مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

ولا استيطان الحجاز

______________________________________________________

المساجد مطلقا في الحجاز والحرم وغيرهما مع الاذن وبدونه.

والمستند في الجملة هو الآية الصريحة في منع قربهم المسجد الحرام ، والدالة بالمفهوم على تحريم الغير ، وهي قوله تعالى «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا» (١) فافهم.

بل استدل بها على منع دخولهم الحرم مطلقا ، وقيل انه أراد بالمسجد ، الحرم كما في قوله تعالى «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» (٢) لانه صلّى الله عليه وآله اسرى من الحرم لا من المسجد.

وكذا ادعى الإجماع في المنتهى على عدم استيطانهم الحجاز ، واستدل عليه بالأخبار أيضا من طرقهم (٣) وفيها (من جزيرة العرب) أيضا ، ولكن قال : المراد بها الحجاز ، والمراد به مكة والمدينة وحواليهما.

مع ان المنع عن جزيرة العرب واقع في الخبر بعد منع الحجاز ، حيث قال صلّى الله عليه وآله : (لا يدخلن اليهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب) (٤).

والحكم مشهور بين الأصحاب ، وصرّح هو أيضا به في بعض كتبه مثل القواعد فتأمل.

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ٢٨.

(٢) سورة الإسراء : الآية ١.

(٣) الأخبار الواردة من العامة في ذلك متفاوتة ففي بعضها أجلاء اليهود من الحجاز ، ولفظ قطعة من الحديث في ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله (انى أريد أن اجليكم من هذه الأرض) ولفظ قطعة من بعضها (وأجلى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم يهود المدينة كلهم بنى قينقاع ويهود بنى حارثة وكل يهودي كان بالمدينة) راجع صحيح مسلم كتاب الجهاد باب ٢٠ حديث ٦١ ـ ٦٢ وفي بعضها إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، ولفظ قطعة من الحديث في ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا ادع الا مسلما) ، راجع صحيح مسلم أيضا باب ٢١ من الجهاد حديث ٦٣ وراجع المنتهى ، ص ٩٧١.

(٤) صحيح الدارمي كتاب السير (باب إخراج المشركين من جزيرة العرب) ولفظ الخبر (أخر ما تكلم به رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم اخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب)

٥٢١

ولو انتقل الى دين لا يقر عليه لم يقبل منه الا الإسلام أو القتل : وكذا لو عاد أو انتقل الى ما يقر عليه على رأى

______________________________________________________

وقال : لا يجوز لهم الدخول في الحجاز بل في سائر البلاد إلا بإذنه عليه السّلام ومعه يجوز دخول الحجاز أيضا للتجارة ، ولا يجوز له ان يأذن لهم لإقامة أكثر من ثلاثة أيام.

والبحث عن ذلك لا يخلو عن شي‌ء ، فيفوض اليه عليه السّلام ، وانما بحث العامة لتجويزهم الغلط على امامهم ، ولا ينبغي اتباعهم ، وقد فعلوا ذلك في مباحث كثيرة ، خصوصا في المنتهى لانه يريد التحقيق والرد عليهم حتى في المسائل التي لا أصل لها عندنا ، ثم نقول هذه الفروع ساقطة عندنا لكذا.

قوله : (ولو انتقل إلخ).

لو انتقل ـ الذي يقبل الجزية منه ، ولا يتعين عليه القتل أو الإسلام ، بل يجب ان يقر على دينه بالجزية ـ إلى دين ليس له ذلك الحكم ، مثل دين الحربي : صار مثله ، فلا يقبل منه الا الإسلام ، فان لم يسلم يقتل ، فلا يجوز حينئذ الاختصار على الجزية ، وترك اليهود مثلا على حاله إذا صار وثنيا ، سواء بقي على الوثنية أو عاد الى دينه الأول.

ولعل الخلاف فيه كما يفهم من المنتهى ، مستند الى قوله تعالى «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» (١) وقوله صلّى الله عليه وآله : من بدل دينه فاقتلوه» (٢) خرج ما اتفق على القبول بقي غيره تحته.

اما لو انتقل الى دين أخر مثل دينه الذي يقر عليه بأخذ الجزية ، مثل ان

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٨٥.

(٢) سنن الترمذي : كتاب الحدود : باب ٢٥ ما جاء في المرتد ، حديث ١٤٥٨ وفي مستدرك الوسائل : كتاب الحدود والتعزيرات باب ١ من أبواب حد المرتد حديث ٢ ولفظ الحديث (دعائم الإسلام : روينا عن رسول صلّى الله عليه وآله قال : من بدل دينه فاقتلوه) وفي المنتهى ص ٩٧٩ وراجع عوالي اللئالى ، ج ٢ ، ص ٢٣٩ تحت رقم ٥ ولاحظ ما علق عليه أيضا.

٥٢٢

ولو فعلوا الجائز عندهم لم يعترضوا (يعرضوا خ) الا ان يتجاهروا به فيعمل معهم مقتضى (بمقتضى خ) شرع الإسلام. ولو فعلوا المحرم عندنا وعندهم تخيّر الحاكم بين الحكم بينهم على مقتضى شرع الإسلام ، وبين حملهم الى حاكمهم.

______________________________________________________

كان يهوديّا صار نصرانيّا ، ففيه الخلاف ، رأس المصنف ، انه لا فرق لما تقدم من الآية والخبر.

ووجه الأخر : أنّ هذا دين يقبل ويقر عليه مع الجزية ، وقد صار المنتقل ، من اهله ، فدخل تحت أدلّته ، فتأمل.

والآمر في ذلك اليه عليه السّلام ، فسكوتنا عنه اولى ، ولكن يمكن ان يترتب عليه أخذ الجزية حال الغيبة ، فتأمل.

قوله : (ولو فعلوا الجائز إلخ). أي لو فعلوا الجائز عندهم وغير الجائز عند المسلمين خفية ، مع عدم شرط عدم فعله عليهم مطلقا. فالظاهر ان لا خلاف في عدم منعهم والتعرض لهم في ذلك.

واما إذا تجاهروا بمثل شرب الخمر علانية في مثل الأسواق فلا شك ان الظاهر وجوب منعهم ، فيعمل بمقتضى شرع الإسلام من الحد والتعزير.

واما لو فعلوا ما لا يجوز عندهم أيضا ، فالحاكم مخيّر بين إجراء أحكام المسلمين عليهم ، وبين ردهم على أحكامهم (الى حكامهم خ ل) لتعمل به مقتضى شرعهم.

قيل هذا فيما علم ان له في شرعهم حكما من حد وتعزير ، والا يتعين اجراء حكم الإسلام. والحكم مشهور

٥٢٣

«المطلب الثاني في أحكام أهل البغي»

كل من خرج على امام عادل وجب قتاله على من يستنهضه الإمام أو نائبه على الكفاية : ويتعين بتعيين الامام.

ثم لا يرجع عنهم الا ان يفيئوا : فإن كان لهم فئة يرجعون إليها ، قتل أسيرهم واتبع مدبرهم ، وأجهز على جريحهم ، والا فلا

______________________________________________________

المطلب الثاني في أحكام البغي

قوله : (كل من خرج على امام عادل إلخ). يريد تعريف الباغي ، وهو المسمى بالخارجي : ويريد بالإمام العادل المعصوم عليه السّلام : وبالنهوض ، القيام والطلب : وبنائبه ، من نصبه للقتال بالخصوص : و (على الكفاية) متعلق ، ب «وجب».

ودليل وجوب قتله حينئذ ظاهر من الكتاب والسنة (١) والإجماع ، وكونه كفائيا ، من العقل ، وكذا التعيين في موضعه.

قوله : (ثم لا يرجع إلخ). يعني لا بد من قتالهم الى ان يرجعوا إلى الإسلام :

ويدل عليه ما يدل على كفرهم ، فإن الباغي عندنا كافر ومرتد ، لإنكاره ما علم من الدين ضرورة ، من وجوب مودّة الإمام عليه السّلام الذي نقول به وتحريم بغضه وقتاله ، أو الى ان يتفرقوا إذا لم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، وحينئذ يترك.

__________________

(١) قال تعالى (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). سورة الحجرات ، الآية ٩.

واما السنة فراجع الوسائل ، ج ١١ كتاب جهاد العدو ، باب ٢٤ و ٢٥ و ٢٦.

٥٢٤

ولا يجوز سبى ذراريهم ولا نسائهم ولا يملك أموالهم الغائبة ، وفيما حواه العسكر مما ينقل ويحول ، قولان

______________________________________________________

ولا يجب قتالهم ، ولا اتباع مدبرهم ، ولا اجهاز جريحهم ، والا لفعل ضد ذلك ، كما نقل ذلك في محاربة أمير المؤمنين عليه السّلام مع عائشة ومعاوية (١) أظنّه نقل في الكشاف (لو لا محاربة على مع عائشة ومعاوية ما كان يعلم حكم أهل البغي والحرب) حيث ما تبع مدبرهم ، وما أجهز جريحهم ، بل اختصر على تفريق جمعهم في الأول وخلافه في الثاني ، فعلمنا أحكام قسمي البغاة.

وفيه ما فيه فتأمل : دل على هذا التفصيل الاخبار ، بقول وفعل أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الجمل وصفين.

قوله : (ولا يجوز سبى ذراريهم ولا نسائهم إلخ). الظاهر انه لا خلاف في ذلك ، لسمة الإسلام.

ونقل الإجماع في المنتهى على عدم تملك مال لم يحوه العسكر : ودل عليه الأصل والاخبار (٢) أيضا بفعله وقوله عليه السّلام ، حتى نقل انه لما كثر عليه القول في قسمة الغنيمة والفي‌ء ، قال : أيكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه؟ يعنى عائشة (٣) فكفوا عن ذلك.

ونقل عن السيد المرتضى عدم الخلاف بين الفقهاء في ذلك ، وان مرجع الناس في هذا الموضع الى قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام في محاربة أهل البصرة ، وان نقل الخلاف في أموالهم التي حواها العسكر ، وما تقدم ، دليل قوى على العدم مطلقا.

__________________

(١) الوسائل ، باب ٢٤ من أبواب جهاد العدو ، حديث ٣ ولفظ الحديث (لما هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين عليه السّلام لا تتبعوا موليّا ولا تجيزوا (ولا تجهزوا) على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ، فلما كان يوم صفين قتل المقبل والمدبر وأجاز على جريح! فقال ابان بن تغلب لعبد الله بن شريك هذه سيرتان مختلفتان ؛ فقال عليه السّلام : ان أهل الجمل ، قتل طلحة والزبير ، وان معاوية كان قائما بعينه) وحديث ٤ أيضا بهذا المضمون فراجع.

(٢) الوسائل ، باب ٢٥ ، من أبواب جهاد العدو فراجع.

(٣) الوسائل ، باب ٢٥ ، من أبواب جهاد العدو فراجع.

٥٢٥

وللإمام الاستعانة في قتلهم بأهل الذمة.

ويضمن الباغي ما يتلفه على العادل في الحرب وغيرها من مال ونفس.

ومانع الزكاة مستحلا ، يقتل ، وغير مستحل ، يقاتل حتى يدفعها.

______________________________________________________

وروي ان أمير المؤمنين عليه السّلام نادى يوم الجمل : من عرف شيئا من ماله مع أحد فليأخذه وكان بعض أصحابه قد أخذ قدرا وهو يطبخ فجاء صاحبها ليأخذها ، فسأله الذي يطبخ فيها إمهاله حتى ينضج الطبخ فأبى فكبها فأخذها (١).

وهذا يدل على كمال اهتمامه برد أموال الناس ، والانصاف للمظلوم عن ظالمه صلّى الله عليه وعلى أولاده.

ونقل في المنتهى ان من جملة ما أنكر الخوارج عليه عليه السّلام ، عدم السبي وقسمة غنيمة الخوارج ، وقالوا : من حلت دمائه حلت أمواله وبالعكس.

قوله : (وللإمام الاستعانة إلخ). وذلك ظاهر مع الحضور ، وهو الحاكم على الإطلاق.

وظاهر أيضا ضمان أهل البغي ما أتلفوا من أموال أهل العدل وأنفسهم ، اى عسكر الامام بالحق في الحرب وغيره ، بخلاف ما يتلفون أهل العدل في الحرب لدفعهم ، وان لم يملكوا ما يحويه.

قوله : (ومانع الزكاة إلخ). دليل جواز قتل مانع الزكاة مستحلا : انه منكر للضرورة فيقتل ، إذا لم يظهر له شبهة ، وينبغي قبول توبته كالخوارج ، فتأمل : ولا يقتل غير المستحل ، بل يسعى في الأخذ عنه مهما أمكن ولو بالحرب والمقاتلة ، ولكن يكون المقصود الأخذ والدفع ، لا قتله ، ولو قتل حينئذ يكون هدرا ، هذا ظاهر كلامهم ، فتأمل.

__________________

(١) المغني لابن قدامة ، ط بيروت ١٤٠٤ ه‍ ج ١٠ ، ص ٦٢ ، فصل ٧٠٧٣.

٥٢٦

وسابّ الامام يقتل.

______________________________________________________

قوله : (وسابّ الامام يقتل). اى يجب قتله على السامع ، صرح به في الدروس ، وقد مر ان سابّ النبي صلّى الله عليه وآله يقتل ، وكذا سابّ الامام مع العلم بأنه من أهل البيت الذين ثبت وجوب مودتهم واعظامهم وإكرامهم بالإجماع والنص من السنة والكتاب كما يفهم من الكشاف وغيره في تفسير قوله تعالى «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (١) (٢) وهو ظاهر.

__________________

(١) سورة الشورى : الآية ٢٣.

(٢) قال في الكشاف عند تفسيره للاية الشريفة ما هذا لفظه (وروى انها لما نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : على وفاطمة وابناهما ، ويدل على ذلك ما روى عن على رضى الله عنه : شكوت الى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم حسد الناس لي. فقال : «اما ترضى ان تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة انا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذريتنا خلف أزواجنا.

وعن النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي واذانى في عترتي ، ومن اصطنع صنيعه الى احد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فانا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة.

وروى أن الأنصار قالوا : فعلنا وفعلنا ، كأنهم افتخروا ، فقال عباس أو ابن عباس رضى الله عنهما : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم فأتاهم في مجالسهم فقال : يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي! قالوا ، بلى يا رسول الله قال : ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : أفلا تجيبونني؟ قالوا : ما تقول يا رسول الله؟ قال : الا تقولون ، ألم يخرجك قومك فآويناك ، أو لم يكذبوك فصدّقناك ، أو لم يخذلوك فنصرناك ، قال : فما زال يقول حتى جثوا على الركب وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، فنزلت الآية.

وقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، الا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ، الا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ، الا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الايمان ، الا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ، ثم منكر ونكير ، الا ومن مات على حب آل محمّد يزف إلى الجنة كما تزف العروس الى بيت زوجها ، الا ومن مات على حب آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، الا ومن مات على حب آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، الا ومن مات على حب آل محمّد مات على السنة والجماعة ، الا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ، الا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافرا ، الا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنة.

٥٢٧

ولو قاتل الذمي مع البغاة خرق الذمة

______________________________________________________

ويمكن كون الجهل عذرا وقبول التوبة لحقن الدماء ، ودعواه ذلك مقبول ، ويرشد اليه قبول توبة الخوارج ، لان قتل الامام والخروج عليه ومقاتلة أصحابه أعظم من السب وأظهر في المنع في الكفر فتأمل.

قوله : (ولو قاتل إلخ). أي لو أعان الذمي البغاة في حرب المسلمين ، خرق ذمته وصار حربيا يجوز قتله ، وما يجوز فعله بالحربي.

٥٢٨

«المقصد الخامس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»

وهما واجبان على الكفاية على رأى ، إلا الأمر بالمندوب فإنه مندوب.

______________________________________________________

المقصد الخامس

قوله : (في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). لعل المراد بالمعروف ههنا أعم من الواجب والمندوب ، لا الواجب فقط ، ولهذا استثنى من وجوب الأمر به ، أمر المندوب ، وكان الأحسن أن يراد بالمنكر أعم من المكروه ، ويستثنى من وجوب نهيه نهى المكروه ، فإنه مستحب كالأمر بالمندوب : ولكن أكثر عبارات الأصحاب مثل المتن.

وكأنّ الوجه عدم صحّة إطلاق المنكر على المكروه حقيقة ، وذلك هيّن.

ومع ذلك كان ينبغي ذكر النهي عنه وجعله مندوبا وان لم يكن داخلا في المنكر ، لاستيفاء البحث كما فعله في الدروس.

والمراد بالأمر هنا طلب فعل المأمور به وارادة إيجاده ، وطلب ترك المنكر وكراهته بوجه من الوجوه الآتية.

قوله : (وهما واجبان على الكفاية إلخ). قال في المنتهى : لا خلاف بين العقلاء كافة في وجوبهما : وذكر عليه الأدلّة من الكتاب والسنة أيضا (١) وهي

__________________

(١) الوسائل ، ج ١١ باب ١ من كتاب الأمر والنهي ، فراجع.

٥٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كثيرة معروفة ، ولا يحتاج الى ذكرها : لأنّ المسألة صارت كالضرورية فخرجت عن الفقهيّة.

ثم انه لا ثمرة في بحث أنّ وجوبهما هل هو عقلي ـ بمعنى انه مع قطع النظر عن الشرع ووروده ، يدرك العقل السليم قبح ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : بمعنى استحقاق التارك الذم عقلا ، واستحقاق الفاعل المدح ، فلو ترك الشارع الأمر بهما وإيجابهما ، يفهم من العقل ذلك ، وانما ذكره للتأكيد لا للبيان والكشف ـ أم لا : بل لا بد من الشرع ليبين للعقل ذلك فلا يدركه بدونه؟

إذ الواجب (١) الآن ظاهر بالأدلّة ، فلا اثر لذلك.

وكأنه لذلك تركه المصنف هنا : فتركنا أيضا البحث عن أدلّة الطرفين وما فيها.

والظاهر انه شرعي : إذا العقل يجوّز كون شخص مأمورا بشي‌ء ، ومع ذلك يجوّز عدم وجوب الأمر لأشخاص أخر ذلك الشي‌ء المأمور به ، بل قد يجوّز كونه قبيحا ، لقبح الأمر منهم.

نعم يمكن ان قد يجد العقل حسن الأمر والنهي لخصوص مادة ، لا لكونه مأمورا به ومنهيا عنه فقط ، مثل ان أمر الشارع بانقاذ الغريق ، ونهى العقل؟ عن إحراق النفس وهلاكها ، فأراد الشخص المأمور والمنهي خلاف ذلك.

والعقل يجد أنّ أمره ونهيه عن ذلك حسن موجب للمدح عند العقلاء ، وتركه مستلزم لضدّه عندهم ، لانه يجد أنّ الغرض هو الحفظ ، وعدم وجود هذا المنكر من العدم لا غير.

وكأنّه الى ذلك أشار في الدروس : ان وجوبهما عقلي وشرعي ، بمعنى انه في

__________________

(١) تعليل لقوله قدس سره : لا ثمرة في بحث إلخ.

٥٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بعض المواضع عقلي يجده من غير حاجة الى الشرع ، وان وجد فيه الشرع أيضا ، كما صوّرناه : وفي البعض بل الأكثر شرعي لا مدخل للعقل فيه.

وليس معناه انه عقلي يجده العقل بسبب ورود الشرع أيضا كما هو الظاهر ، إذ ليس ذلك محل النزاع والخلاف ، لان النزاع والخلاف في انه هل العقل مستقل أم لا؟ كما بيناه.

فالاجتماع غير معقول ، لأنه ان كان معرفة العقل بسبب الشرع ، فذلك يقال له شرعي لا عقلي : وان كان لا بسبه بل هو مستقل فذلك عقلي لا شرعي.

واما الخلاف في كون وجوبهما كفائيا أو عينيا فله ثمرة ستظهر.

لا بمعنى انه يجب على الجميع أو البعض ، لأن الكفائي أيضا يجب على الجميع عند المحققين ، مع انه لا ثمرة في ذلك النزاع.

ولا بمعنى انه يسقط عن الجميع بفعل البعض ، أو لم يسقط عن الباقين بفعل البعض : لأنه ان فعل المأمور وترك المنهي بأمر ذلك البعض ، أو علم عدم التأثير لأمره ونهيه بوجه ، أو الضرر في امره ونهيه ممن كان ، فلا معنى لبقاء الوجوب على الباقين ، لعدم بقاء شرط الوجوب. وان علم عدم التأثير من ذلك البعض أو الضرر به فقط علم عدم الوجوب عليه ، والوجوب على غيره ، فهم افراد الواجب الكفائي دونه.

بل بمعنى انه مع تحقق الشرائط في جماعة هل يجب على الكل التوجه الى الأمر ـ والمبادرة اليه ، وان علم توجه البعض وانه يقوم به ـ ، حتى (١) يحصل المطلوب ويسقط الواجب ، اما بوقوع الواجب المأمور وترك المنكر ، أو بعدم شرط وجوبهما ، أم لا؟

بل يكفى العلم بشروع البعض في ذلك ، أو إرادة شروعه ، أو ظن فعل البعض

__________________

(١) غاية لقوله قدس سره : هل يجب على الكل إلخ.

٥٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

لعدم تكليف الباقي الآن : بمعنى انه يجوز لهم الترك فيشتغلون عنه بأمور أخر ، فيصح عنهم ذلك ويجوز وان كان ضدا للأمر بهما ، والأمر بالشي‌ء يكون نهيا عن ضده الخاص ، والنهي مبطلا للعبادة إذا كان فيها.

وهذا لا خصوصية له بهذا الواجب ، بل يجرى فيما هو وجوبه كفائي فإنه بالحقيقة نزاع في معنى الكفائي وتحقيق حكمه ، بأنّ المعتبر في جواز ترك الباقين ذلك ، أيّ شي‌ء هو؟ ، هل يكفى ظن الوقوع ، وظن سقوط الواجب في ذلك أم لا ، بل لا بد من العلم ، فيجب ان يتوجه الكل ويشتغلون به حتى يتحقق.

وظاهر كلامهم ـ حيث جعلوا النزاع في كون هذا كفائيا أو عينيا ، بمعنى وجوب المبادرة على الكل حتى يحصل المطلوب ، أو علم عدم الوجوب ، وان ظنوا أو علموا انه يقوم به واحد كما ذكرناه وصرح به في الشرح وغيره ـ كفاية ذلك في سائر الواجب الكفائي.

ووجه الكفاية في غيره دونه غير ظاهر ، وليس كثرة أدلته ـ وعدم احتياجه الى دليل ، ولا احتمال عدم الايتمار بالأمر من يقوم به والانتهاء بنهيه ـ وجها (١) لذلك ، لانه لا يتفاوت الحكم بعد ثبوته بأدلته ، بين الكثرة والقلة.

وليس بأوضح من أحكام الأموات ، والفرض كفاية من يقوم ، وان فرض عدمها أو احتمل ذلك فيخرج عن محل النزاع ، وقد يفرض مثله في غيره أيضا.

وبالجملة كان المناسب جعله كفائيا من غير نزاع ، ثم البحث في سقوط الواجب الكفائي بالفعل وفي طريق التكليف به ، وجواز التأخير وعدمه.

وما أجد وجه جعل النزاع فيه فقط على وجه لا يجري في جميع الواجبات الكفائية ، وان البحث فيه بالحقيقة راجع الى تحقيق الواجب الكفائي.

__________________

(١) قوله قدس سره : وجها خبر لقوله قدس سره وليس كثرة إلخ.

٥٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم انه لا يبعد كفاية العلم بان الغير يقوم ، في جواز التأخير ، وعدم وجوب المبادرة فيما نحن فيه وفي جميع الكفائيات ، إذا كان العلم بحيث ان الواجب يسقط بتلك الإقامة ، إمّا بحصول المطلوب ، أو لتحقق عدم الوجوب على الباقي لعدم شرطه : مثل ان يعلم انه لو لم يؤثّر كلام من قام وأمره ، لم يؤثر غيره ، أو حصول الضرر.

بل يكفى الظن المتاخم للعلم المأخوذ من القرائن والعادات ، مثل تهيوء جماعة مقيدين بالشرع ، متعينين في بلاد المسلمين لتجهيز الأموات ، فإذا علم شخص منا موت مسلم لا يجب عليه المبادرة ، للعلم العادي أو الظن المتاخم له بارتكاب الغير ذلك.

ولهذا ترى ان العلماء والصلحاء يتركون ذلك في سائر البلدان والأعصار إلى الآن من غير إنكار أحد ذلك.

وكذا كانوا يبعثون من يمنع منكرا ، أو يأمر بالواجبات مثل اقامة الصلوات وأخذ الزكوات من غير ان يروحوا بأنفسهم ، ولا ان يبعثوا الى ذلك كل احد يمكنه ذلك.

وكذا في تعليم سائر الواجبات والمحرّمات ، وذلك ظاهر من آثار الماضين وفعل المعاصرين ، بل من فعله صلّى الله عليه وآله وأوصيائه صلوات الله عليهم أجمعين.

وعدّ في الدروس عدم الظن بقيام الغير مقامه على الأقوى ، شرطا من شرائط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكذا يظهر من المنتهى كما سيأتي.

وهذا يدل على كفاية مطلق الظن.

فتأمل ، فإن الأدلة غير مقيدة به ، وسقوط الواجب المحقق بمطلق الظن

٥٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مشكل : نعم لا يبعد الظن المتقدم (١).

ولكن لا يسقط ذلك الواجب في نفس الأمر إلا بحصول المطلوب ، أو بعدم وجود شرط أخر من سائر شروطه ، والاحتياط واضح فلا يترك مهما أمكن.

وبالجملة : الظاهر ان الواجب (الوجوب خ ل) كفائي ، لأن الظاهر ان المقصود إبراز المطلوب من كتم العدم الى الوجود من أىّ فاعل كان ، وليس الغرض متعلقا بكونه عن فاعل معين ولهذا لو ارتفع من نفسه لا يكلف الغير به.

فليس المراد وقوعه من مكلّف مكلّف ، وانما يجب عليهم لتعلق الغرض بوجوده ، وهو يحصل من الكل فكلفوا به لذلك ، ومع الحصول لا يطلب من الغير وهو الواجب الكفائي.

وليس أكثر من ذلك موجودا في سائر الكفائيات.

بل في بعض أدلّة هذا الواجب ما يشعر بالوجوب على البعض مثل «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (٢) والأمة واحدا فصاعدا ، ووردت به الرواية (٣) مستشهدا بقوله تعالى (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ» (٤) وغير ذلك ، مثل نفى الوجوب عن مطلق الأمّة وإيجابه على بعضهم على ما سيجي‌ء في الرواية ، وهو علامة الوجوب الكفائي.

وان كان الحق أيضا ، ان الوجوب في الكفائي أيضا على الكل.

الا ان في الإيجاب على البعض إشعارا بانّ المقصود يحصل بفعل البعض.

وان العلم بان الغير سيفعل الواجب الكفائي قبل فوت وقته كاف ، وكذا

__________________

(١) اى المتاخم للعلم.

(٢) آل عمران : الآية ١٠٤.

(٣) الوسائل باب ٢ ، من أبواب الأمر والنهي ، وما يناسبهما ، قطعة من حديث ١ ولفظه (والأمة واحد فصاعدا كما قال الله عزّ وجلّ ـ (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ) الحديث)

(٤) النحل : الآية ١٢٠.

٥٣٤

وانما يجبان بشرط علمهما

______________________________________________________

فيما نحن فيه ، بل الظن المذكور أيضا فيجوز التأخير ، هذا.

ووجه استثناء الأمر بالمندوب عن وجوب الأمر بالمعروف ظاهر ، لانه مندوب شرعا أيضا ، إذ لا معنى لكون الأمر بالمندوب واجبا ولا حراما ومكروها ، بل ولا مباحا.

قوله : (وانما يجبان بشرط علمهما). إشارة إلى شرائط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي أربعة :

(الأول) : علم الأمر والناهي يكون المأمور مأمورا (١) ، والمنكر منكرا ، إمّا بالدليل ان كان مجتهدا ، أو بالتقليد المعتبر ان كان مقلدا.

الظاهر ان الاجماعيّات والعلميات لا يحتاج الى تقليد الحي وفتواه ، بل في المسائل الاجتهادية فقط : على تقدير القول بعدم جواز تقليد الميت.

ودليل اشتراط هذا الشرط ، أنه لا بد من تحقق كونهما مأمورا ومنهيّا عندهما ، ليتحقق كونه آمرا به وناهيا عنه : إذ لا يؤمر (يأمر خ ل) الا لكونه آمرا بالمعروف ، ولا ينهى الا لكونه ناهيا (نهيا خ ل) عن المنكر : ولعدم لزوم الأمر بالمنكر ، والنهي عن المأمور.

قيل عليه : هذا ليس شرطا للوجوب بل لجواز الفعل إذ قد يجب بدونه : مثل ان يعلم بشاهدين ، ان هنا مأمورا متروكا ومنهيا مفعولا في الجملة ، وما نعرفهما ، فيجب ان يعلمهما حتى لا يفعل غير المجوّز.

قد يقال هناك أيضا قد حصل الشرط ، إذ قد يكون المراد به العلم في الجملة ، وان لم يكف ذلك للفعل ، بل يجب له التعيين والتفصيل.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ المطبوعة والمخطوطة ، والظاهر ان الصواب (كون المعروف معروفا) كما في المنتهى وغيره.

٥٣٥

وتجويز التأثير

______________________________________________________

على انه قد يمنع وجوبه من دون العلم : قال في المنتهى : ولا خلاف في شرط العلم.

ويدل عليه الخبر أيضا كما سيجي‌ء.

فتأمل. فيه ، إذ قد يقال : اشتراط العلم قد يؤل الى تعطيل الأمر ، إذ قد يترك الكل ، لعدم العلم الذي هو شرط في الوجوب ، فلا يجب على احد ولا يحصل المطلوب.

ويمكن ان يقال : لا يقع هذا بحكم الله ، أو لوجوب الأوامر وترك النواهي ، فيحصل العلم لذلك ، وحينئذ يحصل المطلوب.

أو يقال : المراد بشرط الوجوب ، شرطه المجامع للفعل : أو انه أراد بشرطيته للوجوب ، شرطيته لتحقق الواجب مسامحة ، لظهور ذلك ، وأشار الى أنّه لا يجوز قبل العلم والتعلم.

ثم ان الظاهر أيضا عدم وجوب التعلم أيضا ، مع وجود من يعلم ، وقدرته على الأمر والنهي ، مثل من لا يعلم ، أو أشد قدرة منه.

نعم : لو لم يكن عالم قادر كاف ـ مع وجود الجاهل كذلك منفردا أو منضما ، وعلم تحقق ترك المأمور وفعل المنكر مجملا ، وعلم وجوب الأمر والنهي على الاجمال على الكل ـ يجب عليه التعلم على التفصيل لتحصيل الغرض ، وهو نادر.

(الثاني) : تجويز التأثير عند الآمر ، فلو لم يجوّز التأثير ـ علما أو ظنا متاخما للعلم ويحتمل الظن مطلقا ـ قال (١) في المنتهى : لم يجب الأمر ، بل يجوز الفعل والترك معا.

قال في المنتهى يدل على هذين الشرطين ما روى عن أبي عبد الله

__________________

(١) جواب شرط لقوله قدس سره : فلو لم يجوّز إلخ.

٥٣٦

وإصرار الفاعل على المنهي ، أو خلاف المأمور

______________________________________________________

عليه السّلام انه قال : انما هو على القوىّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر ، لا على الضعيف التي لا يهتدى سبيلا (١).

بعد رد وجوب الأمر والنهي على الأمة جميعا.

وهذه مع رواية مسعدة بن صدقة (٢) تدلان على اشتراط العلم وجواز التأثير ، بل على نفى الضرر أيضا ، وهو الشرط الرابع.

ويدل على الثاني والثالث رواية يحيى الطويل أيضا (٣) ويكفى عدم الخلاف فيها.

(الثالث) : إصرار فاعل المنهي عنه عليه ، وإصرار فاعل ترك المأمور به عليه كذلك (٤) ، بمعنى انه اما ان يكون فاعلا بالفعل ، أو مريدا للفعل مرة بعد اخرى.

ويحتمل الاكتفاء بكونه غير نادم لما فعل ، سواء كان عازما على العود أم لا : ويؤيده وجوب التوبة والندامة : والأحوط الأمر حينئذ ، إذ الظاهر عدم التحريم قطعا.

نعم قد يقال : الأصل عدم الوجوب ، وليس بظاهر مع عدم الفعل مطلقا خصوصا مع عدم العزم.

نعم قد صرح بالتحريم ـ مع ظهور الندامة ـ في الدروس (٥) وغيره :

ولكن قول المنتهى والدروس : ولو ظهر امارة الندم سقط الوجوب ، مشعر

__________________

(١) الوسائل باب ٢ ، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ، قطعة من حديث ١.

(٢) قوله قدس سره : وهذه مع رواية مسعدة بن صدقة ، أي ذيل هذه الرواية وكلاهما رواية واحدة فلاحظ.

(٣) الوسائل باب ٢ ، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ، حديث ٢.

(٤) هكذا في جميع النسخ ، والظاهر زيادة لفظة (كذلك)

(٥) قال في الدروس ما لفظه : ولو لاح من المتلبس امارة الندم حرم قطعا ، لاحظ ص ١٦٥ وقال في المنتهى : الثالث ان يكون المأمور والمنهي مصرا على الاستمرار ، فلو ظهرت منه امارة الامتناع سقط الوجوب ، لاحظ ص ٩٩٣ فعلى هذا لفظة (والدروس) في قوله قدّس سرّه : (ولكن قول المنتهى والدروس) زائدة.

٥٣٧

وانتفاء الضرر عنه وعن ماله وعن اخوانه

______________________________________________________

بعدم السقوط ما لم تظهر الندامة ، وصريح في السقوط بمجرد ظهور الامارة.

وذلك غير بعيد ، للأصل ، وعدم ظهور الوجوب ، الا مع الإصرار المعلوم ، فلا يضر كون الأمارة علامة ضعيفة ، فيشكل السقوط بها ، كما قال في شرح الشرائع.

ولو لا توهم الإجماع ، لكان القول بعدم الوجوب مع عدم الفعل مطلقا متوجها ، إذ ليس هنا الا العزم على فعل حرام.

وحرمة ذلك غير ظاهر ، إذ قد نوقش في تحريمه فكيف في وجوب النهي عن ذلك ، ولكن وجوب التوبة مؤيد للتحريم ، ولو ثبت وجوب الأمر بها أيضا لكان الأمر والنهي مع العزم ، بل مع عدم ظهور الندامة ، موجها.

ولكن ظاهر كلامهم خال عن ذلك ، غير ان الأمر والنهي في صورة العدم ، على عدم الفعل مرة أخرى ، لا على الترك لحصوله حينئذ : ويحتمل حينئذ وجوب تكليفه بترك العزم على العود بالتوبة (١).

فتأمل فإنه ما ذكره احد على ما رأيت : والذي يظهر انهم كانوا يكتفون بترك المنكر مثلا ، وما نقل تكليفهم أحدا بالتوبة ، بل بمجرد الترك كانوا يخلون سبيله : وكذا في الأمر بالمعروف فإنهم كانوا يتركون بارتكابه فقط.

فلعل أصل العدم ، أو عدم العزم ، دليله ، وان التزامه أمر قلبي بينه وبين الله ، وانه ما علم الوجوب إلا بالأمر بالمعروف الظاهر ونهى المنكر كذلك بالإجماع ، وغيره منفي بالأصل.

ويمكن ان يقال : التوبة معروفة وتركها منكر ، وهو معلوم في مرتكب حرام ، فيبقى الأمر والنهي ، فتأمل.

(الرابع) : انتفاء الضرر عنه وعن ماله وعن إخوانه.

__________________

(١) في النسخ المخطوطة التي عندنا (وبالتوبة) وحينئذ يكون عطفا على قوله : (بتركه)

٥٣٨

ويجبان بالقلب أوّلا مطلقا ، إذا عرف الانزجار بإظهار الكراهية ، أو بضرب من الاعراض والهجر.

______________________________________________________

معلوم اشتراطه بعدم حصول ضرر لنفسه أو لماله أو لأحد من المؤمنين بل المسلمين كذلك ، قاله في المنتهى.

لانه قبيح ، والضرر أيضا قبيح ، ودفع القبيح بالقبيح ، قبيح : ووجوب إدخال الضرر على نفسه أو المسلمين لدفع حرام غير ظاهر ، وان فرض كونه أقل من الأول : والظاهر عدم الخلاف فيه أيضا : وتدل عليه الاخبار أيضا (١).

وكذا في كون الأول والأخيرين شرطين للجواز ، فبدونهما يحرمان ، وصرح بذلك البعض.

ولكن إذا كان الضرر قليلا ، غير معلوم تحريمه لذلك ، فتأمل.

وإذا كان الثاني شرطا للوجوب فبدونه أيضا يجوز.

ولكن ينبغي الترك إذا علم عدم التأثير ، لأنه عبث ولما في الرواية : انه لا ينبغي للمؤمن أن يذل (٢) يعنى لا يتعرض لما لا يطيق.

نعم لا يبعد استحبابه مع احتمال التأثير مع ظن عدمه ، ان كان مسقطا للوجوب ، لاحتمال حصول نفع ، فتأمل.

ثم اعلم ان المصنف قال في المنتهى : جعل الأصحاب كل هذا شرطا لمراتب الأمر والنهي ، وينبغي جعل الثاني شرطا لغير الإنكار بالقلب ، وهو ظاهر ، وينبغي كون الرابع كذلك ، بل الكل كذلك كما سيجي‌ء.

قوله : (ويجبان بالقلب إلخ). إشارة إلى مراتب الأمر والإنكار : وهي ثلاثة.

__________________

(١) الوسائل ، باب ٢ ، من أبواب الأمر والنهي ، وما يناسبهما فراجع.

(٢) الوسائل ، أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، باب ١٣ ، الحديث ١ ـ ٢. ولاحظ عوالي اللئالى ، ج ٣ ، ص ١٩١ ، الحديث ٣٣.

٥٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى) بالقلب ، مع إظهار ما يدل على ارادته وطلبه ترك المنكر من فاعله وفعل المأمور من تاركه ، بان يظهر الكراهة في وجهه ، أو لا يتكلم معه ، أو يعرض عنه بوجه (بوجهه ـ ظ) حين التكلم ، أو يهجر.

وبالجملة يفعل من غير تصريح باللسان واليد ، ما يدل على منعه مما فيه ، ويختصر على ذلك ، ان كان يحصل الزجر بذلك ، والا ينتقل إلى المرتبة الثانية.

والحاصل ان المرتبة الأولى بالحقيقة ، هو إظهار الكراهة على النحو الذي تقدم : ويجب إرادة إيجاد المعروف وترك المنكر وعدم الرضا بعدم الأول وفعل الثاني بالقلب ، مع اعتقاد قبحهما مطلقا : أي في جميع هذه المراتب الأربع (١).

لعل هذا هو المراد بجعلهم أول المراتب ، القلب مطلقا ، لا جعله قلبا فقط ، سواء وجد الشرائط أم لا كما هو الظاهر ، وفهمه البعض (٢).

وهو فاسد ، لان الاعتقاد القلبي ليس بأمر ولا نهى ، فكيف يجعل من أول مراتبه ، لانه قد اشترط فيهما شرائط فكيف يجعل أول المراتب غير مشروط بها.

__________________

(١) قوله قدّس سرّه : المراتب الأربع ، إشارة الى ما قدمه من قوله : بان تظهر الكراهة إلى قوله : أو يهجر ، وهي إظهار الكراهة بالوجه ، وعدم التكلم ، والاعراض ، والهجر.

(٢) الظاهر ان المراد من البعض هو الشهيد قدّس سرّه في المسالك ، فالمناسب نقل عبارته بعينها.

قال : اعلم ان الإنكار القلبي يطلق في كلامهم على معنيين ، أحدهما إيجاد كراهة المنكر في القلب ، بان يعتقد وجوب التروك وتحريم المفعول مع كراهته للواقع ، والثاني الاعراض عن فاعل المنكر وإظهار الكراهة له بسبب ارتكابه ، والمعنى الأول يجب على كل مكلف لانه من مقتضى الايمان واحكامه سواء كان هناك منكر واقع أم لا ، وسواء جوّز به التأثير أم لا ، الا ان هذا المعنى لا يكاد يدخل في معنى الأمر بالمعروف ، ولا النهي عن المنكر لاقتضائهما طلب الفعل أو الترك ، ولا طلب في هذا المعنى ، فلا يعد معتقده آمرا ولا ناهيا ، بخلاف المعنى الثاني فإن الإنكار والطلب يتحققان في ضمنه ، ووجوبه مشروط بالشرائط المذكورة ، لأنه يظهر على فاعله حتما ويجرى فيه خوف ضرر وعدمه. ومن هذا يعلم أنّ المعنى الأول لا يدخل في إطلاق قوله : (ولا يجب النهي ما لم يستكمل شروطا أربعة) المسالك ، ج ١ ، كتاب الجهاد ، في قتال أهل البغي ، ص ١٦١.

٥٤٠