مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

وعمن منعه أبواه مع عدم التعيين :

______________________________________________________

وجوب الجهاد مشروط بالغنى ولا يجب تحصيل الشرط ، بخلاف البذل فإنه لا يملكه ، ولا يحتاج الى التملك وتحصيل شرط ، فان الشرط حصول القدرة بوجود المؤنة وهو حاصل كما مر في وجوب الحج (١) ، وكما إذا بذل الإمام أو النائب من بيت المال ، فتأمّل في الفرق.

ويمكن تقييد البذل بما إذا كان الباذل موثوقا به فتأمّل :

وقيل انما يجب في البذل أيضا مع القبول ، أو مع كون البذل لازما بان نذره الباذل ، وبدونهما مشكل ، لان الجهاد واجب مشروط.

وقد عرفت ما فيه ، وأيضا إيجاب قبول البذل أو الجهاد به بمجرد فعل شخص مشكل ، فتأمل.

قوله : (وعمّن منعه أبواه إلخ). عطف على (عن الأعمى) أو على ما عطف عليه ، اى يسقط الجهاد عن المتصف بالشرائط إذا منعه أبواه.

لعل المراد أحدهما ، إذا كان عاقلا مسلما وان كان الاخبار فيهما (٢).

قال في المنتهى : حكم أحد الأبوين حكمهما ، لأنّ طاعة كل منهما فرض ، كما ان طاعتهما فرض.

دليل سقوطه عن من منعه الأبوان المسلمان العاقلان ـ بل عدم جواز الذهاب الى الجهاد بدون إذنهما ـ إجماع أهل العلم المدعى في المنتهى ، والاخبار المذكورة فيه من طريق العامة (٣).

__________________

(١) ج ٦ ، ص ٥٧.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه الا ان مورد بعض الروايات خصوص الوالدة.

(٣) مجمع الزوائد للهيثمى ، ج ٥ ص ٣٢٢ كتاب الجهاد ، باب استئذان الأبوين للجهاد ، وسنن النسائي ، ج ٦ ص ١٠ و ١١ كتاب الجهاد ، الرخصة في التخلف لمن كان له والدان ، وسنن ابى داود ، (ج ٣) كتاب الجهاد ، باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان ، حديث ٢٥٣.

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال فيه : ان طاعتهما فرض عين والجهاد فرض كفاية (١).

والظاهر أنّ المراد ، الجهاد الذي يكون كفائيا ، لا متعينا عليه بوجه من الوجوه المعيّنة ، وقد صرّح به في المنتهى أيضا ، وقال : لا يجوز لهما منعه ولا امتناعه ، وكذا كلّ الفرائض العينية ، إذ لا طاعة لأحد في معصية الله (٢).

وقيل بعدم اشتراط حرّيتهما ، لعموم الأدلة.

وقال أيضا في المنتهى : لو كانا مجنونين لم يكن لهما اعتبار.

وقال أيضا لو منعاه بعد السفر وقبل الوجوب ، يجب أن يرجع ، إلا أن يخاف على نفسه في الطريق ، أو ذهبت نفقته ، أو مرض فإن أمكنه الإقامة في موضع المنع أقام والا ذهب مع العسكر ، فإذا حضر الصف ، تعيّن عليه بحضوره ، ولم يبق لهما اذن : ولو رجعا عن الإذن حينئذ لم يؤثر الرجوع لما تقدم ، بخلاف ما لو رجعا قبله (٣).

وفيه تأمل : إذ الظاهر ان الغرض من اشتراط إذنهما ، ان الجهاد محل الفوت والتلف ، ولهما تعلق كثير به ، ولا شك ان ذلك في الحضور أشدّ ، والتعيين عليه بمجرد الحضور غير معلوم.

نعم يمكن عدم اثر الرجوع بعد الحضور.

وانه لو تعين بوجه آخر ، مثل توقف الغلبة عليه ، أو عينه الامام عليه السّلام ، لا كلام في ذلك ، إلا ان يقال ذلك بالإجماع ونحوه ، ولكن ما نقله ، بل ذكره على نحو الدعوى فقط ، وهو أعلم :

ثم قال : لو سافر لطلب العلم أو التجارة استحب له استيذانهما وأن لا

__________________

(١) الى هنا كلام المنتهى ، ج ٢ ، كتاب الجهاد ، ص ٩٠١.

(٢) عوالي اللئالى ، ج ١ ، ص ٤٤٤ الحديث ١٦٤ ولفظ الحديث (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)

(٣) الى هنا كلام المنتهى مع تقديم وتأخير في بعض الجملات ، راجع ج ٢ ، ص ٩٠٢.

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يخرج من دون إذنهما ، ولو منعاه لم يحرم عليه مخالفتهما ، وفارق الجهاد لان الغالب فيه الهلاك ، وهذا ، الغالب فيه السلامة.

هذا مناف لما تقدم منه : ان طاعتهما فرض عين ، ولخفض الجناح ، وللمصاحبة في الدنيا معروفا ، وللإحسان بهما ، المأمورة في القران (١).

وكأنّ عدم قبول منعهما ، عقوق وأذى ممنوع منه ، بالإجماع والنص ، ومفهوم من عدم جواز الافّ.

ولهذا منع بعض الأصحاب عن ذلك إلا إذا كان واجبا بحيث لا يمكن التحصيل بحضورهما وشرط إذنهما في كل سفر غير متعين.

وكأنه نظر في المنتهى الى الأصل ، وعدم معقولية المنع من العبادات التي لا ضرر على نفسه ولا عليهما من الهلاك وغيره ، وحصول الحرج والضيق بمنعه عن غير الواجبات العينية من غير إذنهما حتى الصلوات النوافل ، وتلاوة القرآن والحديث والسهر والتضرع ، بل الفرائض في أول أوقاتها ، وطلب زيادة المعيشة والوسعة على العيال ، والتصدق ، والتزويج والتسري وغير ذلك من جميع المباحات بمجرد ما تقدم ، مع عدم التصريح بذلك فيه.

وإخراج البعض دون البعض من غير دليل مشكل ، والإجماع على عدم المنع في البعض المعين غير ظاهر ، وكأنه معلوم ، عدم المنع في الكل.

فتأمل فإن الأمر مشكل ، وينبغي الاحتياط في ذلك كله :

ولعل اجتناب ما فيه لهما غضاضة مع عدم المعارض واجب.

ويمكن جواز ارتكاب ما لم يعلم فيه ذلك ، وعدم وجوب الاستيذان ، وان وجب الامتناع بعد العلم بالغضاضة وعدم الرضا والاذن وإظهار الأذى لمصلحة

__________________

(١) سورة الإسراء : (٢٣ ـ ٢٤) وسورة لقمان ١٥.

٤٤٣

وليس لصاحب الدين المؤجل منع المديون قبل الأجل ، ولا منع المعسر مطلقا على رأى

______________________________________________________

معقولة معتبرة في نظر العقلاء في الجملة لا مجرد التشهي والأغراض الفاسدة الباطلة ، الله يعلم.

ثم الظاهر ان ليس لصاحب الدين المؤجل ، منع المديون القادر على الأداء قبل الأجل عن السفر مطلقا ، واجبا كان مثل الحج والجهاد (١) : ولا لصاحب الدين الحالّ منع المديون المعسر ، أو غير ذلك.

للأصل ، وعدم ثبوت حق مطالب بالفعل ولهذا لا يجوز حبسه ولا طلبه ، وهو ظاهر.

ويمكن ان يقال : عليه ان يطالبه بمن يضمن له المال ، أو يعين له الأداء لو جاء الأجل ، إذ قد يكون الأجل قليلا جدّا ، والسفر بعيدا كذلك ، فبعد الأجل لا يمكنه الاستيفاء الا بعد تطاول الزمان ، بل قد لا يرجع أصلا.

ويمكن دفعه : بأنه من عامل بالأجل التزم ذلك كله ، فليس له نقض ذلك ، وله ان يروح معه حتى يستوفى دينه. فتأمل.

وكذا ليس لصاحب الدين منع المعسر مطلقا سواء كان دينه حالا أو مؤجّلا بمثل ما تقدم :

وتخيل انه قد يفوت في الغزو ـ فإنه مبنى للشهادة فيفوت المال ، إذ قد يحصل في الحضر مال يمكن الوفاء منه ولا يكون حاضرا فيفوت.

مندفع بما مر ، وبأنه ليس له تسلط وتصرف على نفسه ، بل له ما تعلق بذمته ، بمعنى كونه بحيث لو وجد له مال ـ يمكن أخذ الدين عنه ـ له المطالبة والأخذ :

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة ، ولكن (الصواب) ان يقال : واجبا كان مثل الحج والجهاد أو غير واجب.

٤٤٤

ويتعين بالنذر ، وإلزام الامام ، وقصور المسلمين ، وبالدفع مع الخوف ، وان كان بين أهل الحرب ويقصد الدفع لا مساعدتهم.

والموسر العاجز يقيم عوضه استحبابا على رأى :

والقادر إذا أقام غيره سقط عنه ما لم يتعين :

______________________________________________________

فلا يحتاج الى الجواب المذكور في المنتهى ، بأنَّ الشهادة ليست بمعلومة ولا مظنونة : مع انه مشعر بأن له المنع عن الغزو والشهادة على احد التقديرين ، على انه ممنوع ، لانه قد يكون مظنونا.

قوله : (ويتعين بالنذر إلخ). أي القتال المعلوم من الجهاد ، لا الجهاد المصطلح لقوله (وبالدفع) اى عن نفسه ، بل عن حريمه واخوانه والبضع كذلك إذا خاف على النفس ونحوها ، وان كان الخائف على نفسه من أهل الحرب ويدفع عن نفسه المسلمين فيقتلهم إذا أرادوه (١) ان لم يمكن له الدفع بوجه آخر غيره ، فيقصد حينئذ الدفع عن النفس ونحوها لا مساعدة الكفار.

قوله : (والمؤسر العاجز إلخ). قيل بالوجوب ، والأصل وكون الجهاد واجبا بالنفس ـ دون المال ، بل انما يجب صرفه فيه لأجل توقف الجهاد بالنفس عليه ـ يدفعه :

نعم يمكن تعيين الصرف لو كان الدفع موقوفا على بذل المال ، فإنه ليس بأنفس من النفس ، ويجب به حينئذ وليس ذلك دليلا على الوجوب كفائيا فتأمل.

قوله : (والقادر إلخ). دليل السقوط عن القادر حينئذ كونه كفائيا مع تحقق من يكفى.

__________________

(١) حاصل المراد ما ذكره الشهيد الثاني قدس سره في الروضة في بيان أقسام الجهاد بقوله : وجهاد من يريد قتل نفس محترمة ، أو أخذ مال ، أو سبي حريم مطلقا ، ومنه جهاد الأسير بين المشركين للمسلمين دافعا عن نفسه.

٤٤٥

وتجب المهاجرة عن بلد الشرك إذا لم يتمكن من إظهار شعائر الإسلام.

______________________________________________________

قوله : (ويجب إلخ). دليل وجوب المهاجرة من بلاد الشرك ـ على من أسلم فيها ، أو حصل فيها بعد الإسلام في موضع آخر ، مع القدرة على ذلك ، وعدم القدرة على إظهار شعائر الإسلام بحيث يفوت عنه خوفا من المشركين ، فيحتاج إلى التقية ، وكتمان الإسلام من الشهادتين والصلاة والأذان ونحوها ـ.

هو الإجماع والنص ، مثل قوله تعالى «أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها» (١).

كما ان دليل عدم الوجوب مع عدم القدرة هو الآية قوله تعالى «إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ» (٢) والعقل أيضا.

ودليل عدم الوجوب على من يقدر على إظهار شعائر الإسلام ، ان السبب هو إخفاء الدين ، وإذا لم يكن ذلك لم يجب.

وهذه المهاجرة لا خصوصية لها بزمانه صلّى الله عليه وآله بل باق ودائر مع العلة :

ومعنى قوله : لا هجرة بعد الفتح (٣) انه لا هجرة بعد فتح مكة منها ، لعدم بقاء العلة ، أو انه لا هجرة فاضلة بعد الفتح ، اى ليست الهجرة الواقعة بعد فتح مكة مثل الهجرة قبل الفتح في الفضيلة :

ونقل في المنتهى في بقاء الهجرة ، قوله صلّى الله عليه وآله : لا تنقطع

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٩٧.

(٢) سورة النساء : الآية ٩٨.

(٣) مسند احمد بن حنبل ، ج ١ ، ص ٢٦٦ ولفظ الخبر (عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم يوم فتح مكة : لا هجرة : يقول بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ، وان استنفرتم فانفروا) وراجع لتوضيح الحديث إلى عوالي اللئالى ، ج ١ ، ص ٤٤.

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها (١) اى ظهر علامة القيامة.

ولا يدل دليل وجوب المهاجرة من بلاد الشرك ، على وجوبها من بلاد الخلاف : ولو سلم ظهورها من العلة المفهومة من الآية والخبر والإجماع ، فإنما هو بالشرطين المذكورين : القدرة عليها ، وعدم إظهار شعائر الإيمان ، بحيث يلزمه ترك الواجبات المقرّرة في الدين والعمدة في الايمان ، بأن يكون مثلا شخص واحد ، في بلد ، أهله مخالف كلها ، مغلوبا ، بحيث لو ظهر حاله لا يسلم من القتل ، أو الرد الى دينهم كما كان في بلد الشرك ، لا مجرد التقية في بلدة أهلها مؤمنون ، إلا ان الحاكم مخالف ومع ذلك يفعل شعائر الايمان ، الا انه لا يظهر عنده فلا يترك الشعائر ، نعم قد يتقي في بعض الفروع المجوز فيه التقية.

ولعل ورود التقية عموما وخصوصا ، والترغيب والتحريص بأنها دينهم عليهم السّلام حتى ورد انها المعنيّة بقوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٢) (٣) وكونها شائعة في هذه الطائفة من الأوّل إلى الآن بحيث لا ينكر ، ولا ينقل عن أحدهم المهاجرة من بلاد المخالف ، ولا الأمر بها : بل نقل المخالطة معهم ، والصلاة معهم وفي مساجدهم ، وحضور جنائز هم ، وعيادة مرضاهم (٤) : وعدم شي‌ء من ذلك في بلد الشرك ، وعدم ذلك من واحد من الشيعة ، مع ابتلائهم دائما بهذا الأمر ، بل الظاهر ان ذلك من علامة حقيقتهم : ولحصول كثرة

__________________

(١) سنن ابى داود : ج ٣ (باب في الهجرة هل انقطعت ، حديث ـ ٢٤٧٩ ـ ولفظ الحديث : (عن معاوية قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يقول : لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)

(٢) سورة الحجرات ، الآية ١٣.

(٣) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث ٢٥ ـ ٣٠ وفي تفسير البرهان ، ج ٤ ، عند تفسير الآية ، الحديث ٧ و ٨.

(٤) الوسائل ، ج ٨ ، باب ١ ، من أبواب أحكام العشرة فراجع.

٤٤٧

ويستحب المرابطة بنفسه وبفرسه وغلامه ، وان كان الإمام غائبا ، وحدّها ثلاثة أيام إلى أربعين يوما ، فان زادت فله ثواب الجهاد.

______________________________________________________

ثوابهم بكثرة مشقتهم حتى يظهر الله بإمامهم : والفرق بين الخلاف للحق وبين الشرك ، وكذا سكوت الأصحاب عن ذلك مع ذكرهم الفروعات الكثيرة ، إلا ما نقل عن الشهيد مجملا ، مع عدم محله وسنده.

دليل (١) عدم وجوب المهاجرة عن بلاد المخالف ، كالمهاجرة عن بلاد الشرك.

وهذا يؤذن بالفرق بين المخالف والمشرك ، وعدم اتحاد الحكم فيهما ، مثل عدم نجاسة المخالف ، ولهذا قيل بغسلهم وتكفينهم ودفنهم في مقابر المسلمين والصلاة عليهم بخلاف المشركين.

وبالجملة يظهر بالتتبع عدم اتحادهم وهو ظاهر ، وليس هذا محل الذكر ، فان المقصود هنا غير ذلك.

قوله : (ويستحب المرابطة إلخ). قال في المنتهى : الرباط فيه فضل كثير وثواب جزيل ، ومعناه : الإقامة عند الثغر ، لحفظ المسلمين ، وأصله من رباط الخيل ، لأن هؤلاء يربطون خيولهم كل قوم بعد آخرين ، فسمى المقام بالثغر رباطا ، وان لم يكن خيل.

وفضله متفق عليه : روى سلمان رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : رباط يوم وليلة (في سبيل الله ـ المنتهى) خير من صيام شهر وقيامه وان مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله واجرى عليه رزقه وأمن الفتان (٢).

__________________

(١) خبر لقوله قدس سره قبل أسطر : ولعل ورود التقية إلخ.

(٢) صحيح مسلم ، ج ٣ ، كتاب الامارة ، ص ١٥٢٠ (٥٠) باب فضل الرباط في سبيل الله عزّ وجلّ الحديث ١٦٣ وقال الإمام النووي في شرح الحديث : (وأمن الفتان) ضبطوا (أمن) بوجهين أحدهما أمن بفتح

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن فضالة بن عبيد (عبيدة خ) قال ان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال كلّ ميت يختم على عمله الا المرابط في سبيل الله فإنه ينمو له عمله الى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر (١).

ثم قال : وانما يستحب المرابطة استحبابا مؤكدا في حال ظهور الامام أمّا في حال غيبته ، فإنها مستحبة أيضا استحبابا غير مؤكد ، لأنها لا تتضمن قتالا ، بل حفظا واعلاما فكانت مشروعة حال الغيبة (٢).

ولعل دليل الاستحباب مطلقا حيث يشمل حال الغيبة عموم الأدلّة ، وزيادة التأكيد حال الحضور ، لعدم توهّم محذور الجهاد حال الغيبة.

وانه لو حصل المقاتلة فهو جهاد حقيقي لكونه باذنه عليه السّلام صريحا : وان حصل القتال في الثغر حال الغيبة فهو للدفع ، فيقصد الدفع عن نفسه وعن اخوانه المسلمين واهله ولا يقصد به الجهاد فان ذلك ليس بجهاد ، كذا قال في المنتهى.

وقال أيضا : لها طرفان قلّة ، وكثرة ، وطرف قلّته ثلاثة أيام ، واختاره الشيخ ، وهو قول العلماء إلا أحمد ، فإنه قال : لا طرف له قلّة «لنا» أن مفهومه انما يصدق ثلاثة أيام غالبا : وطرف كثرته أربعون يوما ، (فان جاز الأربعين كان جهادا ـ خ) وهو متفق عليه.

__________________

الهمزة وكسر الميم من غير واو ، والثاني أو من بضم الهمزة وبواو ، واما الفتان فقال القاضي : رواية الأكثرين بضم الفاء ، جمع فاتن ، قال : ورواية الطبري بالفتح انتهى.

وقال في النهاية ، ج ٣ ، في (فتن) : في حديث قيلة. المسلم أخو المسلم يتعاونان على الفتان ، يروى بضم الفاء وفتحها ، فالضم جمع فاتن ، اى يعاون أحدهما الأخر على الذين يضلّون الناس عن الحق ويفتنونهم ، وبالفتح هو الشيطان لانه يفتن الناس عن الدين.

(١) سنن ابى داود : ج ٣ : كتاب الجهاد ، (باب في فضل الرباط) حديث ـ ٢٥٠٠ ـ بحذف (في سبيل الله) و (الميت) بدل (ميت)

(٢) الى هنا كلام : المنتهى ص ٩٠٢.

٤٤٩

وتجب بالنذر مع الغيبة أيضا ، ولو نذر شيئا للمرابطين وجب صرفه إليهم على رأى : ولو آجر نفسه وجب وان كان الإمام غائبا.

______________________________________________________

ويدل عليها رواية زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال : الرباط ثلاثة أيام وأكثره أربعون يوما فإذا جاز ذلك فهو جهاد (١).

قوله : (وتجب إلخ). وجوب المرابطة بالنذر مطلقا بعد ثبوت استحبابه حال الغيبة أيضا ، ظاهر : وكذا وجوب صرف ما نذر للمجاهدين فيهم حينئذ.

وكذا وجوب الإجارة لو آجر نفسه للمرابطة ، وهو مذهب ابن إدريس.

لأنه نذر في طاعة الله ، فينعقد : ويجب الوفاء به : وانه إجارة على فعل طاعة ، فيجب الإتيان بمقتضى الإجارة الصحيحة.

(والرأي) إشارة إلى مذهب الشيخ : انه يجب صرفه في وجوه البر ، قال ابن إدريس : ان انعقد النذر يجب صرفه فيه ، والا لا يجب صرفه في شي‌ء بل يكون للمالك ، وهو كلام حق.

وقال الشيخ أيضا : ولا يلزمه الوفاء بالإجارة ، بل رد ما أخذه إلى مالكه ، والا فإلى ورثته ، وان لم يكن له وارث يلزمه الوفاء ، ومنع من ذلك ابن إدريس أيضا :

والظاهر انها تصح ، وعلى تقدير عدم الصحة ينبغي عدم الوفاء مطلقا ، وهو ظاهر الا ان للشيخ رواية في صرف النذر في وجه من وجوه البر ان لم تخف شناعة المخالفين بأنهم لم يوفوا بالنذر ، وان خاف ، صرفه في المرابطين (٢).

وكأنه لعدم الصحة ومخالفتها للقوانين ردت ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب ٦ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث ١.

(٢) الوسائل باب ٧ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، حديث ١ ولفظ الحديث (ان كان سمع منك نذرك احد من المخالفين فالوفاء به ان كنت تخاف شنعته ، والا فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البر وفقنا الله وإيّاك لما يحب ويرضى)

٤٥٠

«المقصد الثاني في كيفيته»

يحرم في أشهر الحرم ، الّا ان يبدء العدو فيها ، أو يكون ممن لا يرى لها حرمة : ويجوز في الحرم :

ويبدء بقتال الأقرب إلا مع الخوف عن (من خ) الأبعد.

______________________________________________________

قوله : (يحرم إلخ). دليل تحريم الجهاد في أشهر الحرم الأربعة ـ الرجب الفرد والثلاثة السرد ، ذو القعدة ، وذو الحجة والمحرم ـ الآية (١).

ودليل الاستثناء كأنه العقل والنقل (٢).

ودليل جوازه في الحرم عموم أدلّة القتال من غير دليل على الاستثناء.

قوله : (ويبدء بقتال إلخ). قال في المنتهى : وينبغي للإمام ان يبدء بقتال من يليه.

وهو اعرف بكونه واجبا أو مستحبا ، فالتفويض إليه أولى ، كسائر

__________________

(١) قال الله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ) (البقرة ـ ٢١٧) وقال الله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ). (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) (التوبة ـ ٣٦) وقال تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة ـ ٢)

(٢) الوسائل ، ج ١١ ، الباب ٢٢ ، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، الحديث ١.

٤٥١

وانما يجوز بعد الدعاء من الامام أو نائبه إلى الإسلام ، لمن لا يعلمه.

فإذا التقى الصفان وجب الثبات إلا أن يزيد العدو على الضعف.

أو يريد التحرف لقتال ، أو التحيز الى فئة ، وان غلب الهلاك.

ويجوز المحاربة بأصنافها الّا السم ، ولو اضطر اليه جاز

______________________________________________________

الاحكام : هذا مع عدم الخوف عن الا بعد ، ومعه يبدء بقتال الا بعد ، وهو ظاهر.

قوله : (وانما يجوز بعد الدعاء إلخ). أي بعد دعاء المشركين إلى الإسلام لمن لا يعلم الدعاء ، وإذا كان ممن يعلم ان الغرض هو الإسلام والدعاء اليه مثل أن دعي مرة ، فلا يحتاج اليه.

ودليل عدم جواز تولى الدبر ، ووجوب الثبات ، وان غلب الهلاك ، مع الاستثناء هو الآية (١).

والمراد بالتحرف للقتال ، الانتقال من حالة الى أخرى ، هي أدخل في القتال ، كان يطلب السعة من الضيق ، وعدم مواجهة الشمس.

وبالتحيّز الى فئة ، المذهب الى عسكر المسلمين للتعاون على حرب العدو ، وذكر للتحيّز شرط عدم البعد ، وحصول المعونة.

ولعل دليل استثناء عدم جواز المحاربة بالسم ، والجواز بسائر أنواع ما يقتل به العدو ، هو الخبر (٢) والإجماع.

__________________

(١) قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) (الأنفال ـ ٤٥) وقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الأنفال ـ ١٥ ـ ١٦)

(٢) الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب ١٦ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، حديث ١ ـ ٢.

٤٥٢

ولو تترّسوا بالنساء أو الصبيان أو المسلمين ، ولم يمكن التوقي ، جاز قتل الترس.

ولا دية على قاتل المسلم وعليه الكفارة ، ولو تعمد قتله مع إمكان التحرز ، وجب عليه القود والكفارة.

ولا يجوز قتل المجانين والصبيان والنساء وان عاونّ الا مع الضرورة.

______________________________________________________

ودليل جوازها به أيضا عند الاضطرار ذلك.

ودليل جواز قتل الترس من النساء والصبيان والمسلمين ، مع عدم إمكان التحرز ، وعدم الذب والدفع الا به ، ظاهر ، وكأنه مذكور في الخبر (١) أيضا.

ولا دية على قاتل المسلم الذي هو الترس ، ولا قود بالطريق الاولى بالعقل والنقل.

نعم قالوا عليه الكفارة من بيت المال لانه قتل لمصلحة الإسلام (والمسلمين خ) ومعلوم وجوب القود أيضا مع تعمد القتل وإمكان التحرز ، وعدم التوقف على ذلك وكفارته كفارة الجمع ، لدليلها المذكور في محله.

ولعل دليل عدم جواز قتل المجانين والصبيان والنساء ، وقتل الخنثى أيضا ـ وان عاونّ الا مع الضرورة ، كالمسلم ـ

الإجماع والخبر (٢).

قال في المنتهى لا يجوز قتل صبيانهم إجماعا : ولو قاتلت المرأة لم يتجه قتلها الا مع الاضطرار ، لعموم الأدلة (٣).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب ١٦ من أبواب جهاد العدو ، حديث ٢ وأورده في المنتهى ، ج ٢ ، كتاب الجهاد ، ص ٩١٠.

(٢) الوسائل ، باب ١٨ ، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه فراجع.

(٣) المنتهى كتاب الجهاد ، ص ٩١١ قال : فرع لو قاتلت المرأة لم يجز قتلها الا مع الاضطرار عملا بعموم النهي إلخ.

٤٥٣

ولا التمثيل ولا الغدر ولا الغلول ، ويكره إلا غارة ليلا ، والقتال قبل الزوال اختيارا ، وتعرقب الدابة ، والمبارزة بغير اذن الامام.

ويجوز للإمام و (أو ـ خ) نائبه ، الذمام لأهل الحرب عموما وخصوصا : ولآحاد المسلمين العقلاء البالغين ، ذمام آحاد المشركين لا عموما.

______________________________________________________

ويدل عليه أيضا اعتبار العقل في الجملة.

وكذا التمثيل : اى قطع الأعضاء : والغدر : والغلول ، اى استعمال الحيلة وسرقة أموالهم ، وقيل فعله حرام ، لكن الأموال حلال ، وفيه تأمل.

ودليل كراهة الإغارة ، والنزول عليهم غفلة ليلا ، الخبر (١) أيضا.

وكذا القتال قبل الزوال ، وليدخل الليل (٢) فيقلّ قتل الأنفس المرغوب عنه كما قيل (٣).

ودليل كراهة تعرقب الدابة مع عدم الحاجة الخبر (٤) أيضا مع الاعتبار.

ودليل كراهة المبارزة بغير اذن الامام ، بعد حصول الاذن بالقتال في الجملة ، كأنّه الخبر (٥) أيضا وعدم التعجيل في القتال ، وانه قد لا تكون المصلحة في ذلك ، مع ورود الخبر بعدم الباس (٦).

قوله : (ويجوز للإمام إلخ). أي عقد الأمان على ترك القتال ، ولوازم القتال اجابة لسؤال الكفار بالإمهال : ونقل في المنتهى الإجماع على ذلك ، وجوازه

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ ، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، حديث ١.

(٢) أي ينبغي ان يدخل الليل ليقل قتل الأنفس آه.

(٣) الوسائل باب ١٧ ، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، حديث ٢.

(٤) الوسائل باب ٥٢ ، من أبواب أحكام الدواب فراجع.

(٥) الوسائل باب ٣١ ، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه فراجع.

(٦) مثل قوله عليه السّلام في رواية عمرو بن جمع : (لا بأس به) فراجع باب ٣١ حديث ١ من أبواب جهاد العدو.

٤٥٤

وكل من دخل بشبهة الأمان ردّ إلى مأمنه

______________________________________________________

للإمام لكل الكفار ، وبعضهم مع المصلحة ، كالنبي صلّى الله عليه وآله ، ولنائبه كذلك ، لمن هم في ولايته وغيرهم.

ولسائر المسلمين أيضا يجوز ـ سواء كان حرا أو عبدا رجلا أو امرأة ، المأذون له في الجهاد وغيره ، لا المجنون والصبي ، وإليهما أشار بقوله (العقلاء البالغين) ومعلوم اعتبار الاختيار ، فلا يصح أمان المكره.

ـ أن (١) يأمنوا الواحد من المشركين ، وللعدد اليسير منهم كالعشرة كأنه المراد بنهاية (آحاد المشركين) في الكتاب وغيره والمراد بنفي العموم (٢) ، الزائد على ذلك مطلقا :

وكان دليل ذلك كله الاخبار (٣) والإجماع أيضا في الجملة.

وإذا عقد الأمان وجب الوفاء به بحسب ما شرط من وقت وغيره ، ما لم يتضمن مخالفا للشرع : قال في المنتهى ولا نعلم فيه خلافا ، ونقل الخبر أيضا ، ثم قال : ولو انعقد فاسدا لم يجب الوفاء به بلا خلاف كأمان الصبي والمجنون والكافر وغيرهم ممن لا يقبل ذمامه ، أو كان الذمام متضمنا لشرط لا يسوغ :

وفي هذه الحالات كلها ، يجب رد المأمون إلى مأمنه ، بمعنى عدم التعرض له حتى يصل الى منزله ويلحق بأصحابه ، ثم يفعل به ما يجوز :

وكذا في جميع الصور التي بطل الذمام واعتقد الكافر كونه أمانا ، فان شبهة الأمان بمنزلته في الرد إلى المأمن عندهم.

كأنه للخبر (٤) والإجماع والاعتبار.

__________________

(١) قوله قدس سره : (ان يأمنوا) مأول بالمصدر ، فاعل لقوله : (يجوز)

(٢) يعني في قوله قدس سره : (لا عموما)

(٣) الوسائل باب ٢٠ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، وباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٤.

(٤) الوسائل ، باب ١٥ من أبواب جهاد العدو ، ذيل حديث ٢ وباب ٢٠ من تلك الأبواب الحديث ٤.

٤٥٥

وانما ينعقد قبل الأسر ، ويدخل ماله لو استأمن ليسكن دار الإسلام.

فإن التحق بدار الكفر للاستيطان انتقض امانه دون أمان ماله.

فان مات في الدارين ولا وارث له سوى الكفار ، صار فيئا للإمام.

ولو أسره المسلمون واسترقّوه ملك ما له تبعا له.

ويصح بكل عبارة تدل على الأمان صريحا أو كناية.

______________________________________________________

ومعلوم عدم انعقاده الا قبل الأسر ، ودخول ماله معه لو استأمن سكون دار الإسلام واجب (١).

وكذا بطلانه لو التحق الى دار الفكر للاستيطان ولكن لا يبطل أمان ماله حينئذ ، بل يبقى على امانه.

وفيه تأمل للتبعية ، وكأنه للاحتياط وكثرة التأكيد في الوفاء بالعهود والعقود والشروط.

وكون المال ـ لو مات مطلقا حينئذ ، ولا وارث له مسلم ـ للإمام خاصة.

كأنّ دليله انه ميراث من لا وارث له (٢) ، إذ الكفار لا ترث ما في دار الإسلام كما لا يرثون من المسلم ، فتأمل ، ولعلّه للإجماع والخبر.

ولو أسر هذا الشخص بعد وصوله إلى مأمنه ، استرقّ هو ، وماله تبعا له.

وقيل : المال للإمام عليه السّلام لانه لم يؤخذ بخيل ولا ركاب ، وفيه تأمل للتبعية ، فتأمل.

قوله : (ويصح بكل عبارة إلخ). قال في المنتهى وقد ورد في الشرع عبارتان : (إحداهما) : أجرتك ، و (الثانية) ، أمنتك : وبأيّ اللفظين اتى انعقد الأمان : وكذا كل

__________________

(١) اى لو طلب الكافر الأمان وقبل منه ، فحينئذ يدخل ما له معه لو أجاز ولى الأمر مثلا

(٢) الوسائل ، ج ١٧ ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب ٣ ، من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ، الحديث ٥.

٤٥٦

بخلاف : لا بأس ، أو لا تخف.

ولو أسلم الحربي وفي ذمته مهر ، لم يكن للزوجة ولا لوارثها مطالبته : فان ماتت ثم أسلم ، أو أسلمت قبله ثم ماتت طالبه وارثها المسلم خاصة.

______________________________________________________

لفظ يدل على هذا المعنى صريحا كقوله ، أذممتك ، أو أنت في ذمة الإسلام ، وكذلك كناية ، مثل أنت في حرزي : وعلم بها ذلك من قصد العاقد ، سواء كان بلغة العرب ، أو بلغة اخرى ، فلو قال بالفارسية (مترس) فهو أمان.

وأمّا قوله : (لا بأس عليك) ، أو (لا تخف) ، وما شاكل ذلك ، فان علم من قصده الأمان بالقرائن الحاليّة أو المقالية كان أمانا : لأن المراعي هو القصد لا اللّفظ ، وان لم يقصد بذلك الأمان لم يكن أمانا ، ولكن يردّ إلى المأمن حينئذ ، كما في سائر الأمانات الباطلة ، مع شبهة الأمان ، ولو كان بدعواها الكاذبة :

وفي الفرق المذكور بين (مترس) ولا تخف تأمل وما نجده.

قوله : (ولو أسلم الحربي وفي ذمته مهر إلخ). أي ليس للحربية ، ولا لوارثها الكافر الحربي أيضا بعد موتها مطالبة زوجها الذي أسلم ، بالمهر الثابت عليه ، إذ لا أمان لمال الحربي : كذا استدل في المنتهى : وقد فرض كونها حربية أيضا ، ولعله المراد هنا أيضا.

والظاهر انه لا يحتاج الى كون الوارث كافرا فضلا عن كونه حربيا ، لأنه إذا أسلم قبل موتها وإسلامها فقد أسقط المهر لعدم الأمان ، فصار ذمته بريئة ، فلا يبقى لوارثها المسلم أيضا ، لعدم الملكية ، وكأنه يشعر به إطلاق (وارثها) ، وقوله (فان ماتت ثم أسلم إلخ).

وهو مع ما قبله كالصريح في أنّ موتها في المسألة السابقة (١) بعد إسلامه ،

__________________

(١) وهي قوله : ولو أسلم الحربي وفي ذمته مهر إلخ.

٤٥٧

ويجوز عقد العهد على حكم الإمام ، أو نائبه العدل ، والمهادنة على حكم من يختاره الإمام.

فان مات قبل الحكم بطل الأمان ، وردوا إلى مأمنهم.

ولو مات احد الحكمين بطل حكم الباقي :

ويتبع حكمه المشروع.

فان حكم بالقتل والسبي وأخذ المال ، فأسلموا ، سقط القتل.

______________________________________________________

ووجه هذا أيضا واضح.

قوله : (ويجوز عقد العهد على حكم الإمام إلخ). أي يجوز إيقاع عقد الصلح : بان يكون حكم الامام متبعا ، وكل ما حكم به فيكون ذلك متعينا : وكذا نائبه العدل.

وكذا يجوز عقده بحكم من يجعله الامام حكما في ذلك ، ووجه كله ظاهر.

فان مات الحكم قبل الحكم بطل الأمان الحاصل بعقد الصلح ، فردوا إلى مأمنهم ، ثم هم حرب ، وهو أيضا ظاهر.

وكذا لو مات احد الحكمين بطل حكم الأخر ، للاجتماع في الحكم : (١) ولا يبطل لو كان كل واحد حكما ، وأيضا هو الظاهر.

قوله : (ويتبع حكمه المشروع). يعنى يجب متابعة حكم الحاكم إذا حكم بأيّ شي‌ء كان ، بشرط كونه مشروعا ، مثل قتل البلّاغ ، وسبى النساء والصبيان.

قوله : (فان حكم بالقتل إلخ). دليل سقوط القتل ـ المحكوم عليه ، دون السبي والمال ـ عدم جواز قتل المسلم ، وجواز استرقاق المسلم وأخذ ماله في الجملة ، ولما حكم قبل الإسلام ، فيتبع لعدم حصول المنافي.

__________________

(١) اى لاعتبار وصف الاجتماع فيهما.

٤٥٨

ولو هادنهم على ترك الحرب مدة مظبوطة ، وجب.

ولا تصحّ المجهولة.

ولو شرط اعادة المهاجرة ، لم يجز ، فان هاجرت وتحقق إسلامها لم تعد ، ويعاد على زوجها ما سلمه من المهر المباح خاصة ، فلو قدم وطالب بالمهر ، فماتت بعد المطالبة دفع اليه مهرها.

وان ماتت قبل المطالبة لم يدفع اليه (مهرها خ)

______________________________________________________

فتأمّل خصوصا في السبي : فإنّ سبي المسلم قبل أخذه والتسلط عليه واسترقاقه مشكل : وكذا أخذ ماله ، فان مجرد الحكم ليس بتسلط ولا بأخذ ، على أنّ الرضا بالحكم انما كان بشرط البقاء على الكفر ، إذ لا حكم بعد الإسلام والمصنف أعرف.

ودليل وجوب ترك الحرب ـ بعد الصلح عليه ، مدة معينة ـ ، لزوم الوفاء بالعقود والشروط.

ودليل عدم صحة العقد إذا كانت المدة مجهولة ، عدم صحة العقود مع الجهالة ، فتأمل.

وممّا لا يجوز شرطه للكفار في عقد الصلح ، اعادة المهاجرة ، بالكسر ، أي التي فارقت وجائت مسلمة من الكفار ولحقت بالمسلمين : فإذا تحقق إسلامها لم تعد ولم تسلم إليهم ، ولكن تسلم الى زوجها ما سلّمه إليها من المهر المباح خاصة ، دون ما لا يملكه المسلم كالخمر ، ودون النفقة والكسوة : وقيل يدفع من بيت المال.

وجه عدم جواز شرط اعادة المهاجرة ، وعدم اعادتها ظاهر :

ولعل وجه وجوب اعادة المهر هنا بعد المنع في الاولى ، هو الصلح والمهادنة : وكونه من بيت المال ، كأنه لكون رده لصلح المسلمين.

وسبب سقوط المهر ـ مع عدم المطالبة قبل موتها حتى ماتت ـ انه انما يجب

٤٥٩

ولو قدمت (مسلمة خ) فطلقها باينا لم يكن له المطالبة.

ولو أسلم في الرجعية فهو أحق بها.

ولو قدمت مسلمة وارتدت ، لم تعد ، لأنها بحكم المسلمة.

ويجوز إعادة من يؤمن فتنته من الرجال.

بخلاف من لا يؤمن بكثرة العشيرة وغيرها.

______________________________________________________

دفع المهر اليه بسبب الحيلولة ومنعها عنه ، وقد حصل المنع هنا بالموت ، ولم يجب الدفع الا بالطلب ، وما حصل الا بعد الموت. ومنه يظهر وجه عدم السقوط قبله.

وقد قيّد استحقاق رد المهر بالطلب قبل الموت بكونها في عدتها الرجعية. لعله ليتحقق استحقاق الزوجية حتى يصير الحائل هو الإسلام فقط ، لأن في البائنة تحصل المفارقة قبل مطالبة المهر ، ولهذا ليس له المطالبة بعد الطلاق البائن.

ولعل دليل أحقية المسلم في العدة الرجعية بزوجته المسلمة قبله ، هو ان الزوجية ثابتة ، وما حصل البينونة ، لعله لا خلاف في الحكم.

ودليل عدم إعادة المرتدة ما ذكره.

ودليل جواز اعادة الرجل المسلم المهاجر إذا شرط ـ بشرط الا من من فتنته ، اى رجوعه عن الإسلام ، لاستعانته وقوّته بكثرة عشيرته التي يدفعون عنه الناس ، ولم يخلّوا أحدا يظلمه ويؤذيه حتى يرجع ، أو مثل ذلك.

الإيفاء (١) بالشرط ، وعقد الصلح ، مع عدم مفسدة ودليل (٢) يدل على عدمه كوجوده في المهاجرة : وهو قوله تعالى «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ» (٣).

ولا يعاد من لا يؤمن عليه لعدم العشيرة وما شابهها : فقوله (بكثرة العشيرة وغيرها) متعلق بقوله (يؤمن) لا ب (لا يؤمن) كما هو الظاهر ، وهذا المعنى مصرّح في غير الكتاب : ويمكن تعلقه به أيضا ، ولكن يكون مخالفا لسائر الكتب.

__________________

(١) خبر لقوله قده : ودليل جواز إلخ.

(٢) عطف على قوله قده : مفسدة.

(٣) الممتحنة : ١٠.

٤٦٠