مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه صريحة في الجواز لهم وعدم الجواز لغيرهم : ويدل عليهما أيضا بالمنطوق والمفهوم.

وصحيحة (١) عمر بن يزيد (كأنه الثقة) قال سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها وكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا؟ قال : فقال أبو عبد الله عليه السّلام كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه الى الامام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على ان تؤخذ منه (٢).

وفيها دلالة أيضا على جواز تعمير ارض الغير بعد تركه.

وصحيحة على بن مهزيار ـ قال قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السّلام من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس؟ فكتب بخطه : من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل (٣) ـ عامة.

وصحيحة الفضيل (كأنه ابن يسار الثقة) عن ابى عبد الله عليه السّلام (في حديث) قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة عليها السّلام : أحلّي نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا ليطيبوا ، ثم قال أبو عبد الله عليه السّلام : إنّا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا (٤) خاصة.

ويفهم عموم أملاكهم ، فافهم.

وما في رواية الحرث بن المغيرة النصري (كأنها صحيحة) عن ابى عبد الله

__________________

يزيد قال : رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة إلخ)

(١) هكذا في النسخ ، ويحتمل ان يكون الواو في قوله : (وصحيحة) زائدة.

(٢) الوسائل باب ٤ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث ١٣.

(٣) الوسائل باب ٤ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث ٢.

(٤) الوسائل باب ٤ من أبواب الأنفال قطعة من حديث ١٠.

٤٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام : وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب (١).

وهذه أيضا خاصة : وفي رواية يونس بن يعقوب ـ قال في المختلف انها موثقة ، وفيه تأمل ، لوجود محمد بن سنان الضعيف (٢) ، وهو اعرف ـ قال كنت عند ابى عبد الله عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال : جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعرف (نعلم ئل) أن حقك فيها ثابت وإنّا عن ذلك مقصّرون؟ فقال أبو عبد الله عليه السّلام ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم (٣).

وصحيحة زرارة وأبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السّلام : هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنهم لم يؤدّوا إلينا حقنا ألا وان شيعتنا عن (من ـ خ) ذلك وآبائهم في حلّ (٤).

وما في رواية نجية عن ابى عبد الله عليه السّلام وهو يقول : اللهم انا قد أحللنا ذلك لشيعتنا (٥) وغير ذلك من الاخبار.

وبالجملة لا ينبغي الكلام في الحل للشيعة كما هو ظاهر فتوى الأصحاب ، فإنه مقتضى كرمهم ومحبتهم وشفقتهم بالنسبة إلى شيعتهم ومواليهم ، وذلك مفهوم بالتأمل في سيرتهم معهم ووعدهم لهم بالشفاعة ، وعدم دخولهم النار ، وان فعلوا

__________________

(١) الوسائل باب ٤ من أبواب الأنفال قطعة من حديث ٩.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (سعد عن أبي جعفر ، عن محمّد بن سنان (سالم خ) عن يونس بن يعقوب)

(٣) الوسائل باب ٤ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث ٦.

(٤) الوسائل باب ٤ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث ١.

(٥) الوسائل باب ٤ من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام قطعة من حديث ١٤.

٤٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ما فعلوا ، بشفاعتهم ، وانهم لا يموتون الا مغفورين ان شاء الله.

واما ما يدل على العموم ، ففي مرسلة حماد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن عليه السّلام : والأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على ما صالحهم الوالي إلخ (١).

ولا دلالة فيها على المطلوب مع إرسالها فافهم.

وما في رواية محمّد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : وأيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعملوها (عمروها خ ل) فهم أحق بها ، وهي لهم (٢).

رواها الشيخ في التهذيب في الخمس ، عن على بن الحسن بن فضال مرسلا (٣) ، وأوصله الى محمّد بن مسلم ، وطريقه اليه غير ظاهر الصحة (٤) : وقيل «علي» أيضا فطحي وان كان ثقة : فيمكن حملها على الشيعة لما تقدم ، أو المسلم.

وبالجملة إذا ثبت كون الموات ملكا للإمام ، فيحتاج الى دليل أقوى يدل على الخروج عن ملكه والدخول في ملك المحيي ؛ وللأصل والاستصحاب والاعتبار بأنه عليه السّلام ليس براض عن الكافر ولا عن المخالف ، وأقوالهم (وأفعالهم خ ل) :

فيبعد رضاه بتصرفهما في ماله وتمليكهما إياها : وان كان ذلك محتملا لكرمهم ، وعدم اعتبار ما في الدنيا عندهم ، وعدم المؤاخذة فيها : ولهذا ان الله تعالى لم يرض

__________________

(١) الوسائل باب ٤١ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، قطعة من حديث ٢.

(٢) الوسائل باب ٧١ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، قطعة من حديث ٢.

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (روى على بن الحسن بن فضال عن إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى عن محمد بن مسلم)

(٤) طريق الشيخ الى على بن الحسن بن فضال كما في مشيخة التهذيب هكذا (وما ذكرته في هذا الكتاب عن على بن الحسن بن فضال ، فقد أخبرني به احمد بن عبدون المعروف ب «ابن الحاشر) سماعا منه واجازة عن على بن محمد بن الزبير عن على بن الحسن بن فضال)

٤٨٣

الثاني : أرض الصلح لأربابها يملكونها على الخصوص. ويجوز لهم التصرف بالبيع والوقف وغيرهما ، وعليهم ما صالحهم الامام.

ولو باعها المالك من مسلم انتقل ما عليها إلى ذمة البائع

______________________________________________________

منهم ومن أفعالهم ومع ذلك أباح لهم الدنيا وما فيها ، فتأمل فإن الفرق ظاهر.

ويستبعد ان يجوزوا عليهم السّلام تملك أموالهم لغيرهم بحيث يحرم بعده لشيعتهم التصرف فيها ، ولا يجعلون ذلك سببا لزيادة عقابهم. ولهذا خصص الأصحاب إباحة المناكح والمتاجر والمساكن بالشيعة وحرموها على غيرهم ، قد صرحوا بذلك على ما نجده في عباراتهم ، فإنه ذكر ذلك الشيخ في التهذيب في موضعين ، وغيره كما يدل عليه بعض الاخبار في الخمس.

واعلم ان هذا البحث لا خصوصية له بالأرض وما يتبعها بل يجري في جميع أموالهم حتى الغنائم التي يغنمونها بالجهاد مع الكفار بغير اذن الامام عليه السّلام حال الغيبة والحضور ، فان ظاهر كلامهم ان ذلك له عليه السّلام ، ونقل عليه رواية في التهذيب (١) ، وان كان فيها بحث.

ومع ذلك ، القول بأولويتهم غير بعيد ، بل هو الظاهر. واما الملك الذي هو مذهب المحقق الثاني فغير واضح.

والمسألة من مشكلات المقال ، والله تعالى عالم بحقيقة الحال ، هذا ما خطر بالبال مع تشتت الحال.

قوله : (الثاني أرض الصلح لأربابها إلخ). الثاني من أقسام الأرض ، التي صولحوا أهلها على ان يكون لهم وعليهم الجزية ، سواء عيّنت على الرؤوس أو على الأرض وجربانها.

وهذه الأرض ملك لهم وعليهم الجزية المقررة لا غير ، ويفعلون بها ما

__________________

(١) الوسائل ، باب ١ ، من الأنفال ، الحديث ١٦.

٤٨٤

ولو أسلم الذمي سقط ما على أرضه ، واستقر ملكه.

ولو صولحوا على ان الأرض للمسلمين ولهم السكنى فهي كالمفتوحة عنوة ، عامرها للمسلمين ومواتها للإمام

الثالث : ارض من أسلم (أهلها خ) عليها طوعا : وهي لأربابها يتصرفون فيها كيف شاؤا وليس عليهم سوى الزكاة مع الشرائط

______________________________________________________

يريدون من التصرف بالبيع والوقف وغيرهما ، (ويتملكها خ ل) ويتملك المسلم بوجه مملك كالبيع ، ولا ينتقل ما على ذلك الأرض إلى المسلم ، بل يبقى في ذمة الذمي.

واما إذا أسلم الذمي تسقط ما عليه بالكلية ، إذ لا جزية على المسلم واستقر ملكه على الأرض. ولكن هذا انما يكون مع قوم يصح أخذ الجزية منهم وتقريرهم عليها وعلى دينهم ، وهو ظاهر. وان فعل مثل ذلك بغير هم فلا يكون المأخوذ جزية ، ويكون ذلك صلحا لمصلحة يعلمها صاحبها.

واما لو صولحوا بان يكون الأرض للمسلمين ، ويكون للكفار السكنى فقط ، فيكون حكم أرضهم حكم الأرض المفتوحة عنوة ، معمورها حال الفتح مال المسلمين قاطبة ، ونظره ، اليه عليه السّلام ويقبلها ويصرف حاصلها في مصالحهم.

والظاهر ان ذلك أيضا بعد الخمس كما ذكرناه في المفتوحة عنوة ، وصرّح به في التهذيب والقواعد وغيرهما ، ومواتها للإمام عليه السّلام يفعل به ما يريد ، وحكم إحيائها ما تقدم ، فتذكر.

قوله : (الثالث : ارض من أسلم عليها طوعا). هذه ثالث الاقسام ، والظاهر عدم الخلاف في حكمها مثل الأولين. ودليله الإجماع ، والأصل. ومعلوم وجوب الزكاة على أربابها ـ مع شرائط وجوبها ـ من دليل وجوبها. والظاهر أنّها موجودة في الأول أيضا ، وساقطة في الثاني للجزية ، ويحتمل وجودها فيه لما مر ، كعدم وجوب

٤٨٥

الرابع : الأنفال ، وهي كل أرض خربة باد أهلها واستنكر رسمها ، والأرضون الموات التي لا أرباب لها ، ورؤس الجبال وبطون الأودية ؛ وكل ارض لم يجر عليها ملك مسلم.

وكل من سبق الى أحياء ميتة فهو أحق بها. ولو كان لها مالك معروف فعليه طسقها له

______________________________________________________

غيرها ، للأصل.

قوله : (الرابع : الأنفال إلخ). هذا رابعها ، وقد مرّ تفسيرها وأحكامها بدليلها فتذكر وتأمل ، وبالجملة : قيل الأنفال ، هي ما يستحقه الامام بخصوصه (من الأنفال بخصوصه ـ خ) ، والمراد هنا ما يستحقه (يخصه خ) من الأرض.

قوله : (باد أهلها). اى هلك مالكها وصاحبها (واستنكر رسمها) اى عدم علامتها.

والظاهر عدم اشتراط استنكار الرسم ، فلو لم يكن لكان أولى ، إذ يصير ملكا له عليه السّلام بمجرد هلاك أهلها ومالكها.

(والأرض الموات) قد يشمل (رؤوس الجبال ، وبطون الأودية) ، (وكل ارض لم يجر عليها ملك مسلم) وبالعكس أيضا. وكذا بين الرؤوس والبطون ، وبين كل ارض لم يجر إلخ فتأمل.

وقد ترك هنا وفي غيره أيضا حكم ما فيها من الماء وغيره كأنه للظهور وقد أشرنا إليه فيما سبق أيضا.

قوله : (وكل من سبق إلخ). ظاهره يدل على جواز التصرف ـ بالتعمير والزراعة في أرض الغير ، وصيرورة المتصرف اولى بها إذا ترك عمارتها ـ من غير اذنه ، وان كان معلوما بعينه ومعروفا الا انه يلزمه اجرة المثل.

وفيه تأمل ، الا ان يقال : علم الإذن من الاعراض والترك كما يعلم ذلك

٤٨٦

وللإمام تقبيل كل أرض ميتة ترك أهلها عمارتها ، وعلى المتقبل طسقها لأربابها.

(سياقة) (١)

لا يجوز احياء العامر ، ولا ما به صلاحه كالشرب والطريق في بلاد الإسلام والشرك ، الا ان ما في بلاد الشرك يغنم بالغلبة.

______________________________________________________

في سائر الأموال المعرض عنها غير الأرض.

واما لزوم الأجرة حينئذ كأنه لعدم العلم بالاعراض عنها ، مع إمكان العدم ما لم يطلب ، وإمكان عدم فهم عدم الإذن ، الا انه ما ذكره ، لان ذلك معلوم من الخارج. بأنه ان كان بالاذن فهو جائز ولا عقاب ، والا فلا يجوز ، ويستلزم استحقاقه ، وعلى التقديرين الأجرة لازمة.

ودليل جواز تقبيل الامام عليه السّلام كل أرض ميتة وأخذ طسقها للمالك ـ وان لم يكن له عليه السّلام بل للمسلمين قاطبة ، أو لشخص معروف معلوم ترك عمارتها ـ أنه ولى الأمر والاولى منهم ووكيلهم ، فله التصرف في مالهم فيه المصلحة ، وهو العالم ، فترك البحث اولى.

قوله : (لا يجوز احياء العامر إلخ).إشارة إلى شرائط جواز الاحياء : وهي عدم الاختصاص الذي هو شرط الموات كما أشير إليه فيما نقلناه عن القواعد مع أسبابها الست.

الأول العامر وسبب عدم جواز التصرف بالإحياء في الجملة أن فرض كون البعض مواتا ، أو أراد بالاحياء مجرد التصرف بالزراعة وغيرها ، وكذا ما به

__________________

(١) أي نكتة سيق الكلام إليها.

٤٨٧

ويجوز احياء الموات بإذن الامام ، وبدون اذنه مع غيبته ، ولا يملكه الكافر.

بشرط ان لا يكون عليها يد مسلم.

______________________________________________________

صلاح العامر ، وهو حريمها ، مثل النهر الذي يجري مائها منها ، وطريقها المسلوك إليها سواء كان ذلك في بلاد الإسلام أو الشرك ، الا ان يكون ممن يجوز التصرف في أموالهم بالقهر ، فيقهرهم.

فيفهم ان العامر ملك الغير ، مع عدم علامة الاعراض وجواز التصرف فيه.

وانه لا يجوز التصرف في ملكه إلا باذنه.

وقد مر دليل جواز التصرف واحياء الموات في زمان الغيبة بغير الاذن بالفعل ، وعدم تملك الكافر ، بل المخالف أيضا.

وان ظاهر المتن فيما تقدم جواز التملك للكافر أيضا ، وقد منعه هنا بقوله (ولا يملكه الكافر) المشعر بملكية المسلم مطلقا. فكأنه رجع عما تقدم ، وهو بعيد إذا أراد بالمحيي هناك المسلم وهو قريب بحسب المعنى. وفي قيود المحقق الثاني هنا أيضا ، بل يملكه الكافر كما تقدم. والاولى عدم اشتراط الاحياء بعدم كونها عامرة ولا إضافة الاحياء إليها.

قوله : (بشرط ان لا يكون إلخ). متعلق بقوله (ويجوز احياء الموات) إشارة إلى السبب الثاني المانع من جواز الاحياء ، وهو ثبات يد المسلم على الموات.

وهذه العبارة مثل ما تقدم عن القواعد ، تدل بظاهرها على ان مجرد وضع اليد على الأرض الموات ـ التي يجوز إحيائها للواضع يده من غير احياء وتحجير ـ (١) مانع من احياء الغير ويصير بذلك اولى ، ولا يجوز أخذها منه ، بل لا يملكها ولا يصير اولى بالتصرف لو أحياها غيره.

__________________

(١) في بعض النسخ (من غير احياء تحجير مانع)

٤٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وكثير من العبارات يدل على ان الأولوية لم تحصل الا بالتحجير.

ولعل المراد بوضع اليد كونها ملكا له ولو كان ذلك بمجرد وضع اليد من غير علم بسبب الملك ، سواء ضمّ اليه دعوى الملكية أم لا ، فان ذلك كاف للمنع لاحتمال الصحة ، وحمل اليد على غير العدوان والملكية كما هو الظاهر ، فتأمل فيه.

نعم ان علم ان وضع اليد ليس بسبب الملك ، ولا أولوية كالتحجير يمكن إزالتها ، والاحياء ، إذ لا عبرة بمثل هذا اليد ووضعها ، صرح بذلك في الدروس.

ويمكن جعل مجرد وضع اليد مانعا ، وان علم عدم التحجير أيضا ، لكن مع ارادته والاشتغال به ، فان العقل يجده انه اولى من الذي ما وضع اليد ، فإزالة يده ترى ظلما وعدوانا ، فإنهما سواء مع سبق السابق (١) :

نعم ان ثبت دليل على عدم الأولوية الا بالتحجير والإحياء عقلا ونقلا ، وعلى جواز الإزالة قبلهما عقلا ونقلا فهو متبع ، والا فالعقل يجد قبح الإزالة ، فهو مما يمكن ان يقال يجب اتباعه ما لم يظهر الأقوى منه ، فيظهر ان العقل غلط في ذلك لعدم كماله فتأمل.

وقد ظهر مما سبق أنّ مجرد وضع اليد على الموات يمكن ان يكون كافيا للملكية ، فلو مات الواضع يده ، يرثها وارثه ، ويجوز بيعها والشراء منهم ومن الواضع ، ويجوز وقفها وجعلها مسجدا ، لإمكان كونها ملكا ، بان يكون من الأرض التي صولح أهلها على ان يكون لهم ، ثم انتقل الى الواضع والوارث بوجه شرعيّ مملك ، أو يكون مواتا ملكها بالاحياء ثم خربت ، وان كانت (ملك خ ل) تلك في المفتوحة عنوة معمورة حواليها الان أو ثبت كون الحوالى معمورة حين الفتح.

__________________

(١) إشارة إلى قوله عليه السّلام ، من سبق الى مكان فهو أحق به ، اى وضع اليد والتحجير مساو مع سبق السابق.

٤٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وصرح الشهيد الثاني قدس سره في شرح الشرائع على ان كل من يدعى ملكية أرض يسمع منه ولا يجوز الأخذ منه لما مر.

فعلى هذا يشكل أخذ الخراج ـ على تقدير جوازه ـ من الواضع يده على أرض محياة في البلاد المشهورة انها مفتوحة عنوة أيضا ، فإنه يفيد الملكية ظاهرا مع الإمكان وعدم العلم بالفساد.

فإثبات كونه من الأرض الخراجية مشكل جدّا. كيف يمكن الآن إثبات أن هذه الأرض بعينها كانت معمورة عند الفتح بإذن الإمام شرعا ، ويشكل الحكم بمجرد كونها معمورة الآن ، لانه كذلك حين الفتح ، للاستصحاب ، لان الوضع مانع لما تقدم ، وقد قال هو أيضا بذلك ، ولأن الأصل عدم العمارة إلا فيما يتحقق ذلك ، فتأمل.

ولا تدل على كون شي‌ء معين من ارض العراق كذلك ـ رواية الحلبي كأنها صحيحة لأن ابن مسكان ، هو عبد الله على الظاهر ، لنقله عن محمد الحلبي (١).

قال سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ، فقلنا : الشراء من الدهاقين؟ قال : لا يصلح الّا أن يشترى منهم على ان يصيّرها للمسلمين ، فإذا (فإن يب) شاء ولىّ الأمر أن يأخذها أخذها ، قلت : فإن أخذها منه؟ قال يرد إليه رأس ماله وله ما أكل من غلتها بما عمل (٢).

نعم هي تدل على كون العراق مفتوحة عنوة في الجملة : فإمّا ان يكون بإذن أمير المؤمنين عليه السّلام ، إذ كان الحسن عليه السّلام معهم كما قيل ، أو انه لا يشترط في الفتح عنوة كونه بإذن الإمام عليه السّلام ، لضعف الرواية (٣) الدالة على

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب (الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن محمد الحلبي)

(٢) الوسائل باب ٢١ ، من أبواب عقد البيع وشروطه ، حديث ٤.

(٣) الوسائل ، باب ١ ، من أبواب الأنفال ، الحديث ١٦.

٤٩٠

ولا حريما ، ولا مشعر عبادة (العبادة خ ل) ولا مقطعا ،

______________________________________________________

اشتراط اذن الامام ، وكون المأخوذ حينئذ ماله عليه السّلام :

ويدل على عدم جواز شراء ارض العراق ، رواية أبي الربيع الشامي أيضا عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا تشتر من ارض السواد (أراضي أهل السواد خ) شيئا إلا من كانت له ذمة ، فإنما هو في‌ء للمسلمين (١).

على ان صحة الشراء في الأولى بأن يكون للمسلمين غير ظاهر ، بل يجب بطلان الشراء ، فكأنه كناية عنه.

وأيضا في رده عليه السّلام رأس ماله إليه تأمل ، إلّا ان يريد رد البائع مع البقاء ، أو جهل المشتري ، وكذا في إباحة أكل غلتها بما عمل ، الا ان يكون المراد زرعها الذي زرعها من ماله فالحاصل له وليس عليه حينئذ الا اجرة الأرض.

وكذا في صحة البيع في الثانية ، ومعنى قوله (الا من كانت له ذمة) ، مع عدم صحة السند.

قوله : (ولا حريما). مثل المشرب والطريق. وسيجي‌ء تفصيل الحريم لكل شي‌ء. ودليله انه تابع لأصله ، فكأنه معمور مملوك فلا يجوز التصرف فيه ، هذا واضح بعد ظهور الحريمية بدليلها وسيجي‌ء ان شاء الله.

قوله : (ولا مشعر العبادة). لأنها موضوعة للعبادة ، فكأنه مسجد. ويمكن التصرف والتعمير فيما كان زائدا بحيث يتيقن عدم الضرر بالعبادة بوجه أصلا ، فافهم.

قوله : (ولا مقطعا). اى لا يكون مما قاطعه الامام وقبّله من أحد ، فإنه صار بذلك اولى ، وصاحب يد ، وليس لأحد إخراجها من يده ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ ، باب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، حديث ٥.

٤٩١

ولا مسبوقا بالتحجير.

وحد الطريق في المبتكر خمس اذرع ، وقيل سبع.

______________________________________________________

قوله : (ولا مسبوقا بالتحجير). لان التحجير يصيّره اولى (١) ، وصاحب يد ، فلا يجوز إزالتها ، ولوجدان العقل قبح ذلك ، كأنه لا خلاف في ذلك ولا كلام.

وانما الكلام في جواز البيع بالتحجير ، وقد استشكل ذلك في القواعد ، لعله لعدم الملك وجوازه ، أو لجواز بيع الأحقية والأولويّة.

وقال فيه أيضا لو أخرجه قهرا ، أو أحياها لم يملك المحيي ، فتأمّل.

قوله : (وحدّ الطريق إلخ). المراد انه يجب على من يحدث الملك في الأرض المباحة ان يخلى للطريق خمس اذرع ، وقيل سبع أذرع ، بان يتباعد المتقابلان ، أو المتأخر بهذا المقدار ليكون طريقا ، والقيد بالمبتكر ، لعدم وجوب ذلك في الملك ، بل لو كان شيئا موجودا للطريق اكتفى به ، وان لم يكن خمسا للأصل ، وعدم وجوب إخلال ملكه للطريق ، وهو ظاهر.

واما وجوب الخمس أو السبع ، فيدل على الثاني رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام ان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ما بين بئر المعطن (٢) إلى بئر المعطن أربعون ذراعا ، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون (سبعون خ) ذراعا وما بين العين الى العين يعني القناة خمسمائة ذراع ، والطريق يتشاح (إذا تشاحّ يب) عليه اهله فحده سبع أذرع (٣).

الرواية (٤) ضعيفة بالنوفلى المذكور في القسم الثاني ، قيل انه غلا في آخر عمره ، وبالسكوني قيل كان عاميا.

__________________

(١) لان المحجر يصير به اولى (كذا في بعض النسخ)

(٢) المعطن مبرك الإبل ومربض الغنم حول الماء.

(٣) الوسائل ، ج ١٧ ، باب ١١ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٥.

(٤) سندها كما في التهذيب هكذا (على عن أبيه عن النوفلي عن السكوني)

٤٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية مسمع رواها الشيخ ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا ، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا وما بين العين الى العين خمسمائة ذراع ، والطريق إذا تشاح اهله فحده سبع اذرع (١).

وهذه أيضا ضعيفة ، لعدم ظهور الطريق الى سهل (٢) وضعفه وغيره.

قال في الخلاصة : محمد بن الحسن بن شمون واقف ثم غلا ، وكان ضعيفا جدا أفسد (فاسد خ ل) المذهب (الى ان قال) : وهو متهافت لا يلتفت اليه ولا الى مصنّفاته وسائر ما ينسب اليه ، وعبد الله الأصم ضعيف ، غال ليس بشي‌ء ، وله كتاب يدل على خبث عظيم ومذهب متهافت ، وكان من كذاب أهل البصرة.

ومع ذلك قال في التذكرة روايتان موثقتان ، وليست بواضحة ، وهو اعرف.

والأصل (٣) ـ وكون الخمس واجبا بالإجماع دون الغير ، مع عدم صحة الروايات.

والرواية ، عن أبي العباس البقباق ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال :

إذا تشاح قوم في طريق فقال بعضهم سبع أذرع وقال بعضهم أربع أذرع ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : لا ، بل خمس أذرع (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، باب ١١ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٦.

(٢) قال في جامع الرواة ، ج ٢ ، ص ٤٩٧ عند ذكر أسانيد كتابي الشيخ ما هذا لفظه : (والى سهل بن زياد طريقان في كليهما ابن أبي جيد ، في (ست) واليه صحيح في المشيخة)

(٣) مبتدا وخبره قوله : دليل الاكتفاء إلخ.

(٤) الوسائل ، ج ١٣ باب ١٥ في أحكام الصلح ، الحديث ١.

٤٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والجمع بين الأدلة بحمل السبع على ما يحتاج الى السبع ، أو على الاستحباب مطلقا ، وان لم يكن سند هذه أيضا صحيحا ، ولكنه أحسن من السبع.

دليل الاكتفاء بالخمس. فكأنّ الأوّل مختار المصنف هنا ، والمحقق الثاني أيضا. ولكن قول : (والقول بالخمس أصح سندا) غير واضح ، الا ان يريد مطلق الدليل.

هذا مع التشاح : واما إذا اتفق على السبع ، بل أزيد فلا كلام في ذلك في المباحة أو الاملاك ، ولكن الظاهر جواز التغيير في الأول إلى الخمس أو السبع بمقدار الحاجة على الخلاف لمن خلّى ذلك من المتقابلين ولغيرهما بان يخلاهما في الملك وغيره ، وهو فتوى الدروس (١) ، لان حريم الطريق باق.

قال في التذكرة : فإذا وضعوه على حد السبع لم يكن لهم بعد ذلك تضييقه ، ولو وضعوه أوسع من السبع فالأقرب ان لهم ولغيرهم الاختصاص حيث يبلغ هذا الحد ، فلا يجوز بعد ذلك النقص عنه.

لعله يريد بهذا الحد «السبع» لعله مبنى على مذهبه من اختيار السبع فيها والا فينبغي الجواز الى الخمس كما هو مختاره هنا.

ويحتمل مع ذلك عدم الجواز الا الى السبع ، بناء على انهما إنما تركا السبع للطريق ، لوجوده في الرواية والخروج عن الخلاف ، فكأنه صار ذلك لازما لوجود دليل فيه ، فليس لأحد التغيير ، فلو أراد أحد يمنع ويمنع أحدهما الآخر أيضا ، لأنه كان عليه يد وما ترك الا للطريق ، فإذا أراد أحد التغيير فله ان يمنع أو يأخذ حقه ، وكان

__________________

(١) قال في الدروس في كتاب احياء الموات ، ص ٢٩٤ : فروع ، الأول ، لو جعل المحيون الطريق أقل من سبع أذرع فللإمام إلزامهم بالسبع ، والملزم انما هو المحيي ثانيا في مقابلة الأول ، ولو تساوقا ألزما ، ولو زادوها على السبع واستطرقت فهل يجوز للغير ان يحدث في الزائد حدثا من بناء ، وغرس؟ الظاهر ذلك ، لان حريم الطريق باق (انتهى)

٤٩٤

وحريم الشرب مطرح ترابه ، والمجاز على جانبيه.

وبئر المعطن أربعون ذراعا ، والناضح ستون

______________________________________________________

ذلك دليل خلاف الأقرب في التذكرة والدروس.

والظاهر ما تقدم ، لان اليد ارتفعت وصار الزائد على الحد الشرعي مباحا ، فالكل فيه سواء ، فمن سبق اليه فهو له ، فتأمل واحتط ، الا ان يجعل ذلك ملكا ثم جعلاه طريقا ، فلا يجوز ، وهو ظاهر ، والاحتياط يقتضي العدم كما يقتضي السبع ، فلا يترك.

قوله : (وحريم الشرب إلخ). حريم النهر والشرب المذكور هو المشهور ، ويدل عليه الضرورة والاعتبار ، وما رأيت فيه الأخبار.

قوله : (وبئر المعطن إلخ). قيل بئر المعطن ، بكسر الطاء ، ما يسقى منها الإبل وشبهها ، وبئر الناضح ، ما يسقى (يستقى خ ل) منها الماء بالإبل ونحوها للزراعة والشجر والنخل ونحوها.

دليل حريم البئرين المذكورين كما هو المشهور ، هو الروايتان المتقدمتان مع ما فيهما.

وفي رواية حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها (١).

وفي رواية (أخرى ـ كا ـ ئل) خمسون ذراعا الا ان يكون الى عطن أو الى طريق فيكون أقل من ذلك الى خمسة وعشرون (٢).

قال في الدروس : هي صحيحة وفي سندها البرقي ومحمّد بن يحيى.

لعل البرقي : هو محمد بن خالد البرقي أو ابنه احمد وهما ثقتان. ولكن محمد غير ظاهر عندي (٣) ، والشهيد اعرف.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ، ج ١٧ ، باب ١١ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ١ ـ ٢.

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (احمد بن محمد عن البرقي عن محمد بن يحيى عن حماد بن عثمان)

٤٩٥

والعين ألف (ذراع خ) في الرخوة وخمسمائة في الصلبة.

والحائط مطرح ترابه

______________________________________________________

العادية ، بتشديد الياء ، القديمة : منسوبة إلى عاد ، والعرب ينسبون القديم اليه ، كذا قيل ، كأنها حملت على بئر المعطن لما تقدم.

وسند الرواية التي ذكر فيها بقوله (وفي رواية أخرى خمسون إلخ) غير ظاهر ، ومع ذلك القائل بها أيضا غير ظاهر.

وحمل الخمسون على الاستحباب ، وخمسة وعشرون على الضرورة ممكن.

ودليل كون حريم العين ، ما ذكر في المتن ، كما في أكثر العبارات ، هو الروايتان المتقدمتان المحمولتان على الأرض الصلبة.

لرواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السّلام قال يكون بين البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمس مأة ذراع ، وإذا كانت أرضا رخوة فألف ذراع ، الرواية (١) و (٢).

لعل البئرين محمولان على العينين ، ولا يضر عدم العلم بصحة السند ، للشهرة ، وعدم المخالفة.

و (لعل خ) دليل حريم الحائط المذكور المشهور ، هو الضرورة والاعتبار. وكذا في أكثر الفروعات في غير الكتاب : مثل حريم القرية ، وحريم النخلة.

وتدل الرواية على كون حريم النخل بمقدار مد جرائدها (٣) :

قال في الدروس ، روى الصدوق : أنّ حريم المسجد أربعون ذراعا من كل ناحية : وحريم المؤمن في الصيف باع ، وروى عظم الذراع (٤) ، وان حريم النخلة

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، باب ١١ ، من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٣.

(٢) لا يخفى ان للحديث ذيلا نقله في التهذيب فقط ، ولم ينقله في الكافي والفقيه متصلا ، وانما نقلناه مستقلا ، وأورد الذيل في الوسائل ، في باب ١٦ من كتاب احياء الموات ، الحديث ١ ـ ٢.

(٣) الوسائل ، ج ١٧ ، باب ١٠ و ١١ من أبواب إحياء الموات ، حديث ١.

(٤) الوسائل ، ج ١٧ ، باب ١٠ و ١١ من أبواب إحياء الموات ، حديث ١٠.

٤٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

طول سعفها (١).

واعلم ان الحريم المذكور انما هو في المباحات ، لا الاملاك ، وهو ظاهر ، قاله الأصحاب ، أيضا. قال في الدروس : لا حريم في الاملاك ، لتعارضها ، فلكلّ أن يتصرّف في ملكه بما جرت العادة وإن تضرر صاحبه ، ولا ضمان لتعميق أساس حائطه ، وبئره ، وبالوعته ، واتخاذ منزله دكان حدادا ، وصفارا وقصارا ودباغا.

وان المراد بالحريم غير ظاهر ، هل المراد ملكية صاحب الحريم وأولويته؟

بمعنى عدم جواز تصرف الغير في الحريم بوجه من الوجوه إلا بإذنه ، أو انه لا يجوز للغير احداث مثل ذي الحريم في مثل البئر والعين ، ويجوز سائر التصرفات مثل الجلوس والعمارة والزراعة وأخذ الماء والكلاء وغيرها.

وبالجملة هل المراد عدم جواز التصرف في الحريم مطلقا؟ أو بما يضر بكونه حريما ، وينفع ذا الحريم المتعارف ، بحيث يتعطل أو ينقص الفائدة المطلوبة منه؟

الأصل ، وعدم التصريح في الاخبار ، والاعتبار في المنع مطلقا عن التصرف ، يقتضي الثاني : اقتصارا على المتيقن ، ولا نزاع فيه.

ويؤيده ان الحريم المستحق غير مختص بكون صاحب ذي الحريم شخصا معينا حتى يحرم التصرف مطلقا الا بإذنه لملكيته وأولويته ، بل هو ثابت في المختصة والمشتركة بين المسلمين قاطبة وقد صرح في الدروس أيضا ، ويبعد توقف مطلق التصرف على اذن جميع المسلمين في ذلك ، أو الوالي أو محدث البئر. فيكون في الحائط بمعنى عدم جواز تصرف يمنع فائدة الحريم ، أو يضر بالحائط مثل بناء عمارة فيه ، أو حفر بئر ونهر يضران به ، وكذا الدار ، وكذا في (المشترك خ ل) الشرك وغيرها. ولكن ذلك غير ظاهر ـ في كل الحريم المذكور ـ ، للمسجد.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، باب ١٠ من أبواب إحياء الموات ، حديث ٢.

٤٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم يمكن ان يكون المراد ، المنع عما ، يمنع العبادة المطلوبة في المسجد والتردد اليه.

ويحتمل ان يكون بمعنى عدم جواز احداث مسجد آخر في حريمه بغير ما في الأول ، لأنه يلزم قلة الانتفاع ، وهو الصلاة فيه ، وحصول الثواب والأجر بكثرة العبادة له فلا يكون المنع الا له خاصة.

وكذا في منع البئر بعد حفر بئر في سبيل الله على تقدير وجوب الحريم لها كما صرح به في الدروس.

ويدل عليه عموم الخبر (١) الذي هو الدليل.

ويحتمل ثبوت المنع للمسلمين الذين ينتفعون بالأول لقلة انتفاعهم به بعد الثاني ، فيمنعون الحافر الأول أيضا من الثاني ، لأنه صار الأول كالملك لهم مع حريمه ، أو كونه على طريقهم.

ويحتمل عدم ثبوت الحريم في المشترك بل يكون مختصا بما يملك ، فيجوز حينئذ حفر بئر أخرى للسبيل بجنب الاولى ، بل لغير السبيل أيضا ، لعدم ظهور الدليل في غير الملك ، خصوصا إذا لم يحصل ضرر على المنتفعين به وان حصلت قلة الانتفاع بالأول كما في جعل مسجد بجنب أخر ومدرسة وخان وغيرها ، وكون ذلك مانعا في الحريم لهذه التصرفات غير ظاهر ، والاحتياط متبع فلا يترك.

والمسألة غير واضحة ، لعدم ظهور جواز منع (التقربات خ ل) التصرفات بمثل ما تقدم ، لتوهم حصول قلة الثواب للاول.

وشمول الخبر له لا يخلو عن بعد ، لبعد المنع عن بناء المسجد مثلا المطلوب

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٧ ، باب ١١ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٧ ولفظ الحديث عن محمد بن على بن الحسين قال : قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله ان البئر حريمها أربعون ذراعا لا يحفر الى جانبها بئر أخرى لعطن أو غنم.

٤٩٨

والتحجير يفيد الأولوية (لا ملكا خ).

ويحصل بنصب المروز ، أو الحائط. فلو أحياها غيره لم يصح.

______________________________________________________

لمرعوب فعله شرعا مطلقا ، ولهذا ترى المساجد والمدارس والخانات والآبار قريبا بعضها الى بعض من غير منع مطلقا ، ولعدم دليل واضح ، فالقول بمثله بعيد.

وكذا ثبوت الحريم للمؤمن في المسجد والمدرسة ونحوهما بما ذكر غير ظاهر.

ويحتمل ان يكون بمعنى ان لصاحب الحريم المنع عنه ان حصل الضرر بالحرارة ونحوها له ، لا انه لا يجوز الجلوس والصلاة فيه الا بإذنه ، فإنه بعيد ، ولهذا نرى المسلمين يقعد بعضهم بجنب البعض في المجالس والمساجد ويصلون من دون إنكار من الأئمة والعلماء سابقا ولاحقا ، لعدم النقل ، لان الظاهر في مثله مع وجوده ، النقل.

ويحتمل كونه للاستحباب مع وجود مكان آخر ، لئلا يحصل الضيق المكروه المشوش الذي يسلب الخضوع المطلوب ، ولانه تعظيم للمؤمن المرغوب فيه شرعا ، عقلا ونقلا (١) :

والاحتياط يقتضي الاجتناب الا مع الاذن مهما أمكن. وما رأيت في تحقيق معنى الحريم من كلام الأصحاب شيئا.

ويفهم من الدروس تملك حريم المعدن ، قال فيه : من ملك معدنا ملك حريمه ، وهو منتهى عروقه عادة ، ومطرح ترابه وطريقه. وهو مشعر بصيرورة الحريم ملكا ، وفيه تأمل.

قوله : (والتحجير يفيد الأولوية). الحكم مشهور ، مع إجمال التحجير ، وعدم ظهور الدليل غير الذكر في الكتب ، كأنه الإجماع في الجملة.

قوله : (ويحصل إلخ). المروز جمع مرز. وهو ظاهر. لعل المراد حصول تحجير ارض الزرع به.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٨ ، باب ٤ و ٥ من أبواب أحكام العشرة فراجع.

٤٩٩

ويجبر الامام المحجر على العمارة أو التخلية :

وللإمام ان يحمى المرعى لنفسه وللمصالح دون غيره.

والاحياء بالعادة ، كبناء الحائط ، ولو بخشب أو قصب ،

______________________________________________________

قال في الدروس : لا يشترط الحائط والمسناة (١) وهو المروز في الاحياء بالزرع. نعم يشترط ان يبين الحد بمرز وشبهه.

كأنّ مراده الإشارة إلى تحقيق ما أشار إليه ، من ان عدم التحجير شرط للتملك بالاحياء.

وفي الدروس جعل الشرط عدم وجود ما يخرجها عن الموات الى الاحياء فلو أزال محي المحجر وأحياها يتملك ، ومختار المصنف هنا عدمه كما أشار بقوله (فلو إلخ) وقد مر عدمه فيما نقلناه عن القواعد ، وهو الظاهر من اعتبار العقل ، وهو المشهور (من سبق إلى أرض فهو أحق بها (٢)) ، وقد ذكر أسباب التحجير في كتاب احياء الموات وسيجي‌ء ان شاء الله.

ثم ان الظاهر : ان الحائط أيضا تحجير ، قيل بل هو احياء. قد قالوا انه إحياء في الحظيرة لا في الدار : لعله يكون تحجيرا لها.

قوله : (ويجبر الامام المحجر على العمارة أو التخلية). وجهه انه أمر قابل للانتفاع ، واليه الاحتياج فتعطيله قبيح. فأما انه عليه السّلام يجبره ، فلان الأمر اليه وهو الحاكم. واما غيره من الحكّام والنواب فيمكن لهم ذلك أيضا لما مر ، فتأمل.

قوله : (وللإمام إلخ). الأمر إليه كيف يريد. وليس لغيره التصرف في مال المسلمين ، فان الظاهر ان المراد : حمى الأرض التي للمسلمين ، اوله.

قوله : (والاحياء بالعادة إلخ). أي المرجع في الاحياء بما يسمى احياء

__________________

(١) المسناة بضم الميم نحو المرز ، وربما كان أزيد ترابا منه ، ومنه التحجير بمسناة ، مجمع البحرين.

(٢) الوسائل ، باب ٥٦ من أبواب أحكام المساجد ، حديث ١ و ٢ وفيه (الى موضع أو مكان)

٥٠٠