مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وروى فيه (أيضا في باب فضل مساجد) مكة حرم الله وحرم رسوله صلّى الله عليه وآله وحرم على بن أبي طالب عليه السّلام والصلاة فيها بمأة ألف صلاة والدرهم فيها بمأة ألف درهم إلخ (١).

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله صلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره الا المسجد الحرام فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي (٢).

فيكون ألف ألف صلاة في غيره لما تقدم.

وامّا الذي يدل على الكراهة فهو ما فيه أيضا (في الصحيح) عن معاوية بن عمار عنه عليه السّلام قال : وسألته عن قول الله عزّ وجلّ (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)؟ (٣) قال : كل ظلم إلحاد وضرب الخادم في غير ذنب من (في خ ل) ذلك الإلحاد (٤).

وفيه أيضا وفي رواية أبي الصباح الكناني قال : كل ظلم يظلمه الرّجل على نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شي‌ء من الظلم فإنّي أراه إلحادا ولذلك كان يتقى (الفقهاء قيه) ان يسكنوا مكة (٥).

كانّ قوله (ولذلك) إلخ كلام المصنف (٦) إشارة إلى دلالة هذه على الكراهة لأنّ الذنب مضاعف فالأولى ان يجتنب فيمكن خروج من لم يذنب ويثق بنفسه عن الكراهة.

__________________

(١) الفقيه باب فضل المساجد وحرمتها وثواب من صلّى فيها ج ١ ص ١٤٧ من طبعة النجف الأشرف.

(٢) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب أحكام المساجد الرواية ٣.

(٣) الحج : ٢٥.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٤.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٣ وصدرها : قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قوله عزّ وجلّ (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).

(٦) يعني الصدوق في الفقيه.

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية محمد بن مسلم (فيه أيضا) عن أبي جعفر عليه السّلام قال : لا ينبغي للرّجل ان يقيم بمكة سنة قلت : كيف يصنع؟ قال : يتحوّل عنها ولا ينبغي لأحد ان يرفع البناء (بناء خ ل) فوق (بناء ظ) الكعبة (١).

فهذه تدل على الكراهة سنة دون الأقل لو خرج عنها زمانا يعتدّ به ثمّ عاد وهكذا دائما يخرج عن الكراهة على تقديرها فتأمل ولعدم الكراهة سنة بل سنتين وثلثا مؤيد سيجي‌ء في شرح قوله : والطواف للمجاور أفضل.

ورواية داود الرقى عن ابى عبد الله عليه السّلام انه قال : إذا فرغت من نسكك فارجع فإنّه أشوق لك الى الرّجوع (٢).

وهذه أيضا تدل على الكراهة في الجملة وعلة أخرى لها فلو كان الشوق دائما لم يكره.

وهذه مع عدم الصّحة ليست بصريحة في الكراهة مطلقا فلا تعارض الأخبار الكثيرة الصريحة في الثواب العظيم للكون بها كما تقدم وسيجي‌ء.

ويمكن حملها على الكراهة بمعنى انّ الرواح والمجي‌ء إليها أفضل من المجاورة للعلة المتقدمة وللمشقة الموجبة لافضليّة العبادة وهو معلوم عقلا ونقلا وموجود في الرواية الآتية أيضا في آخر رواية أبي جعفر عليه الصلاة والسلام جمعا بين الأدلة وقد صرح به في الرواية الآتية ويمكن حمل كلام الأصحاب المشهور بالكراهة عليه لما مرّ وهذا وجه حسن للجمع بين الاخبار.

ويحتمل الكراهة للحاج الذين سبب لتضيّق أهل مكة في المعاش والمكان والذين يضرون بحال أهلها وأهلهم وحالهم في أوطانهم.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٥.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٧.

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا يدل على الفضيلة ما قال في الفقيه (كأنّه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله كما يفهم عمّا تقدّم) : ومن ختم القران بمكة من جمعة الى جمعة أو أقلّ أو أكثر كتب الله له من الأجر والحسنات من أوّل جمعة كانت في الدنيا إلى أخر جمعة تكون ، وكذلك ان ختمه في سائر الأيام (١).

وقال على بن الحسين عليهما السّلام من ختم القران بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله صلّى الله عليه وآله ويرى منزله من (في خ ل) الجنة وتسبيحة بمكة تعدل خراج العراقين ينفق في سبيل الله عزّ وجلّ (٢) ومن صلّى بمكة سبعين ركعة فقرأ في كل ركعة بقل هو الله احد وانّا أنزلناه وآية السخرة (٣) وآية الكرسي لم يمت الا شهيدا ، والطاعم بمكة كالصائم فيما سواها وصوم يوم مكة يعدل صيام سنة فيما سواها (٤) والماشي بمكة ، في عبادة الله عزّ وجلّ (٥) وقال الباقر أبو جعفر عليه السّلام من جاور سنة بمكة غفر الله له ذنوبه (ذنبه خ ل) ولأهل بيته ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرانه ذنوب سبع (تسع خ ل) سنين وقد مضت وعصموا من كل سوء أربعين ومأة سنة والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة والنائم بمكة كالمجتهد (كالمتهجّد خ ل) في البلدان والسّاجد بمكة كالمتشحط بدمه في سبيل الله عزّ وجلّ (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٣ وفيها : وان قرأه في سائر الأيام فكذلك بدل قوله : عليه السّلام : وان ختمه في سائر الأيّام ونقل تمام الرواية في الفقيه في باب فضائل الحج (ج ٢ ص ١٤٦ من طبعة النجف الأشرف)

(٢) وسائل باب ٤٥ من أبواب مقدمات الطواف ح ٤.

(٣) المراد بآية السخرة قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (إلى قوله تعالى) (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف : ٦ ـ ٥٤)

(٤) (وصيام يوم يعدل صيام سنة خ ل)

(٥) الوسائل الباب ٤٥ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ١ ـ ٢.

(٦) إلى هنا رواه في الفقيه ـ الوسائل الباب ١٥ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٢.

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقوله عليه السّلام : والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة يدل على كراهة المجاورة في الجملة بمعنى أنّ الرّجوع والانصراف أفضل لا أنّ الكون في غيرها أولى من الكون بها مطلقا ، فذلك غير بعيد للشوق وعدم حصول إلحاد بظلم الذين أشير إليهما في عدم الكراهة ، ولحصول المشقّة الكثيرة الموجبة لافضليّة العبادة.

وهذا وجه حسن لحمل ما يدلّ على الكراهة عليه للجمع بين الأدلة كما قلناه.

وفيه أيضا وقال أبو جعفر عليه الصلاة والسّلام وقروا الحاجّ والمعتمرين فانّ ذلك واجب عليكم ومن أماط أذى عن طريق مكة كتب الله عزّ وجلّ له حسنة (١).

وفي خبر أخر ومن قبل الله منه حسنة لم يعذّبه ومن مات محرما بعث يوم القيمة ملبيّا بالحج مغفورا له ومن مات في طريق مكة ذاهبا أو جائيا أمن من الفزع الأكبر يوم القيمة ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين ومن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان ومن دفن في الحرم أمن الفزع الأكبر من برّ الناس وفاجرهم وما من سفر أبلغ في لحم ولا دم ولا جلد ولا شعر من سفر مكة وما من احد يبلغه حتى تلحقه المشقة وانّ ثوابه على قدر مشقّته (٢).

وروى فيه عن أبي حمزة الثمالي (الثقة) عن ابى جعفر عليه السّلام ان من صلّى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة صلاها منذ وجبت عليه الصلاة وكل صلاة يصلّيها الى ان يموت (٣).

رواها في الموضعين من الفقيه في باب فضل المساجد وباب الحج.

__________________

(١) و (٢) الفقيه باب فضائل الحج ص ١٤٧ من ج ٢ طبع النجف الأشرف.

(٣) الفقيه باب فضل المساجد ص ١٤٧ من ج ١ طبع النجف الأشرف. وفي الوسائل الباب ٥٢ من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة الرواية ١.

٣٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والاخبار في فضيلة مكة كثيرة جدا ومع ذلك يبعد الكراهة فيمكن حمل ما يفهم منه ذلك على الذي يقسو قلبه ويذنب كثيرا وهو أيضا بعيد لعدم دليل صحيح صريح في الكراهة مطلقا والشهرة ليست بحجة وورود الأخبار التي تدل على حصول الثواب العظيم للبرّ والفاجر والقاسي وغيره.

ويمكن الكراهة على الزيادة على السنة لما تقدم في خصوص السنة والظاهر عدمها أيضا لما فهم أنه كلّما زاد المقام زاد الثواب والحمل على ما تقدم جميل ، الله يعلم.

ثم انّ الذي يضعف وجه الكراهة المذكورة استحباب المقام بالمدينة مع وجود ذلك الوجه ويمكن في المشاهد كذلك.

قال في الدروس مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا موضع قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وروى في كربلاء (على ساكنها السلام) مرجّحات (١) والأقرب أنّ مواضع قبور الأئمة عليهم الصلاة والسّلام كذلك امّا البلدان التي هم فيها فمكة أفضل منها حتى من المدينة.

وروى صامت عن الصادق عليه السّلام أنّ الصلاة في المسجد الحرام تعدل مأة ألف صلاة (٢) ومثله رواية السكوني عنه عن آبائه عليهم السّلام (٣).

واختلف الرواية في كراهة المجاورة بها واستحبابها والمشهور الكراهة اما لخوف الملالة وقلة الاحترام وامّا لخوف ملابسة الذنوب فان الذنوب (الذنب خ ل) بها أعظم ونقل انه الإلحاد (٤) والرواية فيه كما تقدم وما رأيت المرجحات وهو اعرف.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٦٨ من أبواب المزار.

(٢) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب أحكام المساجد الرواية ٨.

(٣) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب أحكام المساجد الرواية ٧.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ١ و ٣.

٣٨٥

والطواف للمجاور أفضل من الصلاة ، وللمقيم بالعكس.

______________________________________________________

واما اختلاف الرواية ، فهو مثل ما سمعت فيما تقدم ، وقد عرفت عدم حجيّة الشهرة ، وعدم قوة وجه الجمع المذكور ، وقوة الوجه الذي ذكرناه فتأمل.

وأظنّ أنّه قد أشار المحقق الثاني إلى ضعف وجه الجمع فتأمل.

ودليل كراهة الحج على الإبل الجلالة هو الخبر (في الكافي) عن إسحاق بن عمّار عن جعفر عن آبائه عليهم السّلام انّ عليّا عليه السّلام كان يكره الحج والعمرة على الإبل الجلالات (١).

فالعمرة مثل الحج وما ذكر في الكتاب ويمكن كون الزيارات مثلهما وكون غير الإبل مثلها والاعتبار العقلي يؤيّده.

قوله : والطواف للمجاور أفضل إلخ .. دليله رواية حريز قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الطواف لغير أهل مكة لمن جاور بها أفضل أو الصلاة؟

قال : الطواف للمجاورين أفضل من الصلاة والصلاة لأهل مكة والقاطنين بها أفضل من الطواف (٢).

ورواية حفص بن البختري وحمّاد وهشام عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : إذا (من خ ل) اقام الرجل بمكّة فالطواف أفضل (من الصّلوة كا قيه) وإذا (ومن خ ل) اقام سنتين خلط من هذا وهذا (ومن ذا خ ل) فإذا أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل (٣).

ولو لا اشتراك عبد الرحمن الذي روى عنه موسى بن القاسم في سندهما

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من أبواب آداب السفر الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب الطواف الرواية ٤.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب الطواف نحو الرواية ١ وفي الكافي والتهذيب : كانت الصلاة له أفضل من الطواف بدل قوله : فالصلاة أفضل.

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لكانا صحيحين (١) مع أنّ في الكافي الاولى حسنة لإبراهيم والثانية صحيحة وقال في المنتهى : هما صحيحان وهو اعرف.

فالظاهر أنّ المراد بالمجاور من اقام بها ما لم يمض ثلاث سنين قال في المنتهى :

الطواف لمن جاور بمكة أفضل ما لم يتجاوز ثلاث سنين فان جاوزها أو كان من أهل مكة كانت الصلاة أفضل ويحتمل الى سنتين.

فان ظاهر الرواية الثانية هو المساواة في السنتين الى الثلاث ثمَّ الصلاة أفضل.

والظاهر أنّ المراد بالصلاة النافلة وكذا الطواف وهو مؤيّد لعدم كراهة الكون في مكة سنة بل سنتين وثلاثا أيضا لأنّ الظاهر أنّ المكروه هو المجاورة التي تكون المجاورة بها في حكم أهل مكة فظاهر هذه أنّها ما تحصل الا بعد الثلاث.

ويحتمل إرادة الإقامة من المجاورة هناك كما هو مقتضى بعض الاخبار المتقدمة فتأمل.

__________________

(١) وسندها (كما في التهذيب) هكذا : موسى بن القاسم ، عن عبد الرّحمن ، عن حماد ، عن حريز والسند (كما في الكافي) هكذا : على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله.

٣٨٧

النظر الرابع في اللواحق

وفيه مطالب :

الأوّل في العمرة المفردة

وتجب على الفور على من يجب عليه الحج بشروطه في العمر مرّة ، إلا المتمتع ، فإنّ عمرة تمتعه تجزى عنها.

______________________________________________________

النظر الرابع في اللواحق

قوله : وتجب على الفور إلخ .. أي العمرة المفردة تجب وجوبا ، مثل وجوب الحج فوريّا مرّة في العمر بشرائط حج الإسلام ، كحج الإسلام ولا تجب على المتمتع فان عمرتها عوض عن العمرة المفردة.

دليله الإجماع المفهوم من المنتهى قال فيه : العمرة فريضة مثل الحج ذهب إليه علمائنا مستندا الى الكتاب (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (١) اي يجب الإتيان بها تامّا فتأمل.

لاحتمال المراد وجوب إتمامهما بعد الشروع وذلك غير مستلزم للوجوب أصالة وابتداء.

وقال أيضا : ولا نعلم خلافا في عدم إجزاء عمرة التمتع عن العمرة المفردة

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

٣٨٨

وقد تجب بالنذر وشبهه ، والاستيجار ، والإفساد ، والفوات ، والدخول إلى مكة لغير المتكرر ، ويتكرّر بتكرّر السّبب.

______________________________________________________

كأنّه يريد بين المسلمين فهذا إجماع المسلمين والأوّل إجماع الأصحاب حيث للشافعي قول (١) في استحباب العمرة المفردة.

ويدل على وجوب العمرة على المفرد والقارن دون المتمتع أخبار كثيرة (٢) وقد تقدمت في بيان حقيقة أنواع الحج.

وأيضا في حسنة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : إذا استمتع (تمتّع خ ل) الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة (٣).

وفي رواية ابن ابى نصر قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن العمرة أواجبة (واجبة خ ل) هي؟ قال : نعم قلت : فمن تمتّع يجزى عنه؟ قال : نعم (٤).

وامّا وجوبها بالنذر وشبهه والاستيجار فدليله واضح من الكتاب والسنة (٥) والإجماع من وجوب الإيفاء بالايمان والنذور والعقود.

والظاهر انّ وجوبها بإفسادها ، وبفوات الحج ، وبدخول مكة إذا لم يدخل بالحجّ الا من استثنى فهو (٦) إجماعيّ أيضا ، وقد دلّت على وجوبها للفوات الأخبار المتقدمة فيمن فاته الحج وكذا في الفساد أيضا على ما أظنّ.

ودلّ على وجوبها للداخل الاخبار أيضا (٧) ولأنّها دلّت على وجوب

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب : حيث انّ للشافعي قولا إلخ.

(٢) راجع الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أبواب العمرة الرواية ١.

(٤) الوسائل الباب ٥ من أبواب العمرة الرواية ٣.

(٥) امّا الكتاب فقوله تعالى (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) (الحج ٢٩) وقوله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (الإنسان ٧) وقوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) الآية (المائدة : ٨٩) واما السنة فراجع الوسائل الباب ٧ و ٨ و ٩ وغيرها من أبواب كتاب النذر والباب ٢٣ و ٢٤ وغيرهما من أبواب كتاب الايمان.

(٦) هكذا في جميع النسخ ، والظاهر ، زيادة لفظة فهو.

(٧) راجع الوسائل الباب ٥٠ و ٥١ من أبواب الإحرام.

٣٨٩

وتجب فيها النيّة ، والإحرام من الميقات ، أو من خارج الحرم ، وأفضله الجعرانة ، ثمَّ التنعيم ، ثمّ الحديبيّة ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، والتقصير ، وطواف النساء ، وركعتاه.

______________________________________________________

الإحرام والإحلال ما يحصل إلا بالعمرة غالبا (١).

ووجوب تكرارها عند تكرار سببها ظاهر ، لوجوب وجود المسبب عند وجود سببه.

قوله : ويجب فيها النيّة إلخ .. قد مرّ أفعال العمرة مفصّلة في بيان أفعال الحج ، وانّ ميقاتها لمن مرّ عليه هو الميقات ، ولمن في الحرم خارج الحرم ، وقد يعبّر عنه بأدنى الحلّ ، وأفضليّة المواضع الثلثة بالترتيب مذكورة في الكتب لعلّ لهم دليلا عليها.

قال في الدروس : (٢) وأفضلية الجعرانة لإحرام النبيّ صلّى الله عليه وآله منها ثم التنعيم لأمره بذلك ثم الحديبيّة لاهتمامه بها قيل معناه همّ وقصد ان يحرم منها وما أحرم.

وفي الدليل تأمل فإنَّ الفعل لا يدلّ والأمر في الكل موجود من غير ترتيب.

روى في الفقيه (في الصحيح) عن عمر بن يزيد (٣) (الثقة) عن ابى عبد الله عليه السّلام من أراد ان يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة والحديبيّة وما أشبههما.

__________________

(١) فإنّه قد يحصل بالذبح كما في المصدود (منه رحمه الله) كذا في هامش بعض النسخ الخطيّة.

(٢) قال في الدروس : ص ٩٣ وميقاتها ميقات الحج أو خارج الحرم وأفضله الجعرانة لإحرام النبيّ صلّى الله عليه وآله منها ثمّ التنعيم لأمره بذلك ثم الحديبيّة لاهتمامه بها قال في الحاشية (عند قول الماتن رحمه الله ثم الحديبيّة) : اي همّ ان يحرم منه وما أحرم يعنى انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قصد ان يحرم من الحديبيّة.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب المواقيت الرواية ١.

٣٩٠

وتصحّ في جميع أيّام السنة

______________________________________________________

والأمر بالتنعيم موجود في الرواية (١) كما ذكره.

قال في الفقيه يجوز الإحرام في جميع المواقيت فلا مخالفة.

واما من كان بين مكة وميقات فيحتمل كون ميقاتهم هو ادنى الحلّ أيضا لكونه ميقاتا مع عدم وجوب مرورهم بميقات غيره وإلزامه بالرجوع الى الميقات تكليف شاق منفيّ بالأصل وكذا إلزامه بالإحرام من دويرة أهله منفي بالأصل.

ويحتمل ان يكون منزله ميقاته لعموم من كان منزله أقرب الى مكة فميقاته منزله (٢).

ويحتمل اختصاصه بالحج كما هو الظاهر قال في الدروس وميقاتها ميقات الحج أو خارج الحرم.

وهو مجمل كأنّه يريد بالحج التمتع مع عمرته فان ميقات حج غير التمتّع لمن هو خارج مكة ودون الميقات دويرة اهله ، وخارجها لمن هو فيها فتأمل.

ثم انه ينبغي ان يقول : الحلق أو التقصير لأنّ الحلق أفضل الفردين فكأنّه ترك لعموم التقصير للنساء والرّجال ولمن على رأسه شعر أم لا ولأنه قد يكون حلق في الحج فلم يبق له الشعر ، ولانه سنذكر أنّه أفضل.

قوله : وتصح في جميع أيّام السنة إلخ .. عبارة مجملة بل مختلّة والتفصيل مذكور في غيره بانّ وقت العمرة الواجبة لحج الافراد والقران أو منفردة للإسلام ان كان بعد أيّام التشريق ، الى آخر ذي الحجة كما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار (٣) وفي الدروس وغيره أو استقبال المحرّم ، كأنّه يريد أوائل المحرّم ، فهو مجمل مع عدم وضوح دليله ، قال في الدروس : وهذا المقدار لا ينافي الفورية.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب أقسام الحج الرواية ٢ والباب ٢ من تلك الأبواب الرواية ٤.

(٢) راجع الوسائل الباب ١٧ من أبواب المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الرواية ٤.

٣٩١

وأفضلها رجب ، ويجوز العدول بها الى التمتع ان وقعت في أشهر الحج.

______________________________________________________

لعلّه لأنّ المراد بالفوريّة عدم جواز تأخيرها من زمانها ومن عام إلى أخر كالحج وقت العمرة التي تجب بالأسباب وقت وجود سببها بالتفصيل الذي علم من موضعه.

ووقت العمرة المندوبة جميع أيّام السنة إلا ما استثنى مما يجي‌ء من اشتراط الزمان بين العمرتين منازعته (مسارعته خ ل) للواجب.

ودليل افضليتها في رجب ما نقل انها تلي الحج (١).

ويدل عليها أيضا استثناء جواز الإحرام قبل الميقات لمن خاف تقضّى الرّجب قبل وصوله الى الميقات (٢).

وما في صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام ، أفضل العمرة عمرة رجب (٣).

وفي صحيحة معاوية بن عمّار عمرة رجب أفضل من عمرة شهر رمضان (٤).

فلا يعارض ما في رواية ضعيفة عمرة شهر رمضان أفضل (٥).

ويمكن حملها على افضليتها من غير رجب.

قوله : ويجوز العدول بها إلخ .. قد مرّ دليله وتفصيله في نقل الافراد الى التمتع وغيره فتذكر وتأمل وأنّه يجوز ذلك العدول إذا لم تكن متعيّنة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب العمرة الرواية ١٦.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب المواقيت الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب العمرة الرواية ٧ ذيل الرواية ، والباب ٢ منها ذيل الرواية ١٣.

(٤) الوسائل الباب ٣ من أبواب العمرة الرواية ٣ منقولة بالمعنى.

(٥) الوسائل الباب ٤ من أبواب العمرة الرواية ٢.

٣٩٢

ولو اعتمر متمتّعا لم يجز الخروج حتى يأتي بالحج ، فان خرج من مكّة بحيث لا يفتقر الى استيناف إحرام آخر جاز ، ولو خرج فاستأنف عمرة ، تمتع بالأخيرة.

ويستحب العمرة المفردة في كل شهر ، واقلّه عشرة أيّام.

______________________________________________________

قوله : ولو اعتمر إلخ .. قد مرّ هذا أيضا مفصّلا وانّ مراده بقوله (فان خرج من مكة بحيث إلخ) الخروج من مكة قبل مضى شهر من إحرامه أو إحلاله على ما مرّ.

ويحتمل كون المراد الخروج الى مكان لا يحتاج معه إلى الإحرام للدّخول وان كان بعد مضىّ شهر وهو عدم الخروج من الحرم حتى يمكن الإحرام للعمرة من ميقاتها فإنّه أدنى الحلّ أو الميقات أو دويرة الأهل على الاحتمال وليس هنا إلا الأوّل ولأنّه المعتبر لوجوب الإحرام لمن خرج من مكة وأراد الدخول غير المستثنى لما مرّ ولأنّه المتبادر من عبارات الأصحاب.

وقد صرح به في بعض المواضع مثل الدروس قال : درس : من كلام ابن الجنيد : وما لم يتجاوز المكي الحرم فلا عمرة عليه لدخوله وقيل صرح به في التحرير أيضا.

وقوله : (لم يجز الخروج) ، إشارة الى هذا الخروج الذي يحتاج إلى إحرام بقرينة ما بعده فمن جملة المستثنى مما يجب الإحرام والعمرة لدخول مكة مطلقا الخارج قبل الشهر وان تجاوز الحرم وغير المتجاوز وان كان بعده فتأمل.

ومعنى قوله : (ولو خرج) ، الخروج الذي ذكرناه وقد مرّ فائدة التمتع بالأخيرة فتأمل وتذكر.

قوله : ويستحبّ العمرة المفردة في كل شهر إلخ .. اشترط بعض في جواز العمرة ثانية مضى شهر من العمرة الاولى وبعض السنة وبعض عشرة أيّام

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال بعض : لا حدّ له فيجوز العمرة في كل زمان ما لم يمنعه مانع مثل ان يزاحم واجبا فهو من جهة المزاحمة لا من جهة عدم صلاحية الزمان وان يحرم بعد إحرام العمرة التمتع قبل خروج الشهر وغير ذلك فتأمل.

أما أدلة المذاهب فلعل دليل الأخير هو عموم الأخبار الواردة في الترغيب بالعمرة مثل ما في صحيحة معاوية بن عمّار عن ابى عبد الله عليه السّلام المعتمر يعتمر في أيّ شهور السنة شاء (الحديث) (١).

وهي أعمّ من مرّة بعد اخرى بلا فصل وغيره.

وانها مشروعة فلا اختصاص لها بوقت دون اخرى وكانّ القائل به منحصر فيمن لم يعمل بخبر الواحد كالسيد السند قدّس الله سرّه والا خصّص بالوقت للاخبار كما ستطّلع.

ودليل اشتراط العشرة ما في رواية على بن أبي حمزة عن ابى الحسن عليه السّلام قال : ولكل شهر عمرة فقلت يكون أقل؟ قال : لكل عشرة أيام عمرة (٢).

لكن سندها غير واضح الصحة لعلي بن أبي حمزة لأنّ الظاهر أنّه البطائني الواقفي الضعيف فيردّ بغيرها من أدلّة من لا يشترط ومن يشترط غيرها.

ودليل اشتراط الشهر مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : في كتاب عليّ عليه السّلام في كل شهر عمرة (٣).

وصحيحة يونس بن يعقوب (ولا يضر القول في يونس) قال سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : انّ عليّا عليه السّلام كان يقول في كل شهر عمرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب العمرة الرواية ١٣.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب العمرة الرواية ١٠.

(٣) أوردها واللتين بعدها في الوسائل في الباب ٦ من أبواب العمرة الرواية ١ و ٢ و ٩.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة إسحاق بن عمار (في الفقيه) قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : السنة اثنى عشر شهرا ، يعتمر لكل شهر عمرة.

ولا يضرّ القول في إسحاق.

وما يدل على أنّ من يخرج من مكة بعد عمرة التمتّع قبل الشهر لا يحرم وبعده يحرم (١).

والظاهر من هذه الروايات عدم الزيادة على ذلك كما قيل في قوله عليه السّلام لكل سورة ركعة (٢).

وأيضا الظاهر منها وقوع كل عمرة بتمام أجزائها في شهر شهر فيدل بظاهرها على اعتبار الفصل ان احتاج اليه من زمان التحلّل من الاولى لا من الإحرام ليصدق لكل شهر عمرة والا يكون لكل شهر إحرام وهو ظاهر فتأمل.

ويأوّل ما يدل على السنة بالعمرة التي تكون مع الحج جزء له مطلقا أو عمرة الإسلام فإنّها لا تصح في سنة الا واحدة كالحج للجمع بين الأدلة ، والتبادر الى الفهم في الجملة.

وهو صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : العمرة في كلّ سنة (٣).

وصحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال : لا يكون عمرتان في سنة (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب أقسام الحج الرواية ٦ و ٨ و ١٠.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب القراءة من كتاب الصلاة الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٦ من أبواب العمرة الرواية ٦.

(٤) الوسائل الباب ٦ من أبواب العمرة الرواية ٧ و ٨ عن حريز عن ابى عبد الله عليه السّلام وعن جميل عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام إلخ.

٣٩٥

والحلق فيها أفضل من التقصير ، ويحلّ مع أحدهما من كل شي‌ء عدا النساء ، فإذا طاف طوافهنّ حللن له.

المطلب الثاني في الحصر والصدّ.

من صدّ بالعدوّ بعد تلبّسه ولا طريق غيره ، أو كان وقصرت النفقة عن الموقفين أو مكة.

______________________________________________________

وحملهما الشيخ على عمرة التمتع ، والظاهر أنّه لا يحتاج كما عرفت ، ويؤيّد الشهر ، الشهرة ، قال في المختلف : أجمعت الإماميّة على جواز العمرة في كلّ شهر الا من ابن أبي عقيل فيجب المصير إليه أخذا بالمتيقّن فتأمل فيه.

وبالجملة القول بالسنة بعيد نادر ينافيه بعض الاخبار في الجملة ، والعشر ضعيف يردّه الاعتبار والاخبار ، والشهر لا يخلو عن قرب ، وعدم التحديد محتمل للعموم ، مثل ما روى ـ كأنه عن طرقهم ـ العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما (١) ، فتأمل فيه وعدم صريح في التحديد لإمكان تأويل ما ورد في ذلك فتأمل.

قوله : والحلق فيها أفضل من التقصير .. قد مرّ تحقيقه وأنّه الاولى خصوصا بالنسبة إلى الصرورة والملبّد.

قوله : ويحلّ مع أحدهما من كل شي‌ء إلخ .. قد مرّ ما يحصل به التحلّل وتوقف النساء بطواف النساء وتحلّلها بعده فتذكّر وتأمل.

المطلب الثاني في الحصر والصدّ

قوله : من صدّ بالعدوِّ إلخ .. اعلم أنّ المشهور عند الأصحاب أنّ الصدّ

__________________

(١) كنز العمّال الباب الثالث في العمرة وفضائلها (ج ٥ ص ١١٤ تحت رقم ١٢٢٩٣ وفيه العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما من الذنوب والخطايا.

٣٩٦

وانّ أحكامهما مختلفة كما سيجي‌ء

______________________________________________________

بالعدوّ والحصر والإحصار بالمرض وانّ أحكامهما مختلفة كما سيجي‌ء والظاهر انّ ذلك اصطلاح ولا مانع في اللغة من ذلك لانّ الظاهر من اللغة صدق كل واحد على معنى الآخر فانّ معناهما في اللغة الحبس والمنع ولأنّ الإحصار في قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (١) بمعنى الصدّ بالعدوّ فإنها وردت في صدّ المشركين النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد إحرامه بالعمرة في الحديبيّة فنحر وأمر أصحابه بالنحر والذبح ففعلوا ذلك بها ورجع الى المدينة.

ونقل في المنتهى عن الشافعي إجماع المفسّرين على انّها في صدّ المشركين النبيّ صلّى الله عليه وآله.

وكان سبب اصطلاحهم على ذلك الرواية.

مثل صحيحة معاوية بن عمار (٢) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : المحصور غير المصدود فان (وقال خ ل) المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ليس عن مرض والمصدود تحلّ له النساء والمحصور لا تحلّ له النّساء.

ويمكن ان يفرّق بين الحصر والإحصار ، فيكون الإحصار بمعنى الصدّ كما في الآية ، بخلاف الحصر ، فلا يكون إلا في المرض ولكن ظاهر كلامهم عدم هذا الفرق ، فإنّهم قد يعبرون عن المحصور بالحصر (٣) كما فعل في الدروس وغيره بل يظهر من المنتهى مما نقل عن ابن إدريس انّ الحصر بمعنى الصدّ بالعدوّ والإحصار بمعنى المنع بالمرض وحمل عليه الآية وقال : بوجوب الهدى في المرض للآية دون العدوّ للأصل.

وهو خلاف الظاهر لما تقدم من الخبر والإجماع في سبب نزول الآية مع الشهرة.

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الإحصار والصدّ الرواية ١.

(٣) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة ، ولعلّ الصواب (بالصد) بدل بالحصر.

٣٩٧

نحر أو ذبح ، وتحلّل بالهدي.

______________________________________________________

وامّا دليل الحكم المذكور ـ لمن تلبس بالإحرام ثم صدّ بالعدوّ عن إتمام ما أحرم له مثل الموقفين وإتيان مكة للطواف مع عدم طريق اخرى غير المصدود عنه أو مع وجودها ووجود المانع من ذلك مثل قلة النفقة وخوف الطريق ولو لم يكن كذلك لم يجز التحلّل ، ويجب الصبر والذهاب الى ذلك الطريق وان خاف الفوت حتّى يتحقق الفوات بمضي زمان الحج ثم يتحلّل بالعمرة كالذي يفوته الحج كما مرّ ثم يقضى ما شرع فيه وصدّ عنه مع وجوبه والتقصير بحيث لو لم يكن لأدرك والا فيقضيه ندبا فدليل (١) التحلّل بالذبح أو النحر الإجماع (٢) المنقول في المنتهى وآية : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) (٣) والخبر مثل ما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة من حلّ النساء للمصدود وعدمه للمحصور (٤).

ودليل وجوب النحر أو الذبح ـ فيحلّ به لا بدونه ـ ما يستشعر من الإجماع والآية في المنتهى فإنّه قال فيه : اجمع على ذلك أكثر العلماء وحكى عن مالك انّه قال : لا هدى عليه وأيضا لنا قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) الآية ، قال الشافعي : لا خلاف بين أهل التفسير انّ هذه نزلت في حصر الحديبيّة.

قال في تفسيرها في مجمع البيان : التقدير فعليكم ما سهل من الهدى أو فاهدوا ما سهل من الهدى بدنة أو بقرة أو شاة وهي أدناها (٥) فظاهره الوجوب لوجود الأمر بالذبح والنحر يوم الحديبيّة على ما نقل كما تقدم إليه الإشارة وتدلّ عليه

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة ، ولعلّ الصواب (بالصد) بدل بالحصر.

(٢) خبر لقوله قدّس سرّه : وامّا دليل الحكم المذكور.

(٣) هكذا في النسخ ولعل الصواب والإجماع بالواو.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) الوسائل الباب ١ من أبواب الإحصار والصد الرواية ١.

(٦) عبارة التفسير هكذا : فعليكم ما سهل من الهدى أو فاهدوا ما تيسّر من الهدى إذا أردتم الإحلال ، والهدى يكون على ثلاثة أنواع جزور أو بقرة أو شاة وأيسرها شاة.

٣٩٨

ونيّة التحلّل ، ولو كان هناك طريق آخر لم يتحلّل ، وان خشي الفوات صبر حتى يتحقق ، ثمّ يتحلّل بالعمرة ، ثم يقضى في القابل مع وجوبه ،

______________________________________________________

الاخبار (١) أيضا ، ومع ذلك يحتمل الرخصة فتأمل.

ودليل وجوب نيّة التحلّل في الذبح ـ بأن ينوي عنده التحلّل بالذبح عن إحرام كذا ، للصدّ ، مع الوجه لله ، واشترط التحلل بالهدي بها ـ بعض الاعتبارات مثل انّ الذبح يقع على وجوه أحدها التحلل فلا يتخصّص به الا بها وقد مرّ البحث في أمثاله فتذكر وقد يمنع وقوع وجوب الذبح على وجه التحلّل وللإحلال بل الذي فهم من الدليل هو ما تيسّر من الهدى فالظاهر أنّه منها حينئذ يجب ويكفى ذبحه بعد الصدّ للأمر به حينئذ وان لم يعلم حصول التحلل بعده ولا يخطر بباله.

نعم يمكن اعتبار عدم قصد أمر أخر ويقصد كونه للأمر به حين الصدّ.

وامّا وجوب نيّة التحلل والمقارنة وباقي الوجوه فغير ظاهر والأصل ينفيه والتكليف الزائد يحتاج الى الدليل والاحتياط طريق السلامة فلا يترك.

ودليل وجوب الصبر وعدم التحلل مع إمكان طريق آخر ظاهر وهو عدم تحقق الصدّ حقيقة وان خاف فوت الحج.

ودليل وجوب العمرة حينئذ للتحليل قد مرّ مع دليل وجوب القضاء مع الاستقرار.

ويدلّ عليه ما في صحيحة البزنطي (في الكافي) في عمرة الحديبيّة قضى عمرته؟ قال : لا ولكن اعتمر بعد ذلك (٢).

وفعل الحسين عليه السّلام في المنع بالمرض (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب الإحصار والصدّ الرواية ٣ ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب الإحصار والصدّ الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب الإحصار والصدّ الرواية ١.

٣٩٩

والا ندبا. وكذا المعتمر إذا منع عن مكة ،

______________________________________________________

فتأمل فيه وكأنّ دليل الندبيّة مع عدم الاستقرار وعدم بقاء الاستطاعة انّه عبادة شرع فيها وحصل المانع فينبغي إعادته مع الإمكان ويؤيّده الترغيب والتحريص في الحج والعمرة فتأمل.

وامّا عدم فرق بين أنواع الحج وبين العمرة كأنّه للاتفاق ، وعموم الأدلة ، وكون الآية على ما قيل في إحرام العمرة دليل على العمرة بخصوصها ولا ينافي غيرها فتأمل.

والظاهر ان الصدّ عن العمرة انما يتحقق بالمنع عن الطواف فيحلّ بالذبح أو النحر ولا يمكن بغيره الا ان يكون عمرة في زمان وترك التحلل حتى فات وقته فيكون التحلل بالعمرة ويجب القضاء كما مرّ في الحج فتأمل.

ثم اعلم أنّه قال في المنتهى : ولا زمان لهدي الصدّ ولا مكان له معينين بل هما موضع الصدّ وزمانه.

والظاهر عدم الخلاف عند الأصحاب في ذلك ولكن يأباه ظاهر قوله تعالى (حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١) الا انّه لمّا حملت الآية بالإجماع والاخبار على الصدّ بالعدوّ وانّ هديه لا يبعث الى الحرم فيحتمل ان يكون قوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (٢) ابتداء كلام يعنى وبعد الإحرام لا تحلقوا لا تتمّة لحال المحصر ولهذا لا خصوصيّة له بحاله وكذا قوله تعالى بعده بلا فصل (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) الآية (٣) ولهذا قيل نزلت في كعب بن عجرة وما كان هو محصرا.

ويحتمل ان يكون المراد ببلوغ الهدى محلّه محلّ الصدّ ان جعلناه مخصوصا بالحصر وهو بعيد أو ما يعمّه ان عمّمناه ويكون كناية عن ذبح الهدى في محلّه أينما

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

٤٠٠