مفتاح العلوم

يوسف بن محمّد بن علي السّكّاكي [ السّكّاكي ]

مفتاح العلوم

المؤلف:

يوسف بن محمّد بن علي السّكّاكي [ السّكّاكي ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-1468-9
الصفحات: ٨٤٦

الباب الثاني

في الفاعل

اعلم أن العامل إما أن يكون لفظا أو معنى. واللفظ إما أن يكون اسما أو فعلا أو حرفا ، فينحصر العامل في أربعة أنواع كما ترى ، ومن حكم كثير من أصحابنا أن الفعل في الألفاظ أصل في العمل دون الاسم والحرف ، بناء منهم ذلك على أن المؤثر يلزم أن يكون أقوى من المتأثر ، والفعل أقوى الأنواع من حيث المناسبة لكونه أكثر فائدة ، لدلالته على المصدر وعلى الزمان. وعندهم في تقريرهم هذا أن الاسم والحرف لا يعملان إلا بتقويهما به ، فيقدمون الفعل في باب العمل. ولنا في تقرير حكمهم هذا طريق غير ما حكينا عنهم فليطلب من كتابنا" شرح الجمل (١) " وعسى أن نشير إليه في خاتمة الكتاب. وإذ قد ساعدناهم في تقرير حكمهم هذا ، فلنساعدهم في البداءة به ، فليكن النوع الأول.

اعلم أن الفعل عمله الرفع والنصب فقط ، أما الرفع فلفاعله. وهو ما يسند إليه مقدما عليه ، والإسناد هو تركيب الكلمتين أو ما جرى مجراهما على وجه يفيد السامع كنحو : عرف زيد ، ويسمى هذا جملة فعلية ، أو زيد عارف أو زيد أبوه عارف ، ويسمى هذا جملة اسمية ، وإن تكرمني أكرمك ، وإن كان متى زرتك فهو السبب لرؤيتك ، فمتى لم أزرك لم أرك ، ويسمى هذا جملة شرطية ، أو في الدار أو أمامك بمعنى حصل فيها ، ويسمى هذا جملة ظرفية دون : نحو عارف زيد ، إذا أضفت ، أو زيد العارف ، إذا وصفت ، فإنك لا تفيد. والعلم بجميع ذلك بديهي ، وهو الذي منع أن نحد الفائدة فيما نحن بصدده ، والأصل فيه أن يلي الفعل. فإذا قدم عليه غيره كان في نية المؤخر ، ومن ثمة جاز : ضرب غلامه زيد ، وامتنع عند الجمهور سوى الإمام ابن جني :

__________________

(١) كتاب الجمل لعبد القاهر الجرجاني ، صاحب أسرار البلاغة ، ودلائل الإعجاز ، توفى عام ١٤٧١ ه‍ ، وشرح السكاكى غير موجود (البلاغة عند السكاكى ٦٠ ، وعبد القاهر الجرجاني ٤٣) ويرى الجرجاني : أن الأفعال أصل في العمل ، فلذا قدم القول فيها في (الجمل ١٣).

١٤١

ضرب غلامه زيدا ، أو أن لا يخلو الفعل عنه ، ولهذا يقدر في نحو : زيد ضرب ضمير ، وإذا احتيج إلى إبرازه ، إما لجري الفعل على غير ما هو له في موضع يلتبس ، أبرز منفصلا على نحو : زيد عمرو يضربه هو ، والزيدان العمران يضربهما هما ، وإما لكونه ضمير غير واحد أو واحدة أبرز متصلا على نحو : الزيدان قاما ، والهندان قامتا ، والزيدون قاموا ، والهندات قمن ، إلا في باب : نعم وبئس ، كما ستعرف ، ولهذا أيضا ، أعني لامتناع خلوه عن الفاعل إذا بني للمفعول ، أقيم المفعول به المنصوب مقام الفاعل إذا ظفر به في الكلام ، وإلا فالمجرور أو المفعول فيه أو المطلق على الخيرة ، لكن يلزم وصف المطلق والمفعول فيه إذا كان مبهما استحسانا ، هذا بعد الاحتراز عن المفعول الثاني في باب علمت أبدا وستحققه ، والثالث في باب أعلمت ، فإنه ليس غير ذلك. وكما يرفع الفاعل الفعل ظاهرا كما رأيت ، يرفعه مقدرا كما في قولك : زيد لمن يقول لك : من جاء ، وتقدره قائلا ذلك ، وعليه قراءة من قرأ : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ)(١) أى ربك و (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ)(٢) بفتح الحاء والباء وكما في قوله :

إن ذو لوثة لانا (٣).

__________________

(١) الشورى : ٣ ووقع في (ط) و (د) (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) ربك وهو تصحيف ، والمثبت هو الصواب ، وهو كذلك في (غ).

(٢) سورة النور ، الآيات : ٣٦ ، ٣٧.

(٣) البيت :

إذن لقام بنصرى معشر خشن ...

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا.

وهو من البسيط وينسب لقريطة بن أنيف ولأبي الغول الطهوى ، وفي شرح الحماسة للمرزوقى قال بعض شعراء بلعنبر ، والتبريزى قريط بن أنيف. (شرح الحماسة للمرزوقى (١ / ٢٥) ، وللزمخشرى كلام عليه في المفصل).

١٤٢

فصل

والفاعل متى كان [ضمير](١) مؤنث حقيقيا أو غير حقيقي ، لزم التاء في فعله كنحو : هند ضربت ، والشمس طلعت. ومتى كان مظهرا مؤنثا ؛ لم تلزم إلا عند الحقيقي المتصل بالفعل كنحو : عرفت المرأة.

والمؤنث غير الحقيقي : هو ما يرجع إلى الاصطلاح ، فمنه ما في لفظه شيء يدل على تأنيثه ، وهو أن يكون جمعا مكسرا ، أو أن يكون في آخره تاء تنقلب هاء في الوقف ، أو ألف زائدة ، إما مقصورة ، والوزن فعلى ، بضم الفاء وسكون العين ، أو فعلى بضم الفاء وفتح العين ، أو فعلى بفتح الفاء والعين ، وإما ممدودة ، والوزن غير فعلاء وفعلاء بسكون العين والفاء غير مفتوح. ومنه ما ليس كذلك ، ويرجع فيه إلى أن يسمع في تصغيره التاء ، أو في صفته كنحو : أريضة ، وأرض مبقلة ، وأبقلت الأرض.

فصل

واعلم أنه لا يلتزم في الفاعل شيء لكونه مضمرا مفسرا أو غير مفسر ، أو مظهرا معرفا باللام أو بالإضافة ، أو غير معرف بذلك في نوع من الأفعال ، إلا في أفعال المدح والذم وهي : نعم وبئس وساء وحبذا.

فالتزم في نعم ، وهو للمدح العام ، أن يكون الفاعل إما مضمرا ، مفسرا بنكرة منصوبة ، موضحا باسم معرفة مرفوعة ، يسمى مخصوصا بالمدح ، وإما مظهرا ، معرفا بلام الجنس ، أو مضافا إلى معرف بذلك ، موضحا بالمخصوص ، وقد كان شيخنا الإمام الحاتمي ، رحمه‌الله (٢) ، يجوز في هذه اللام كونها للعهد ، وتحقيق القول فيه وظيفة بيانية نذكره في علم المعاني ، وذلك نحو : نعم رجلا زيد ، ونعم الصاحب أو صاحب القوم

__________________

(١) وقع في (ط): (ضميره).

(٢) في (غ): (تغمده الله برضوانه).

١٤٣

زيد ، في المفرد المذكر ، وفي المؤنث : نعمت امرأة هند ، ونعمت أو نعم الصاحبة أو صاحبة القوم هند ، وفي التثنية والجمع : نعم رجلين أو الرجلان أخواك ، ونعم رجالا أو الرجال إخوتك ، وكذا في المؤنث ، ويجوز الجمع بين المفسر والمظهر كنحو : نعم الرجل رجلا أو رجلا الرجل زيد ، وتقديم المخصوص كقولك : زيد نعم الرجل ، وحذفه إذا كان معلوما ، كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(١). وحبذا لا يخالف نعم في جميع ذلك ، إلا في جواز أن يقال : حبذا زيد.

وبئس وساء في الذم جاريان في الاستعمال مجرى نعم.

وأما النصب ، فلما يتصل به بعد الفاعل من غير التوابع له ، أعني للفاعل ، وهو ثمانية أنواع :

أحدها : المفعول المطلق ، وهو ما يدل على مفهوم الفعل مجردا عن الزمان ، كنحو : ضربت ضربا ، ويسمى هذا مبهما ، وضربة وضربتين ، ويسمى هذا مؤقتا ، وضرب زيد ، والضرب الذي تعرف والذي ينوب منابه معنى ينتصب انتصابه كنحو : أنبته نباتا ، وقعدت جلوسا ، وضربت ثلاث ضربات ، وأنواعا من الضرب ، وسوطا. ونحو : عبد الله أظنه منطلق بمعنى أظن الظن ، وكما ينصبه الفعل وهو مظهر ، ينصبه وهو مضمر ، جرى فيه الإظهار : كخير مقدم ، ومواعيد عرقوب (٢) ، وغضب الخيل على اللجم ، وأخوات لها. أو لم يجر : كسقيا ورعيا وخيبة وجدعا وعقرا وبؤسا وبعدا وسحقا وحمدا وشكرا لا كفرا ، وغفرانك لا كفرانك ، وحنانيك ولبيك وسعديك ودواليك وحذاريك وهذاذيك وسبحان الله ، ومعاذ الله ، وعمرك الله ، وقعدك الله ، ودفرا (٣) وبهرا ، (٤) وافة وتفة وويحك وويسك (٥)

__________________

(١) سورة ص ، الآية : ٤٤.

(٢) عرقوب : رجل يضرب به المثل في إخلاف الوعد.

(٣) دفرا : أى نتنا.

(٤) بهرا : البهر : الغلبة ، وبهره بهرا : قهره وعلاه وغلبه.

(٥) ويسك : بمعنى ويح وبحكمها.

١٤٤

[وويلك](١) وويبك (٢) وأمثال لها.

وثانيها : هو المفعول له ، وهو [علة](٣) الإقدام على الشيء مما يجتمع فيه أن يكون مصدرا وفعلا للمقدم ، ومقارنا للمقدم عليه ، كنحو : أتيتك إكراما لك ، وتركت الشر مخافة كذا.

والأصل فيه اللام. فإذا لم يجتمع فيه ما [ذكر](٤) التزم الأصل إلا في نحو : زرتك أن تكرمني ، وأنك تحسن إلي.

وثالثها : المفعول فيه ، وهو الزمان الذي يوجد فيه الفعل مبهما ، أو مؤقتا نكرة ، أو معرفة ، كيف كان ، كنحو : سرت يوما أوحينا أو الحين الطيب أو اليوم الذي تعرف ، أو المكان لكن مبهما فقط ، كنحو : جلست مكانا أو خلفك أو يمينك ، وأصل الباب (في) ، فمتى وقع الضمير موقعه التزم الأصل لرد الضمير الشيء إلى أصله ، اللهم إذا جرى مجرى المفعول به كقوله (٥) :

ويوم شهدناه سليما وعامرا

وكذا متى لم يكن المكان مبهما التزم الأصل ، وكما ينتصب غير لازم ينتصب لازما ، كنحو : سرنا ذات مرة وبكرا وسحرا [وسحيرا](٦) وضحى وعشاء وعشية

__________________

(١) ليست في (د) ، وويك بمعنى ويلك. وهى للتعجب.

(٢) ويب : كلمة مثل ويل زنة ومعنى.

(٣) في (ط): (صلة).

(٤) في (غ): (ذكرنا).

(٥) من الطويل ، وهو لرجل من بنى عامر (الكتاب ١ / ١٧٨) ، والكامل للمبرد (١ / ٢١) ، والمغنى (١ / ٥٥٧) ، والبيت :

ويوم شهدناه سليما وعامرا ...

قليلا سوى الطعن النهال

(٦) في (ط): (وسحر).

١٤٥

وعتمة ومساء (١) ، إذا أردت : سحرا بعينه ، وضحى يومك وعشاءه وعشيته ، وعتمة ليلتك ، ومساءها ونحو : [عند](٢) وسوى وسواء ووسط الدار. ولا كلام في جواز إضمار العامل في هذا الباب ، وفيما تقدمه عند دلالة الحال.

ورابعها : المفعول به (٣) ، وهو ما يتعدى الفعل فاعله إليه ويكون واحدا ، كنحو : عرفت زيدا ، واثنين إما متغايرين كنحو : أعطيت زيدا درهما ، وإما غير متغايرين ، وذلك في سبعة أفعال تسمى أفعال القلوب ، وهي : حسبت ، وخلت ، وظننت ، بمعناهما ، وعلمت ، ورأيت ، ووجدت ، وزعمت ، إذا كن بمعنى علمت ، ورفع المفعولين ههنا إذا توسطهما الفعل أو تأخر عنهما جائز ، ويسمى [الغاء](٤) ، وواجب إذا دخل عليهما لام الابتداء أو الاستفهام أو حرف النفي ، ويسمى تعليقا. وذلك نحو : زيد علمت منطلق ، أو زيد منطلق علمت ، وعلمت لزيد منطلق ، أو أزيد أخوك أو : ما زيد بقائم ، ويلزم ههنا ، بخلاف باب أعطيت ، ذكر المفعولين معا ، إلا في نحو : علمت أن زيدا منطلق ، وستقف عليه ، أو تركهما معا ، وجواز (٥) الجمع بين ضميري الفاعل والمفعول لواحد من رتبة واحدة ، كنحو : علمتني قاعدا ، ووجدتك قائما ، [وزيد](٦) رآه ماشيا ، وقد ورد هذا في : عدمت وفقدت ، قالوا عدمتني وفقدتني. قال جران العود (٧) :

__________________

(١) ينظر : المفصل ٢٥.

(٢) في (غ): (عندى).

(٣) ينظر المفصل ١٨.

(٤) تصحفت في (ط) إلى (الفاء) بالفاء.

(٥) نفسه ، ١١٠.

(٦) في (ط) و (غ) (وزيدا).

(٧) جران العود النمري ، هو عامر بن الحارث النمري ، ولقب بجران العود ؛ لأنه قد اتخذ عنق جمل مسن جلدا جعله كسوط يضرب به امرأتيه ، ويقول : ـ ـ

١٤٦

لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ..

وعما ألاقي منهما متزحزح

وأريت مجهولا ، وكذا أرى وترى ، وما ينخرط في هذا السلك يدخلن (١) في باب ظننت (٢) ، فيقال : أريت زيدا منطلقا ، وأين ترى بشرا مقيما.

وبنو سليم يجعلون باب قلت في الاستفهام مثل ظننت ، وثلاثة. وذلك في نحو : أعلمت وأريت كنحو : أعلم الله زيدا عمرا فاضلا ، وأريته إياه خير الناس [معدتين](٣) بالهمزة. والأخفش يسلك بأخواتهما هذا المسلك ، وفي خمسة أفعال أجريت مجراهما ، وهي : أنبأت ، ونبأت ، وأخبرت ، وخبرت ، وحدثت. وكما ينتصب المفعول به عن العامل مظهرا ، ينتصب عنه مضمرا ، سواء لم يلزم إصماره كقولهم لرائي الرؤيا : خيرا لنا وشرا لعدونا ، أو خيرا [وما سر](٤) ، ولمن قطع حديثه حديثك بإضمار رأيت وهات ، وقولهم : كاليوم رجلا ، بإضمار لم أر ، وأخوات لها. أو لزم كنحو قولهم : أهلا وسهلا ، وكليهما وتمرا وكل شيء ولا شتيمة حر ، وهذا ولا زعماتك ، وأمر أو نفسه ،

__________________

خذا حذرا يا حنشي فإنني ...

رأيت جران العود قد كان يصلح

كان تبعا لعروة بن عتبة" عروة الرحال" ، ويرجح أنه توفي نحو سنة ٨ ه‍ أي ٦٣٠ م.

له ديوان نشره المستشرق كرنكو لأول مرة ...

انظر في ترجمته : موسوعة الشعر العربي ٣ / ٣٦٥ وما بعده ، وعن مصادر دراسته ٣ / ٦١٥ وانظر المفصل (١١٨) ، (وأمالى الشجرى (١ / ٣٩) وشرح المفصل (٧ / ٨٨). وقد تصحف اسمه في (د) إلى (القواد) بالقاف.

(١) في (غ): (يدخل).

(٢) المفصل : ١١٧.

(٣) في (غ): (معتدين).

(٤) كذا في النسخ ولعله ، (وما شر) بالشين.

١٤٧

وأهلك والليل ، وشأنك والجمع ، ورأسك والحائط ، و [عذيرك](١) أو عاذرك. وفي باب التحذير (٢) : إياك وعمر والأسد الأسد ، وما شاكل ذلك ، وفي باب الاختصاص : إنا معشر العرب نفعل كذا ، ونحو : آل فلان كرماء ، وبك الله [نرجو](٣) الفضل ، قال (٤)

ويأوي إلى نسوة عطل ...

وشعثا مراضيع مثل السعالي

وكنحو قولهم فيما يضمر ، شريطة أن يفسر إما بلفظه ومعناه نحو : زيدا ضربته ، أي ضربت زيدا ، أو بمعناه. نحو : زيدا مررت به ، أي جزته ، أو بلازم معناه ، نحو : زيدا لقيت أخاه ، أي لابسته أو ضربت غلامه أي أهنته ، أو أكرمت أخاه أي سررته. وعلى ذا فقس ، فيمن يترك المختار في هذه الأمثلة ، وهو الرفع بالابتداء لعدم الحاجة معه إلى الإضمار المحوج إلى التفسير ، أو نحو : جزت القوم حتى زيدا جزته ، أو مررت به ، أو جزت غلامه ، أو نحو : زيدا ضربته ، أو ما [عمرا لقيته](٥) أو رجلا كلمته ، أو إذا زيدا تلقاه فأكرمه ، أو حيث زيدا تجده فعظمه ، أو نحو : زيدا اضربه أو لا تضربه ، وإن شئت : إما زيدا فاضربه ، أو فلا تضربه ، أو زيدا أمر الله عليه العيش ، وإما زيدا فجدعا له ، وإما عمرا فسقيا له ، أو نحو : اللهم زيدا فارحمه ، فيمن يعمل بالمختار في هذه الأنواع.

أما في الأول ، فلرعاية أن تناسب الجملة المعطوفة المعطوف عليها لعدم انقطاعها عنها ، بخلاف ما لو قيل : لقيت زيدا ، وأما عمرو ، فقد مررت به ، وإذا عمرو يكرمه

__________________

(١) في (ط): (عديرك) بالعين والدال المهملتين ، في (غ) (غذيرك) بالمعجمتين.

(٢) المفصل : ١١٧.

(٣) في (ط): (نرجوا).

(٤) البيت لأمية بن أبى عائذ الهذلى ، وهو من المتقارب في ديوان الهذليين (٣ / ٥٠٧) وفيه :

[له نسوة عاطلات الصدو ...

ر عوج مراضيع مثل السعالى]

والكتاب (١ / ٣٩٩) وفيه ، وشعث ، (٢ / ٦٦) شعثا ، والمفصل (٢٢ ـ ٢٣).

(٥) في (ط): (عمر ألقيته).

١٤٨

فلان ، فإما وإذا المفاجأة يقتطعان الكلام ، وعلى الوجه كلام من حيث علم المعاني لتفاوت الجملتين الفعلية والاسمية تجددا ، أو عدم تجدد ، فليتنبه.

وأما في الثاني ، فلرعاية حق الاستفهام ، والنفي ، وكلمتي إذا وحيث ، لكون دخولها في الفعل أوقع.

وأما في الثالث فللاحتراز عما لا تصح الجملة بعده ، وهو الرفع بالابتداء ، غير محتملة للصدق والكذب ، اللهم إلا بتأويل.

وأما في الرابع فكمثل ذلك ، مع رعاية حق العاطف أو نحو إن زيدا تره تضربه ، أو هلا ، أو ألا ، أو لو لا ، أو لو ما زيدا ضربته ، فيمن يعمل بالواجب لامتناع هذه الحروف عن غير الأفعال.

وخامسها : الحال ، وهي : بيان كيفية وقوع الفعل ، كنحو : جاء زيد راكبا ، وضربت اللص مكتوفا ، وجاء زيد والجيش قادم ، إذ معناه مقارنا لقدوم الجيش ، وزيد أبوك عطوفا ، وهو الحق بينا ، إذ أحق التقديرات يجيء عطوفا ، ويبدو بينا.

ويظهر من هذا ، أن الأولى في نحو ضربت شديدا ، حمل المنصوب على الحال دون الوصف للمصدر ، والحال لا تكون إلا نكرة ، فأما ذو الحال ، فلا يجوز تنكيره متقدما على الحال ، إلا إذا كان موصوفا ، ويجوز متأخرا.

ومن شأن الحال إذا كانت جملة اسمية أن تكون مع الواو عند الأكثر ، وإذا كانت فعلية والفعل مثبت ماضيا أو مضارعا أن يكون بدون الواو.

وأما في المنفي ، فقد جاء الأمران ، ويلزم الماضي قد ، ظاهرة أو مقدرة ، وفي هذا الباب كلام يأتيك في علم المعاني ، وأمرها في جواز إضمار عاملها لازم وغير لازم على نحو أمر المفعول به.

وسادسها : التمييز : وهو رفع الإبهام في الإسناد ، [أو](١) في أحد طرفيه ، بالنص

__________________

(١) سقطت من (غ).

١٤٩

على ما يراد هناك من بين ما يحتمل ، كنحو : طاب زيد نفسا ، وامتلأ الإناء ماء ، (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(١). والغالب عليه الإفراد ، لكن جمعه غير مستهجن ، ومن شأنه عندنا لزوم التنكير ، ومن علاماته صحة اقتران من به.

[فصل](٢)

واعلم أن ليس لهذه المنصوبات عند اجتماعها ترتيب على [حد ملتزم](٣) إلا المفعولين في بابي : أعطيت وعلمت ، فهما متى كانا ضميرين ، فلكونهما ضميرين في اتصالهما إذا تفاوتا ، حكاية وخطابا [وغيبة](٤) ، وهو الكثير ، يجب تقديم المتكلم على غيره ، كما يجب تأخير الغائب عن غيره ، وفي انفصال أحدهما ، وهو المختار في باب علمت ، يجب تأخير المنفصل كيف كان ، وضمير الشأن في باب علمت وما فيه استفهام كنحو : علمته زيد منطلق ، وعلمت أيهم أخوك ، لا يجوز تأخيره ؛ وتقديم هذه الأنواع الستة على الفاعل جائز إذا كان مظهرا ، أو مضمرا (٥) منفصلا ، ولا ينفصل إلا في نحو : ما ضرب إلا هو ، ونحو : زيد عمرو يضربه هو ، وإلا فلا ، وكذا على الفعل إلا التمييز عند سيبويه (٦) ؛ لكونه عنده فاعلا في المعنى ، وإلا المفعول به في باب التعجب (٧)

__________________

(١) القمر : ١٢.

(٢) زيادة من (د).

(٣) في (غ) : حده ليلتزم.

(٤) تصحفت في (غ) إلى (غبية) وفي (د) إلى (عيبة) بالمهملة.

(٥) في (غ) : أو ضميرا.

(٦) ينظر الكتاب (١ / ٢٠٤ ، ٢ / ١١٧).

(٧) المفصل (١٢٥ ـ ١٢٦) : .... ولا يتصرف في الجملة التعجبية ولا تأخير ولا فصل ، فلا يقال : عبد الله ما أحسن ، وما التعجبية عند سيبويه غير موصولة ولا موصوفة وهى مبتدأ ما بعده خبره ، وعند الأخفش موصولة ما. ما بعدها مبتدأ محذوف الخبر ، وعند بعضهم فيها معنى الاستفهام.

١٥٠

عند الجمهور.

وسابعها : المنصوب (١) في باب كان ، كنحو : كان زيد منطلقا ، وأنه نوع غير نوع الحال عندنا ، خلافا للكوفيين : من أن الحال شيء يأتي لزيادة فائدة في الكلام ، والمنصوب ههنا لنفس الفائدة ، وأما الفرق بينهما في أن تلك يلزمها التنكير ، وهذا يأتي معرفة ونكرة ، فلا يصلح لإلزام الكوفي لإنكاره لزوم تنكير الحال ، وبابه : كان وصار وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات وما زال وما برح وما فتىء وما انفك وما دام وليس ، وكذا : آض (٢) وعاد وغدا وراح ، وكذا : جاء وقعد. وتسمى هذه الأفعال ناقصة ، بمعنى أنها لا تفيد مع المرفوع بدون المنصوب ، ومن هذا يظهر أن مرفوعها ، وما كان من جنسه ، يجب أن يعد من الملحقات بالفاعل ، فتأمل. ويسمى مرفوعها اسما لها ، ومنصوبها خبرا لها.

وهذه الأفعال تتفاوت معانيها ، فكان للدلالة على المضي ، فإذا قلت كان زيد منطلقا ، كنت بمنزلة أن تقول : فيما مضى زيد منطلق ، وأما ما تكون بمعنى حدث أو تكون زائدة كما في قوله :

جياد بني أبي بكر تسامى ...

على كان المسومة العراب (٣)

وفي قولك : ما كان أحسن زيدا ، فعن نصب الخبر بمعزل ، وأما التي فيها ضمير الشأن كنحو : كان زيد منطلق ، فهي عندي عين الناقصة ، اسمها الضمير ، وخبرها الجملة.

وصار للدلالة على الانتقال إلى حالة ، واستعمالها على وجهين : أحدهما : صار زيد غنيا ، والثاني : صار زيد إلى الغنى.

__________________

(١) المفصل : ١١٩.

(٢) آض : يئيض : صار.

(٣) البيت من الوافر وهو في المفصل (١١٩) بلا عزو ، وشرح الألفية لابن عقيل.

١٥١

وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات : للدلالة على اقتران فائدة الاسم والخبر بالأوقات الخاصة التي هي : الصباح والمساء والضحى واليوم والليلة ، أو على معنى صار.

وأما أصبح وأمسى وأضحى في إفادتها معنى الدخول في أوقاتها ، فبمعزل عن الباب.

وما زال وما برح وما فتىء وما انفك : لاستمرار الفعل بفاعله في زمانه ؛ وما دام توقيت للفعل ، وإنما كان توقيتا [لكون](١) ما فيها مصدرية ، وحاصل معناها في قولك :

اجلس ما دام زيد جالسا ، اجلس دوام جلوس زيد ، هي مدة دوام جلوسه دون أخواتها ، فهي هناك نافية ، وما لورودها على معنى النفي ، ثم ردها إلى الثبوت ، فلذلك امتنع : ما زال زيد إلا منطلقا امتناع دام ، أو استمر زيد إلا منطلقا.

وليس : لنفي فائدة الاسم والخبر في الحال وفي الاستقبال ـ أيضا ـ برواية الإمام أبي الحسن محمد بن عبد الله بن الوراق (٢) ، رحمه‌الله ، ومعنى : ما بقي معنى صار.

وتقديم الخبر في هذا الباب على الاسم مطلقا [جائز](٣) إلا في نحو : كنته أو كنت إياه ، وهو المختار ، وعلى الأفعال التي ليست في أوائلها ما دون ليس ، ففيه خلاف : جائز أيضا وواجب أيضا ، إذا كان فيه معنى استفهام كنحو : متى كان القتال.

وههنا أفعال تتصل بهذه النواقص وتسمى : أفعال المقاربة (٤) وهي : عسى وكاد وكرب وأوشك وجعل وأخذ وطفق ، واتصالها بها ، أنها مع المرفوع بدون الخبر لا

__________________

(١) في (د): (الكون) وهو تصحيف.

(٢) أبو الحسن محمد بن عبد الله بن العباس النحوى المعروف بالوراق ، توفى عام (٣٨٠) ه (بغية الوعاة) ، (١ / ١٢٩ ـ ١٣٠).

(٣) في (د) وفي (ط): (جائزا).

(٤) المفصل (١٢١ ـ ١٢٢). وهو لم يستوف بقية أفعال هذا الباب ولم يبحث أفعال الشروح.

١٥٢

تفيد ، وبينهما تفاوت ، فخبر عسى يأتي فعلا مضارعا مع أن ، وخبر كاد بدونها ، وتصريف عسى تارة يكون على نحو رمي ، فيقال : عسيت عسينا إلى عسين. وأخرى على نحو : لعل فيقال : عساني عسانا إلى عساهن.

وكثيرا ما يجعل إن مع الفعل المضارع فاعلها فتستغني إذ ذاك عن التصريف ، وتتم به كلاما وهما ، أعني عسى وكاد ، قد تتقارضان ثبوت أن ولا ثبوتها.

وأوشك : تجري مجرى عسى في استعمالها تارة ، ومجرى كاد أخرى. والباقية تجري مجرى كاد.

ولما كان عسى لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء ، وكاد لمقاربته على سبيل الحصول ، لا جرم جعلنا ثبوت أن أصلا مع عسى ، ولا ثبوتها مع كاد.

وثامنها : المجرور بحرف الجر ، نحو : مررت بزيد ، وانتصابه لا يظهر إلا في تابعه كما قال :

يذهبن في نجد وغورا غائرا (١)

وجواز تقديم هذا على الفاعل وعلى الفعل مطلق إلا في باب التعجب ، هذا آخر الكلام في النوع الفعلي.

أنواع الحروف :

وأما النوع الحرفي ، فيعمل [الرفع والنصب](٢) والجر والجزم ، ولا يترتب الكلام ههنا إلا بتقسيمات ، وهي : أن الحروف ضربان : عاملة وغير عاملة.

الحروف العاملة :

والعاملة ضربان أيضا : عاملة عملا واحدا ، وعاملة عملين. والعاملة عملا واحدا

__________________

(١) البيت من الرجز للعجاج ، (الكتاب ١ / ٩٤).

(٢) في (غ) النصب والرفع.

١٥٣

ضربان : عاملة في الأسماء ، وعاملة في الأفعال. والعاملة في الأسماء ضربان : جارة وناصبة. والعاملة في الأفعال ضربان : جازمة وناصبة ، والعاملة عملين ضربان عاملة نصبا ثم رفعا ، وعاملة رفعا ثم نصبا ، فالحاصل من أقسام العاملة ستة أحدها : الجارة ، وثانيها : الناصبة للأسماء ،

وثالثها : الجازمة ، ورابعها : الناصبة للأفعال ، وخامسها : الناصبة ثم الرافعة ، وسادسها :

الرافعة ثم الناصبة.

حروف الجر :

فالقسم الأول : وهي الجارة ، تسعة عشر. وأنها لازمة للأسماء ، وهي نوعان : بسائط ، ومركبة.

فالبسائط ستة : [ك ، ل ، ب ، ت ، م.](١) في أحد الاستعمالين عند بعضهم. فالكاف للتشبيه : كقولك : الذي كزيد أخوك ، وتكون غير زائدة وزائدة ، إما مع الرفع ، كما في قولك : [لي عليه](٢) كذا درهما ، أو النصب كما في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٣) ، أو الجر كما في قوله : فصيروا مثل : (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(٤). وقد تكون اسما كما في قوله :

يضحكن عن كالبرد المنهم (٥)

ولا تدخل على الضمائر عند النحويين سوى المبرد (٦) ، فإنه يجيز ذلك مستشهدا بقوله :

__________________

(١) في (غ) ، (ك ل ت ب م).

(٢) في (غ) ، (لى عليك).

(٣) سورة الشورى ، الآية : ١١.

(٤) سورة الفيل ، الآية : ٥.

(٥) من الرجز وهو في المفصل (١٣٤) ، والهمع (٢ / ٣١) بلا عزو.

١٥٤

وأم أوعال كها أو أقربا (١)

ويتصل بها ما الكافة. واللام للملك أو للاختصاص كقولك : المال لزيد والجل للفرس ، وقد جاءت للقسم مع التعجب في مواضع كثيرة داخلة على اسم الله تعالى ، وتكون غير زائدة وزائدة مع النصب كما في قوله تعالى : (رَدِفَ لَكُمْ)(٢). وقولك : يا لزيد ، فيمن لا يحمله على تخفيف : يا أل زيد ، ومع الجر كما في قوله : يا بؤس للحرب (٣) ، وقولهم : لا أبا لك. وقد أضمرت في قولهم : لاه أبوك وإضمار الجار قليل. والتاء للقسم مع التعجب في [الأعراف](٤) ، ولا تدخل إلا على اسم الله تعالى ، وقد روى الأخفش (٥) : ترب الكعبة.

والباء : للإلصاق كقولك : به عيب ، ثم يستعمل للقسم وللاستعطاف وللاستعانة ،

__________________

ينظر رأيه في شرح المفصل ، (٨ / ٤٤).

(١) الرجز في المفصل (١٣٤) ، وشرحه (٨ / ٤٤) ، وشرح الألفية (٢ / ١٣).

وينسب للعجاج ولم أجده في ديوانه ، والبيت وصف لحمار الوحش وأتنه.

خلى الذنابات شمالا كثبا ...

وأم كها أو أقربا

الذنابات : آخر الوادي. كثبا : قريبا.

أم أوعال : هضبة في ديار بنى تميم.

(٢) سورة النمل ، الآية : ٧٢.

(٣) في الكتاب : (٢ / ٢٧٨) :

قالت بنو عامر خالوا بني أسد ...

يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام

قال سيبويه : حملوه على أن اللام لو لم تجئ لقلت : يا بؤس الجهل.

(٤) في (ط): (الأعراف).

(٥) رأى الأخفش في المفصل (١٣٣).

١٥٥

وبمعنى (عن) كقولك : سألت به أي عنه ، وبمعنى (في) أو (مع) كنحو : فلان بالبلد ، ودخلت عليه بثياب السفر ؛ لرجوعها كلها إلى معنى الإلصاق.

وتكون غير زائدة وزائدة مع الرفع كنحو : بحسبك زيد ، ومع النصب ، كنحو : ليس زيد بقائم ، ومع الجر عند بعضهم ، كنحو قوله :

فأصبحن لا يسألنه عن بما به. (١)

وقد أضمرت في قولهم : الله لأفعلن ، والميم للقسم كقولك : م الله لأفعلن بالكسر ، ولا يستعمل إلا مع اسم الله تعالى ، وقد حملت على أنها منقوصة يمين ، كما حملت البتة مضمومة في قولهم : م الله ، على أنها منقوصة من أيمن لعدم وقوع الضم في الحروف البسائط.

والواو للقسم ، ولا يدخل على الضمائر.

والمركبة ثلاثة أنواع : ثنائية ، وثلاثية ، ورباعية. فالثنائية خمسة : (عن) ، (كي) ، عند بعضهم ، (في) ، (من) ، (مذ).

فعن : للتعدية والمجاورة كقولك : رميت السهم عن القوس ، ثم يستعمل بمعنى اللام كقولك : لقيته كفة عن كفة ، أي لكفة ، وبمعنى على ، وبعد ، كما في قوله :

ورج الفتى للخير ما إن رأيته ...

عن السن خيرا لا يزال يزيد (٢)

أي على السن وقوله :

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للأسود بن يعفر وتمامه :

 .......................

أصعد في علو الهوى أم تصوبا.

(سر صناعة الإعراب ١ / ١٥٣).

(٢) البيت من الطويل (الكتاب ٤ / ٢٢٢ وفيه : على السن) ، وعيون الأخبار (٣ / ٨٩) ، والمغنى (١ / ٢٢ و ٢ / ٧٥٦) ونسبته للمعلوط القريعى.

١٥٦

ومنهل وردته عن منهل (١).

أي : بعد منهل. هذا على المذهب الظاهر ، وقد تكون اسما كما في قوله :

من عن يمين الحبيب نظرة قبل (٢)

وكي : للغرض في قولهم : كيمه ، ولا تدخل إلا على (ما). وفي : للظرفية كنحو : المال في الكيس ، ثم تستعمل بمعنى على ، كنحو قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(٣) لرجوعها إلى معنى الظرف. ومن : لابتداء الغاية ، ثم تستعمل للتبعيض وللتبيين ، كنحو : أخذت من الدراهم ، وعندي عشرون [منها](٤) ، لرجوعها إلى معنى الابتداء ، وقد جاءت للقسم ، تارة بكسر الميم وأخرى بضمها ، قالوا : من ربي لأفعلن ، ومن ، وعند بعضهم أنهما منقوصتا يمين وأيمن ، وتكون غير زائدة وزائدة مع المنفي المرفوع والمنصوب ، كنحو : ما جاءني من أحد ، وما رأيت من أحد ، ومع المستفهم المرفوع ، كنحو : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ)(٥)؟ ومع المثبت عن الأخفش كما في قوله

__________________

(١) من الرجز للعجاج ، وهو في ديوانه (١٥٧) ، وقبله :

من حومة الليل يهاوى جملى

وفي أدب الكاتب (٤٠٥) بلا عزو ، (والمعنى ١ / ١٥٩) ونسبته لبكير بن عبد الربعى ، وبعده :

قفر به الأعطان لم تسهل

(٢) البيت من البسيط للقطامي (ديوانه ١٨) و (أدب الكاتب ٣٩٢) وصدره :

فقلت للركب لما أن علا بهم.

(٣) سورة طه ، الآية : ٧١.

(٤) في (د) ، (منهما).

(٥) سورة فاطر ، الآية : ٣.

١٥٧

تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)(١).

ومذ : لابتداء الغاية في الزمان ، ولا تدخل على الضمائر ، وقد تكسر ميمها.

والثلاثية ستة : إلى ، على ، عدا ، خلا ، رب ، عند الأكثر ، منذ.

فإلى لانتهاء الغاية ، ثم يستعمل بمعنى مع ، كما في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ)(٢).

وعلى للاستعلاء ويكون اسما كما في قوله :

غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها (٣)

وفعلا ، وألفها حرفا واسما ، وكذلك ألف (إلى) تقلبان مع الضمير ياء ، إلا في لغة قليلة.

يقول أهلها : الاه وعلاه.

وعدا وخلا للاستثناء ، ولا تدخلان على الضمائر ويكونان فعلين ناصبين ، فإذا دخلت صدرهما ما لزمتا النصب إلا في رواية ابن البناء (٤) عن الأخفش (٥) ، [رحمة الله عليه](٦) احترازا عن زيادة ما مع أمر كان أخذه مصدريا لأصل سيمهد ، إن شاء الله تعالى.

إن الغرض من وضع الحروف الاختصار والزيادة تنافيه ، ولهذا متى حكمنا على حرف

__________________

(١) سورة نوح ، الآية : ٤.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢.

(٣) البيت من الطويل ، وهو لمزاحم بن الحارث العقيلي. (الكتاب ٤ / ٢٣١) (المفصل ١٣٣) وفيه :

غدت من عليه بعد ما تم خمسها ...

تصل وعن قيض ببيداء مجهل

(٤) هو الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء ، له شرح إيضاح الفارسى ، توفي سنة ٤٧١ ه‍ (بغية الوعاة ١ / ٤٩٥).

(٥) الأخفش : المغنى (١ / ١٤٢) خلا على وجهين.

(٦) في (غ).

١٥٨

بزيادة ، لم [نرد](١) سوى أن أصل المعنى بدونه لا يختل ، وإلا فلا بد من أن تثبت له فائدة.

ورب للتقليل ، والأظهر فيه عندي ما ذهب إليه الأخفش (٢) من كونه اسما ، لعدم لازم حرف الجر عنده ، وهو التعدية ، ولكونه في مقابلة (كم) ، فليتأمل ، ويختص بالنكرات ، ولهذا قالوا في نحو : ربه رجلا ، إن الضمير مجهول ، ونبهوا على ذلك باستلزامه التمييز ، ولا يتأخر عن فعله ، ويستلزم فيه المضي [عندنا](٣) وقوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ)(٤).

[مؤول](٥) يطلعك على ذلك علم المعاني ، ويتصل بآخره ما كافة. وملغاة مفتوحة ، وفيه تسع لغات أخر : رب : الراء مضمومة والباء مخففة مفتوحة ، أو مضمومة أو مسكنة ، ورب : الراء مفتوحة والباء كذلك مشددة أو مخففة ، وربت بالتاء ، مفتوحة والباء كذلك مشددة ، أو مخففة ، ويضمر بعد الواو كثيرا ، وقد جاء إضماره بعد الفاء في قوله :

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع (٦)

__________________

(١) تصحفت في (د) إلى (يزد).

(٢) الأخفش ، المغنى (١ / ٤٣) ، رب : حرف جر ، خلافا للكوفيين في دعوى اسميته. الإنصاف (٢ / ٨٣٢).

ذهب الكوفيون إلى أن رب اسم ، وذهب البصريون إلى أنه حرف. أما الكوفيون احتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه اسم على كم كم للعدد والتكثير.

(٣) تصحفت في (ط) إلى (عند).

(٤) سورة الحجر ، الآية : ٢.

(٥) تصحفت في (ط) إلى (مؤول).

(٦) البيت لامرئ القيس ، وهو من الطويل (ديوانه ١٢) ، وتمامه :

فألهيتها عن ذى تمائم محول

١٥٩

وبعد (بل) في قوله :

بل بلد ذي صعد و [أصباب](١)

ومنذ كمذ ، إلا أن المبرد (٢) يدخلها على الضمير ، وقد يكونان اسمين مبتدأين ، مرفوعا ما بعدهما على الخبرية ، معرفا في معناهما ، ابتداء للغاية لتقدير وقوعه في جواب متى ، منكرا دالا على العدد في معناهما ، مجموع المدة لتقدير وقوعه في جواب (كم).

والرباعية اثنان : حاشا ، حتى. فحاشا للاستثناء بمعنى التنزيه ، ويكون فعلا ناصبا.

وحتى (٣) : بمعنى (إلى) إلا أنه يجب أن يكون ما بعدها آخر جزء من الشيء ، أو ما يلاقيه ، وأن يكون داخلا في حكم ما قبلها ، وأن يكون فعلها مما ينقضي شيئا فشيئا ، فلا يجوز دخولها على الضمائر إلا المبرد (٤) [رحمة الله عليه](٥).

__________________

(١) تصحفت في (ط) إلى : (وأصاب) ، والبيت من الرجز (شرح الحماسة للمرزوقى ١ / ٣١٩) بلا عزو وفيه بل بلد ذى عقد وأحباب والمغنى (١ / ١٤٥) ، وفيه : بل بلد ذى صعد وآكام والصعد : جمع صعود وهو الطريق فصاعدا.

(٢) بحثها المبرد في المقتضب (٣ / ٣٠ ـ ٣١ ، ٤ / ١٤٣).

(٣) المفصل : ١٣٤.

(٤) رأى المبرد في (حتى) في المغنى (١ / ١٣١) ، ولم يذكره في المقتضب في بحث حتى إن لمخفوضيها شرطين أحدهما عام ، وهو أن يكون ظاهرا لا مضمرا خلافا للكوفيين والمبرد.

(٥) من (غ).

١٦٠