١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٢٥ ، والكتاب ١ / ٢٠٨ ، وأدب الكاتب ص ٢٩٩ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٥٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٣٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٢٣ ، وشرح المفصل ٦ / ٢١ ؛ ومجالس ثعلب ص ٣٣٣ ، والمقتضب ٢ / ١٦٩ ، والمنقوص والممدود ص ١٧. المعجم المفصل (١ / ٢٥).

(٢) سورة الكهف ، الآية : ٢٥.

(٣) قراءة الجمهور (ثلثمائة سنين) بتنوين (مائة) ونصب (سنين) على التقديم والتأخير ، أى سنين ثلثمائة ، فقدم الصفة على الموصوف ، فتكون (سنين) ، على هذا ، بدلا أو عطف بيان. وقيل : على التفسير والتميز ، و (سنين) في موضع سنة. وقرأ حمزة والكسائي بإضافة (مائة) إلى (سنين) وترك التنوين ، كأنهم جعلوا سنين بمنزلة سنة ، إذ المعنى بهما واحد. قال أبو علي : هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو : ثلثمائة رجل وثوب ، قد تضاف إلى الجموع. وفي مصحف عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ (ثلثمائة سنة) وقرأ الضحاك (ثلثمائة سنون) بالواو. وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة : التقدير : ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمائة. تفسير القرطبي (٦ / ٤٠٠٤) ط الريان.

٢٠٨

أينا ومنا وبيننا ، وأنه لا ينفك عن الإضافة (١).

وإذا سمعتهم يقولون : أيّا رأيت ، عنوا : أيهم ، ولذا يفتقر إلى الذكر البتة افتقار (أيهم). وقالوا في حرف التنبيه معه في : يأيها : إنه عوض عن المضاف إليه صورة ، و (كم) الخبرية (٢) : تأبي فيه التثنية ، إباء ما هي كناية عنه ، من باب الثلاثة تارة ، وباب المائة أخرى ، والغالب عليها استعمالها مع (من) كقوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ)(٣).

(وكل) (٤) : يقتضي فيه الكثرة ظاهرا أو تقديرا ، إذا كان معرفة ، كنحو : كل الأجزاء ، وكل المجموع ، والأصح فيه الإفراد والتثنية والجمع ، و (أجمع) (٥) نظير كل ، ولا يضاف إلى غير المعرفة و (كلا وكلتا) (٦) تقتضيان فيه التثنية والتعريف بعد التذكير والتأنيث ، وقوله (٧) :

إنّ للخير والشرّ مدى ...

وكلا ذلك وجه وقبل

نظير قوله تعالى عز قائلا : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(٨).

__________________

(١) انظر في (أى) المعجم المفصل في النحو (١ / ٢٨٢ ، ٢٨٣).

(٢) هي التى تفيد الدلالة على معدود كثير مجهول الجنس والكمية مثل : وكم ذنب مولده دلال وكم بعد مولده اقتراب وانظر في الكلام عليها المعجم المفصل (٢ / ٨٣٦ ، ٨٣٧).

(٣) سورة الأعراف ، الآية : ٤.

(٤) المعجم المفصل (٢ / ٨٢٨ ـ ٨٣٢) (١ / ٥٤ ، ٥٥).

(٥) المعجم المفصل (٢ / ٨٢٨ ـ ٨٣٢) (١ / ٥٤ ، ٥٥).

(١) انظر في (أى) المعجم المفصل في النحو (١ / ٢٨٢ ، ٢٨٣).

(٦) البيت من الرمل ، وهو لعبد الله بن الزبعرى في ديوانه ص ٤١ ، والأغانى ١٥ / ١٣٦ ، والدرر ٥ / ٢٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٤٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٣٢ والمقاصد النحوية ٣ / ٤١٨ وغيرها ، وانظر المعجم المفصل (٦ / ٧).

(٧) سورة البقرة الآية : ٦٨.

٢٠٩

وأفعل التفضيل ؛ في معنى الزيادة ، إذا شرط التقابل اقتضى فيه التنكير ، وحكم موصوفه فيه من الإفراد والتثنية والجمع ، كقولك : هو أفضل رجل وهما أفضل رجلين ، وهم أفضل رجال. وإلا أبى التنكير فيه والإفراد.

ومن شأن أفعل التفضيل ، إذا كان مضافا بمعنى الزيادة لا بشرط التقابل ، أن يكون موصوفه في جملة المضاف إليه ، ولذلك نهى في إضافته لهذه من نحو أن يقال : يوسف أحسن إخوته ، بإضافة الإخوة إلى ضمير يوسف ؛ لمنافاتها حكم أفعل ، لاقتضائها أن لا يكون يوسف في الإخوة (١).

و (ذو) وما يتصل به من المؤنث وغيره يقتضي فيه الجنسية ، كنحو : ذو مال ، وذات جمال ، ونحو قوله (٢) :

صبحنا الخزرجية مرهفات ...

أباد ذوي أرومتها ذووها

معدود في الشواذ (٣).

__________________

(١) انظر في أفعل التفضيل المعجم المفصل في النحو (١ / ١٠٤ ، ١٠٥).

(٢) البيت من الوافر ، وهو لكعب بن زهير في ديوانه ص ١٠٤ ، وأمالى ابن الحاجب ص ٣٤٤ ، وشرح المفصل ١ / ٥٣ ، ٣ / ٣٦ ، ٣٨ ، ولسان العرب (ذو) ، وبلا نسبة في الدرر ٥ / ٢٨ والمقرب ١ / ٢١١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٠ ، وانظر المعجم المفصل في شواهد العربية ٨ / ٢٨٤ ، وفيه (أبان ذوى) بدل (أباد) ، وفي اللسان (أبار) بالراء.

(٣) قال ابن منظور : قال ابن برى : إذا خرجت (ذو) عن أن تكون وصلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، لم يمتنع أن تدخل على الأعلام والمضمرات كقولهم : ذو الخلصة ، والخلصة : اسم علم لصنم ، وذو كناية عن بيته ، ومثله قولهم : ذو رعين ، وذو جدن ، وذو يزن ، وهذه كلها أعلام ، وكذلك دخلت على المضمر أيضا ، قال كعب بن زهير :

صبحنا الخزرجية مرهفات ...

أبار ذوى أرومتها ذووها

وقال الأحوص :

ولكن رجونا منك مثل الذي به ...

صرفنا قديما من ذويك الأوائل.

وقال آخر :

إنما يصطنع المعروف في الناس ذووه

لسان العرب (ذو).

٢١٠

فصل

وكما اتفق في قبيل عوامل الأفعال ما قد تفرد بأحكام راجعة إليه ، كذلك اتفق ههنا من ذلك أفعل التفضيل ، فإنه متفرد بأن يكون استعماله : إما [معرفة](١) باللام ، وإما مضافا ، وإما مصحوبا (بمن).

ويلزمه في الأول التثنية والجمع والتأنيث ، وفي الثالث ترك ذلك ، ولا يكون إلا منكرا فيه ، وفي الثاني الخيرة ، لم يخرج من هذا الحكم إلا (آخر) ، فإنه التزم فيه حذف (من) ، ولم يستوفه ما استوى في أخواته حيث قالوا : مررت بآخرين ، وآخرين وأخرى وأخريين وأخر وأخريات ، وإلا دنيا في مؤنثه ، فإنها استعملت بغير حرف التعريف ، قال العجاج (٢) :

في سعي دنيا طالما قدمت رجلي

أيضا. ومن ذلك (هلم) (٣) في لغة بني تميم ، فإنهم يقولون : هلما هلموا هلمي هلممن ، والظاهر من حكم أسماء الأفعال امتناع ذلك ، وعليه أهل الحجاز فيه. ولذلك حيث قالوا : هاتيا ، هاتوا ، هاتي ، هاتين ، اخترنا منع اسمية هات على ارتكاب نوع من الخفاء في اشتقاقه ؛ ومن ذلك ها : فإنه تلحق آخره همزة للخطاب ، ويصرف مع المخاطب في أحواله تصريف كاف الخطاب ، والظاهر من هذا الاستعمال فيما عداه العدم.

وأما الجزم ، فللفعل إذا أفاد فيه معنى الشرط والجزاء ، والأسماء التي تفيد ذلك هي :

__________________

(١) في (د): (معرفا).

(٢) لم أعثر عليه في ديوانه.

(٣) في لغة التميميين تدخل عليها النون بنوعيها ـ الخفيفة والثقيلة ، فقالوا : هلمّن يا رجل وهلمن يا امرأة ، وقالوا في تثنيتها للمؤنث والمذكر : هلمان وفي جمع المذكر (هلمّنّ) بضم الميم وتشديد النون ، و (هلممنانّ) لجمع النسوة. المعجم المفصل (٢ / ١١٤٧).

٢١١

(من) (١) ، نحو : من يكرمني أكرمه ؛ و (أي) (٢) ، نحو : أيهم يأتني أكرمه ؛ و (أنّي) (٣) نحو :

فأصبحت أنّى تأتها تلتبس بها

و (إذ ما) (٤) نحو : إذما تخرج أخرج ، و (حيثما) (٥) ، نحو : حيثما تجلس أجلس ، و (أين) (٦) ، نحو : أين تكن أكن ؛ (ومتى) ، نحو : متى تركب أركب (٧) ؛ وتدخل عليهما

__________________

(١) المعجم المفصل (٢ / ١٠٦٠).

(٢) وتجب إضافة (أى) لفظا ومعنى ، ويجوز إضافتها إلى النكرة مطلقا ، مثل :

أى حين تلم بى تلق ما شئت ...

من الخير ، فاتخذني خليلا

كما يجوز إضافتها إلى المعرفة ، بشرط أن تدل المعرفة على متعدد حقيقى ، أو تقديرى. المعجم المفصل (١ / ٢٨٢).

(٣) البيت من الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٢٠ ، وعجزه :

كلا مركبيها تحت رجليك شاجر

وخزانة الأدب ٧ ، ٠ / ٩١ ، ٩٣ ، ١٠ / ٤٥ ، ٤٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٣ وشرح المفصل ٤ / ١١٠ ، والكتاب ٣ / ٥٨ ، ولسان العرب (فجر) ، وانظر باقي مراجعه في المعجم المفصل ٣ / ٢٣٠.

(٤) (إذ ما) حرف شرط مركب من (إذ) مع ما وبدخول (ما) عليه يقطع عن الإضافة ؛ لأن (إذ) من الكلمات الملازمة للإضافة إلى الجمل الفعلية منها والاسمية. المعجم المفصل (١ / ٧٧).

(٥) إذا اتصلت (ما) ب (حيث) الظرفية ، كفتها عن الإضافة ، وتحولت إلى أداة شرط تجزم فعلين ، كقول الشاعر :

حيثما تستقم يقّدر لك الله ...

نجاحا في عابر الأزمان

المفصل (١ / ٥٠٠)

(٦) المعجم المفصل (١ / ٢٨٦)

(٧) وكقول الشاعر :

أنا ابن جلا ، وطلاع الثنايا ...

متى أضع العمامة تعرفونى

المعجم المفصل (٢ / ٩٣٨)

٢١٢

(ما) لزيادة الإبهام ، فيقال : أينما و (متى ما) ، و (ما) (١) ، نحو : ما تصنع أصنع ، وتدخل عليها عند قوم (ما) الإبهامية ، فتصير : (ما ما) فتستبشع فيجعل (مهما).

وعند آخرين تدخل على (مذ) و (إذا) (٢) في الشعر ؛ و (إذما) (٣).

وبسط الكلام في معاني هذه الأسماء موضعه علم المعاني. ولمعنى الشرط في (إذا) دون (إذ) حمل الرفع في نحو : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٤) ، على نحو ما حمل في (٥) :

إن ذو لوثة لانا

ونظائره. ولنقتصر من النوع الاسمي على هذا القدر ، وإلا فإن خيط الكلام فيه مما لا يكاد ينقطع.

الفاعل المعنوي

الظروف

وأما النوع المعنوي ، وهو الرابع ، فإنه صنفان :

أحدهما التزامي ، وذلك أن تأخذ معنى فعل من غير الفعل ؛ لدلالة له عليه ، وأنه

__________________

(١) المفصل (٢ / ٩١٠).

(٢) السابق (١ / ٧٤ ، ٧٧).

(٤) البيت من البسيط صدره :

إذن لقام بنصرى معشر خشن ...

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

وهو لقريط بن أنيف في خزانة الأدب ٧ / ٤٤١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٦٨ ، وللحماسي في مغنى اللبيب ١ / ٢١ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٤٤٥ ، ٤٤٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٤٣ ، وشرح المفصل ١ / ٨٢ ، ٩ / ١٣ ، ٩٦ ، ولسان العرب (خشن) ؛ وتاج العروس (خشن) ، ومجالس ثعلب ٢ / ٤٧٣. (المعجم المفصل ٨ / ٢٩).

٢١٣

يرفع إذا كان المأخوذ منه جملة ظرفية ، ومعتمدة على أحد الأشياء الخمسة ، كنحو : هل في الدار أحد ، وما عندنا شيء ، و (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ)(١) ، ولقيته عليه جبة وشي ، وزيد له فرس. هو الأعرف ، وإن لم تكن معتمدة ، أو لم يكن المأخوذ منه جملة ظرفية ، لم يصلح إلّا لنصب المفعول المطلق ، أو ما يقوم مقامه ، كنحو : عليّ لفلان ألف درهم عرفا ، والله أكبر دعوة الحق.

وإني لأمنحك الصدود وإنني ...

قسما إليك مع الصدود لأميل (٢)

ونحو : هذا عبد الله حقّا ، والحق لا الباطل ، وهذا زيد غير ما تقول.

أو المفعول فيه ، كنحو : في الدار زيد أبدا ، ولك غلامي يوم الجمعة ، أو الحال ، كنحو : ما لك قائما ، وما شأنك واقفا ، (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً)(٣) ، ولا ينصب إلا وهو متقدم على المعمول في الأقوى.

وثانيهما : ليس بالتزامي ، وأنه عند سيبويه (٤) يرفع لا غير ، وعند الأخفش (٥) من أصحابنا في مذهبه في الصفة يتخطى الرفع ، وكذا عند خلف الأحمر (٦) من الكوفيين في مذهبه في الفاعل والمفعول.

ووضع كتابنا هذا حيث أفاد الغرض الأصلي من الكلام في الصفة والفاعل والمفعول ، وهو معرفة إعرابها ، أغنى عن التعرض لغير مذهب سيبويه ، فنسوق الكلام ،

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩.

(٢) المعجم المفصل ٦ / ٣٥٠.

(٣) هود : ٧٢ ، وانظر (المفعول فيه) المعجم المفصل (٢ / ١٠٣٨).

(٤) الكتاب ١ / ٣٣ وما بعدها.

(٥) في (غ) : رحمة الله عليه.

(٦) هو خلف بن حيان ، أبو محرز ، المعروف بالأحمر (ت نحو ١٨٠ ه‍) راوية شاعر عالم بالأدب ، من أهل البصرة ، كان يضع الشعر وينسبه إلى العرب وله ديوان (المعجم المفصل ١ / ٤١٣).

٢١٤

بإذن الله تعالى ، على مذهبه.

المبتدأ والخبر

اعلم أن المعنى العامل ، فيما عرفته ، عند سيبويه ومن تابعه من الأئمة شيئان : أحدهما الابتداء ، وأنه يرفع المبتدأ والخبر. ويعنون بالابتداء تجريد الاسم عن العوامل اللفظية ، لأجل الإسناد كنحو : زيد منطلق ، وحسبك عمرو ، وهل أحد قائم ، ويسمى المسند إليه مبتدأ والمسند خبرا.

والمراد عندهم بالعوامل اللفظية ما عملت كان وإن [وأخواتهن](١). ومن شأن المبتدأ ، إذا كان [ضمير](٢) الشأن ، أن يجب تقديمه ، كنحو : هو زيد منطلق ، [ووجوب](٣) تقديم الخبر إذا كان فيه معنى استفهام ، كنحو : أين زيد ، أو كان ظرفا والمبتدأ نكرة [غير](٤) مقدر : في الدار رجل ، وأن يرتفع الوجوب في الجانبين فيما سوى ذلك.

ولا كلام في جواز الحذف لأيهما شئت عند الدلالة ، ولذا يحمل قوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(٥) على حذف المبتدأ تارة وحذف الخبر أخرى.

وقد جاء حذف الخبر ملتزما في مواضع منها قولهم : ضربي زيدا قائما (٦) ، وأكثر

__________________

(١) في (غ) : وإخوانهما.

(٢) في (غ) ضمين ، بالنون ، وهو تصحيف.

(٣) في (ط) و (د) (وجوب) ، وفي (غ): (وجواب).

(٤) سقطت من (غ).

(٥) سورة يوسف ، الآية : ١٨ ، ٨٣.

(٦) إذا كان المبتدأ مصدرا ـ كما هنا ـ وجب حذف الخبر ، وقوله : (ضربى) مبتدأ ، وياء المتكلم مضاف إليه وهو فاعل في المعنى ، و (زيدا) مفعول به للمصدر ، (قائما) حال منصوب سد مسد الخبر. وانظر حذف الخبر وجوبا (المعجم المفصل ١ / ٥٠٦ ، ٥٠٧).

٢١٥

شربي السويق ملتوتا (١) ، وأخطب ما يكون الأمير قائما (٢) ، وكل رجل وضيعته (٣) ، وقولهم : أقائم الزيدان ، باعتبار ، وقولهم : لو لا زيد (٤) ، على أحد المذهبين.

وقوع الفعل المضارع موقع الاسم :

وثانيهما : صحة وقوع الفعل المضارع موقع الاسم ، فإنها ترفعه ، كنحو : زيد يضرب ، وكذا : يضرب الزيدان ؛ ولا بد من تفسير الصحة بعدم الاستحالة ، أو القول عند خلوص الداعي بعدم الوجوب ، حتى يتمشى كلامهم إذا تأملته.

واعلم أنه لا يجتمع عاملان لفظي ومعنوي إلا ويظهر عمل اللفظي ، ويقدر عمل المعنوي ، كنحو : بحسبك [عمر](٥) ، وهل من أحد قائم؟ ولا لفظيان إلا ويظهر عمل الأقرب لا محالة عندنا ، كنحو : ليس زيد بقائم ، وما جاءني من رجل ، وأكرمني وأكرمت زيدا.

وأما الكوفيون فإنهم يظهرون ، في نحو : أكرمني وأكرمت عمل الأول ، ويقولون :

__________________

(١) السويق : ما يتخذ من الحنطة والشعير ، ولته : بلّه.

(٢) من مواضع حذف الخبر وجوبا : إذا كان المبتدأ أفعل التفضيل مضافا إلى المصدر ، والخبر الذي بعده حال تدل عليه ، وتسد مسده من غير أن تصلح في المعنى أن تكون خبرا مثل أكثر شربي ، وأخطب ما يكون. المعجم المفصل (١ / ٥٠٧).

(٣) إذا وقع الخبر بعد الواو التى تدل على العطف والمعية معا ، وعلامة هذه الواو أن يصح حذفها مثل : كل رجل وضيعته والخبر المحذوف : متلازمان.

(٤) ويجب حذف الخبر ، إذا دل على كون عام ، والمبتدأ بعد لو لا ، كقول الشاعر :

لو لا اصطبار لأودى كل ذي مقة ...

لما استقلت مطاياهن للظعن

فاصطبار نكرة أي تدل على كون عام ، والتقدير : لو لا اصطبار حاصل.

أما إن كان المبتدأ دالا على كون خاص ، جاز ذكر الخبر. (المعجم المفصل ١ / ٥٠٦ ، ٥٠٧).

(٥) في (غ) : عمرو.

٢١٦

أكرمني وأكرمت ، أو أكرمته زيد ، وكذا إذا قدمت وأخرت ، يقولون : أكرمت وأكرمني زيدا ، وعلى هذا فقس.

ولنكتف من هذا النوع بما ذكر ، منتقلين إلى الباب الثالث فقد حان أن نفعل.

الباب الثالث

في الأثر وهو الإعراب

اعلم أنه يتفاوت بحسب تفاوت القابل ، فإذا كان آخر المعرب ألفا لم يقبل الرفع والنصب والجر إلا مقدرة ، وإذا كان ياء مكسورا ما قبله لم يقبل الرفع والجر إلا مقدرين ؛ هذا هو القياس.

وقد جاء في الشعر ظاهرين على سبيل الشذوذ ، كما جاء النصب فيه مقدرا كذلك ، إلا أنه دون الأول كغير القبيح ، وإذا كان ، أعني المعرب ، أحد هذه الأسماء ، وهي : فم أب أخ حم ذو هن أيضا سادسا عند أكثر الأئمة (١) ، كان الرفع والنصب والجر حال الإضافة بالواو والألف والياء على الأعرف ، كنحو : فوه ، فاه ، فيه ، ذو مال ، ذا مال ، ذي مال ، وإذا كان مثنى كان رفعه بالألف ، كنحو : مسلمان ، ونصبه وجره بالياء ، كنحو : مسلمين. وإذا كان أحد لفظي : كلا وكلتا ، كان في حال الإضافة إلى الضمير كالمثنى.

وفي العرب من يلزم الألف فيهما وفي المثنى في جميع الأحوال (٢).

__________________

(١) في (غ) رحمة الله عليهم.

(٢) كقول الشاعر :

إن أباها وأبا أباها ...

قد بلغا في المجد غايتاها

(فأباها) اسم إن منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر ، و (أبا) معطوف عليها ، يعرب إعرابها ، (أباها) مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر ، (غايتاها) مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر (المعجم المفصل ٢ / ٩٥٢).

٢١٧

وإذا كان جمعا على حد التثنية ، كان رفعه بالواو ، كنحو : مسلمون ، وأخواه (١) بالياء : كنحو : مسلمين ، وإذا كان جمعا بالألف والتاء كنحو : مسلمات ، لم يقبل النصب إلّا على صورة الجر (٢) ، وإذا كان غير منصرف ، ولم يكن مضافا ولا معرفا باللام لم يقبل الجر إلّا على صورة النصب (٣) ، إلّا في ضرورة الشعر (٤) ، وليس كذلك يقبح.

وإذا كان المعرب مضارعا لم يقبل الرفع حال اعتلال الآخر إلا مقدرا (٥) ، وكان جزمه بسقوط المعتل (٦) ، ونصبه فيما دون الألف ، بالتحريك ، إلا ما شذ في الشعر من الثبوت هناك ، ومن التسكين ههنا.

هذا إذا لم يكن ، أعني المضارع ، متصلا بألف الاثنين أو الاثنتين ، أو واو الذكور ، أو ياء المؤنث المخاطب ، فإذا كان متصلا كان رفعه بالنون بعد الضمير ، وجزمه ونصبه بعدمه (٧) ؛ وإذا كان المعرب غير جميع ذلك ، كان رفعه ونصبه وجره وجزمه على ما

__________________

(١) يعني النصب والجر ، ويسمى جمع المذكر السالم.

(٢) وهو جمع المؤنث السالم.

(٣) كقوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ.) البقرة ١٣٦

(٤) كقول امرئ القيس : ويوم دخلت الخدر عنيزة فقالت : لك الويلات إنك مرجلى حيث نون عنيزة للضرورة الشعرية ، مع أنه علم المؤنث.

(٥) كقوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فاطر ٢٨ ، (يخشى) مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر.

(٦) وقد يجزم دون أن يحذف حرف العلة للضرورة الشعرية ، كقول الشاعر :

ألم يأتيك والأنباء تنمى ..

بما لاقت لبون بنى زياد.

(٧) وتسمى بالأفعال الخمسة : وهي كل مضارع اتصل بألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة.

٢١٨

هو المعتاد.

فصل : [في](١) خاتمة الكتاب

وإذ قد وفينا الكلام في باب الضبط لما افتقر إليه حقه ، مجتهدين في التجنب عن غايتي : اختصار يخلّ ، وتلخيص يملّ ، فلا علينا أن نختمه ، لمن أراد ، بما يأنس به أولو الفطن ، من إملاء بعض مناسبات لما هو إلى التعرض له أسبق ، كنحو التعرض لعلة وقوع الإعراب في الكلم ، وعلة كونه في الآخر لا محالة عندنا ، وعلة كونه بالحركات أصلا ، وعلة عدم استكنانه أصلا ، وعلة كونه في الأسماء دون الأفعال أصلا ، وعلة كون الصرف في الأسماء أصلا ، وعلة كون البناء لغير الأسماء أصلا ، وعلة كون السكون للبناء أصلا ، وعلة كون الفعل في باب العمل أصلا ، ونحو التعرض لكون الفاعل والمفعول والمضاف إليه مقدمة في الاعتبار ، وعلة توزيع الرفع والنصب والجر عليها على ما وزعت ، ونحو التعرض لعلة ما ورد على غير هذا الإضمار على ما ورد ، والكلام في ذلك كله مبني على تقرير مقدمتين وتحرير [عشرة](٢) فصول.

أما المقدمة الأولى ، فهي أن اعتبار أواخر الكلم ساكنة ، ما لم يعرف عن السكون مانع أقرب ، لخفة السكون بشهادة الحس ، وكون الخفة مطلوبة بشهادة العرف ، ولكون السكون أيضا أقرب حصولا ؛ لتوقفه على اعتبار واحد ؛ وهو جنسه ، دون الحركة : لتوقفها على اعتبارين : جنسها ونوعها ، فتأمل. [فهو في](٣) اللفظ اختصار ، فإذا منع عنه مانع ترك إلى الحركة ، وأنه نوعان : حسي ، وهو مجامعته لسكون آخر ، ألا [تراك](٤) كيف تحس في نحو : اضرب اضرب ، إذا رمت الجمع بين الباء والضاد ساكنين بشيء من الكلفة ، وربما تعذر أصلا على بعض.

__________________

(١) من (د).

(٢) من (غ). وفي (ط ، د) : عشر.

(٣) في (غ) : ففى.

(٤) في (غ) تراع.

٢١٩

وأما السكون الوقفي نحو : بكر غلام ، فقد هون الخطب فيه كونه طارئا لا يلزم.

وعقلي : وهو [وروده](١) ، وأنه شيء لا نوع له ، كما تعلم. حيث [ورود](٢) شيء ذي أنواع مطلوب ، مثل أن تكون الكلمة دالة على مسمى من حيث ذلك المسمى فقط ، ثم تقع في التركيب ، وتقيد مسماها بقيد مطلوب المعلومية ، فيحتاج إلى دلالة عليه.

وأنت تعلم أن التركيب الساذج ، وهو ورود كلمة بعد أخرى لكونه مشترك لدلالة لمجيئه تارة لمعنى ، وأخرى لمجرد التعديد ، لا يصلح دليلا على ذلك ، فيلزم حينئذ ، بعد الهرب عن وضع شيء مفارق للكلمة يدل على قيد غير مفارق لمعناها ، لخروجه عن حد التناسب ، مع [إمكان](٣) رعايته التصرف فيها ، إما بزيادة أو نقصان أو تبديل ، لامتناع اعتبار رابع هنا بشهادة التأمل بعد الهرب عن الجمع بين اثنين منها أو أكثر ، تقليلا للتصرف ، لكن لزوم الثقل للأول ، وعدم المناسبة للثاني ، وهو نقصان الكلمة لا زدياد المعنى ، مانع عن ذاك ، وعلى امتناعه فيما إذا كان على حرف واحد مع الظفر بما هو عارض جميع ذلك وهو تبديل حالة بحالة من الأحوال الأربع الحركات والسكون لما في غير هذا التبديل ، وهو إذ ذاك بعد رعاية أن يقع التصرف في الكلمة لما ذكرنا.

وإنما يقع فيها إذا لم تبطل بالكلية ليس إلا ، بتبديل حرف منه بحرف ، أو مكان [لذلك بمكان](٤) ، أعني القلب لا غير ، بشهادة الاستقراء الصحيح ، بعد الهرب عن الجمع بين اثنين من الخروج عن المناسبة ، وهو ترك الأقرب إلى الأبعد ، لا لموجب معلوم ، إذ الحركات أبعاض حروف المد ، بدليل أن حروف المد قابلة للزيادة والنقصان في باب الامتداد بشهادة الحس ؛ وكل ما كان كذلك فله طرفان بشهادة العقل ، ولا

__________________

(١) من (غ). وفي (ط ، د) : ردوده

(٢) من (غ). وفي (ط ، د) : تردد

(٣) من (غ). وفي (ط ، د) : أمر كان.

(٤) ليست في (غ).

٢٢٠