مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

وامّا هدي القران فلا يخرج عن ملكه ، وله ابداله ، والتصرف فيه ، وان أشعره أو قلّده ، لكن متى ساقه

______________________________________________________

تقدم من سقوط الحج عمن مات بعد الإحرام ودخول الحرم وهو ظاهر في سقوط جميع ما يتعلّق به فتأمل. ولمّا كان وجوب إخراج الهدي عن أصل ماله مستلزما لخروجه عن ملكه حسن بعده.

قوله : واما هدي القران فلا يخرج عن ملكه إلخ .. لعلّ مراده هدى التطوع بقرينة قوله ولو كان مضمونا إلخ (١) فحينئذ وجه عدم الخروج عن ملكه وجواز التصرف بالحلب والركوب والحمل والابدال ظاهر ، وهو الأصل والاستصحاب وعدم الوجوب.

ويؤيّده صحيحة حمّاد (في الفقيه) عن حريز انّ أبا عبد الله عليه السّلام قال : كان عليّ عليه السّلام إذا ساق البدنة ومرّ على المشاة حملهم على البدنة ، وان ضلّت راحلة رجل ومعه بدنة ركبها غير مضرّ ولا مثقل (٢).

وصحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : كان عليّ عليه السّلام يحلب البدنة ويحمل عليها غير مضرّ.

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سألته عن البدنة تنتج أنحلبها؟ قال : احلبها حلبا غير مضرّ بالولد ثم انحرهما جميعا قلت : يشرب من لبنها؟ قال : نعم ويسقى ان شاء.

وقريب منها صحيحة سليمان بن خالد وغيرها ، والاخبار في ذلك كثيرة.

ويدل عليه أيضا ما يدل على الاجزاء لو عطب من غير لزوم بدل وجواز الأكل منه (٣).

__________________

(١) سيأتي هذا البحث.

(٢) أوردها والثلثة التي بعدها في الوسائل الباب ٣٤ من أبواب الذبح الرواية ٢ و ٤ و ٧ و ٦.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من أبواب الذبح الرواية ٣ وغيرها من روايات هذا الباب.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد مرّ ما يدلّ عليهما مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ قال : ان كان تطوعا فليس عليه غيره وان كان جزاء أو نذرا فعليه بدله (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن رجل اهدى هديا فانكسرت؟ فقال : ان كانت مضمونة فعليه مكانها والمضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا وله ان يأكل منها وان (فان خ) لم يكن مضمونا فليس عليه شي‌ء (٢) وغيرها ، هذا.

ولكن ينبغي (يبقى خ ل) التأمل في قوله : (ولكن) إلخ ويمكن ان يكون المراد به ما كان واجبا بوجه من الوجوه مثل النذر والجزاء وجعله هدى السياق في الحج والعمرة وهو بعيد.

ويمكن أيضا ان يقال : يجب ذبح ما ساقه ندبا أيضا بالاشعار والتقليد وان كان يجوز له التصرف والابدال ولم يخرج عن ملكه ، إذ لا منافاة بين ذلك وبين وجوب الذبح غاية الأمر أنّه يكون اللحم ماله يفعل به ما يريد.

وهذا ممكن ، ولكن لا بدّ له من دليل وما رأيت إلّا صحيحة الحلبي وسيجي‌ء في شرح قوله : (ويستحب ذبح الأخير) مع ما عليها ويدلّ على عدمه ، ما تقدم ، مع أنّه ينفيه قوله : (وله الابدال) ، الا ان يقال : انّ المراد أنّه ان لم يبدل ويبقى على حاله حتى يبلغ محلّه يجب أو أنّ المراد ذبحه ان بقي والّا ذبح بدله وحينئذ لا يجوز إعدامه من غير بدل وبالجملة ما يعلم انّه يجب ذبح هدى السياق والتصدق به ولو كان الأوّل إجماعيا فهو والّا فلا.

وفرق البعض بأنّه ان كان قد أشعر أو قلد لمقارنة نية الإحرام به أو

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب الذبح الرواية ١ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب الذبح الرواية ١ و ٢.

٣٠٢

فلا بد من نحره بمنى ، ان كان لإحرام الحج ، وان كان للعمرة ، فبالجزورة (١) ولا يجب البدل لو هلك ، ولو كان مضمونا كالكفارات وجب ، ولو عجز هدى السياق ذبح أو نحر

______________________________________________________

لتأكيدها بعد مقارنتها بالتلبية يجب ذبحه والصدقة وان أشعره في غير هما فلا.

وقول المصنف : (وان أشعره) إشارة الى الثاني وقوله : (متى ساقه) إشارة إلى الأوّل غير ظاهر فان كان لصحيحة الحلبي فهي عامة وسيجي‌ء مع ما عليها فتأمل.

وأمّا وجوب الذبح بمنى ـ ان كان السوق في إحرام الحج وبالحزورة وهو فناء الكعبة على ما فسّر ان كان في إحرام العمرة ـ فكأنّ دليله انّهما مكانا ذبح ما يلزم الحاج والمعتمر وقد مرّ إليه الإشارة.

ولعلّ كونه بحزورة مستحب فإن مكّة كلّها منحر كما مرّ ، بل قد مرّ أيضا جواز ذبح ما يجب في الحج في مكة ، لذلك كلّها منحر ، فتأمّل.

قوله : ولا يجب البدل إلخ .. هذا في المندوب واضح وكذا في الواجب المعيّن بان نذر ذبحه بعينه وهلك بغير تفريط ، بخلاف ما يجب في الذمّة وان عيّنه بالفعل والقول وساقه ، واليه أشار بقوله : (ولو كان مضمونا كالكفّارات وجب البدل اى يجب بدل ما يجب من الهدى الواجب في الذمّة ووجهه ظاهر فان الواجب هو ما في الذمّة ولا ينحصر في المعيّن ما لم يصل الى محلّه كالدين المطلق فإنّه لا يتعين ولا تبرء الذمّة إلّا بقبض مالكه أو وكيله.

قوله : ولو عجز هدى السياق إلخ .. أي لو عجز هدى السياق الذي وجب ذبحه عن الوصول الى محلّه لضعفه بان يكون معيّنا بنذر وشبهه أو يكون مطلقا وقلنا يتعيّن بالتعيين بان يقول هذا هو الهدي الفلاني الواجب في ذمّتي وكلّهم (٢)

__________________

(١) الحزورة بالحاء المهملة على وزن قسورة ، تلّ خارج المسجد بين الصفا والمروة.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والصواب (كلّها) بدل (كلّهم)

٣٠٣

وعلّم علامة الهدي ،

______________________________________________________

يفهم الإجماع على ذلك من المنتهى ولكن يفهم أيضا أنّه لو حصل كسر وعطب يرجع الى الذمّة كما في المطلق ، وفيه تأمل.

ودليل وجوب ذبحه ـ ان كان مذبوحا ونحره ان كان منحورا ـ هو أنّه كان يجب ذبحه بعينه في مكان وزمان معينين ، فإذا تعذر لم يسقط الأصل ، لقوله صلّى الله عليه وآله : إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم (١) ولقوله : لا يسقط الميسور بالمعسور (٢) وغير ذلك ، فتأمل.

والظاهر من المتن وجوب وضع العلامة بوضع كتاب عنده ، مضمونه انّ هذا هدى ومال للفقراء ، أو يغمس نعله بدمه ويضرب صفحة سنامه لانّ إيصاله إلى الفقراء واجب والفرض عدم إمكان شي‌ء غير هذا فيجب ، ولما مرّ.

ويدل عليه الرواية أيضا مثل ما في مرسلة حريز قال : كلّ من ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شي‌ء عليه ينحره ويأخذ نعل التقليد فيغمسها في الدّم ويضرب به صفحة سنامه ولا بدل عليه وما كان من جزاء الصيد (صيد خ ل) أو نذر فعطب فعل مثل ذلك وعليه البدل (٣).

ورواية عمر بن حفص الكلبي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام رجل ساق الهدى فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا من يعلمه أنّه هدي قال : ينحره ويكتب كتابا ويضعه عليه ليعلم من يمرّ به أنّه صدقة (٤).

ولا يضر عدم صحة السند فتأمل.

__________________

(١) عوالي اللئالى ج ٤ ص ٥٨.

(٢) عوالي اللئالى ج ٤ ص ٥٨ وفيها : لا يترك الميسور بالمعسور.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من أبواب الذبح الرواية ٥ نقل الرواية في الوسائل عن الكافي ، عن حريز ، عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السّلام كل من الى آخره وزاد في آخرها وكل شي‌ء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره.

(٤) الوسائل الباب ٣١ من أبواب الذبح الرواية ٦.

٣٠٤

ولو انكسر جاز بيعه ، وتصدق بثمنه ، أو أقام بدله ، ولا يتعيّن هدى السياق للصدقة إلا بالنذر ،

______________________________________________________

وفي الحكم ودليله دلالة على جواز العمل بالقرائن والظن الحاصل من الكتابة ونحوها في أكل مال الناس في الجملة والحكم بطهارة الذبيحة فافهم.

قوله : ولو انكسر جاز بيعه وتصدق ثمنه أو أقام بدله .. ينبغي عدم الفرق بين الكسر والعجز فمع التعيين وإمكان ذبحه لا غير ينبغي اختيار ذلك والعلامة ومع عدم إمكانه وإمكان التصدق به أو إمكان بيعه والتصدق بثمنه كذلك ، ومع إمكان ذلك كلّه فالذبح والعلامة ، ويمكن فهم ذلك مما تقدم ومع عدم التعيين فالمال له لكن ينبغي التصدق به أو بثمنه لظاهر الرواية.

وأمّا الجمع بين بيعه والتصدق بثمنه واقامة بدله فهو خلاف القوانين وان كان هو ظاهر حسنة الحلبي قال : سألته عن الهدى الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدى آخر؟ قال : يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدى هديا أخر (١) ولا يضرّ الحسنيّة والإضمار.

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن الهدى الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدى؟ قال : لا يبيعه فان باعه فليتصدق بثمنه وليهد هديا آخر (٢).

ويمكن جعل الواو بمعنى أو (٣) وكأنّه إليه أشار المصنف بقوله : (أو أقام) وحملها على الاستحباب أو على جعل المكسور واجبا بنذر وشبهه مع وجوب هدى آخر فتأمل.

قوله : ولا يتعيّن هدى السياق إلخ .. دليله واضح وقد مرّ إليه الإشارة

__________________M(١) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب الذبح الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب الذبح الرواية ٢.

(٣) يعني جعل الواو في قوله عليه السّلام : وليهد بمعنى أو.

٣٠٥

ولو سرق من غير تفريط لم يضمن ، ولو ضلّ فذبح عن صاحبه أجزأ ، ولو اقام بدله ثمّ وجده ذبحه ، ولم يجب ذبح الأخير ، ولو ذبح الأخير استحبّ ذبح الأوّل

______________________________________________________

فالظاهر أنّ المراد أنّه لو لم يكن التصدق به منذورا يفعل به ما يريد كسائر أمواله وان كان ذبحه واجبا بنحو من الأنحاء ، للأصل والاستصحاب وعدم ظهور دليل يدلّ على خلافه بحيث يقطع العذر وان قيل بوجوب القسمة أثلاثا في هدى التمتع.

ويظهر من بعض الأصحاب جعل ذلك واجبا كما في هدى التمتع والوجه غير بيّن غير رواية شعيب العقرقوفي (١) وقد تقدمت مع الكلام فيها وصحيحة الحلبي (٢) وستجيئ مع الكلام عليها.

وقد مرّ ما يمكن فهم ذلك من الكلام في قسمة هدي التمتع فتذكر وتأمل ، نعم ينبغي الاحتياط كما مرّ.

قوله : ولو سرق من غير تفريط لم يضمن .. الظاهر أنّ هذا على تقدير تعيينه.

قوله : ولو ضلّ فذبح عن صاحبه أجزأ .. وقد مرّ دليله.

قوله : ولو اقام بدله ثم وجده وذبحه لم يجب ذبح الأخير .. وجوب ذبح الأوّل ـ على تقدير تعيينه وعدم وجوب ذبح الأخير الغير الواجب الا لكونه بدلا ـ واضح.

قوله : ولو ذبح الأخير استحب ذبح الأوّل. هذا في غير المعين واضح ، وأمّا في المعين فالظاهر وجوب ذبح الأوّل مطلقا بعد الوجدان ، سواء كان بعد ذبح الأخير وقسمته أم لا لظهور المبدل الذي تعين ذبحه فعلم عدم إجزاء الثاني عنه فلو لم

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الذبح الرواية ١٨.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب الذبح الرواية ١.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يفرقه لم يجب تفريقه حينئذ بل يمكن الإعادة أيضا على تقدير علم المستحق بالحال.

ويمكن الاجزاء مطلقا وعدم وجوب ذبح الأوّل كما هو ظاهر المتن لأنّه إذا فقد وجب بدله فصار بمنزلته وسقط الوجوب عن الأوّل وتعلق بالثاني فكأنّه المتعيّن خصوصا بعد الذبح والقسمة فتأمل.

ويدلّ على ذبح الأوّل رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه؟ قال : يشترى مكانه آخر ، قلت : فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأوّل؟ قال : ان كانا جميعا قائمين فليذبح الأوّل وليبع الآخر وان شاء ذبحه ، وان كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه (١).

ويمكن حمله على المعين والاستحباب لما مرّ وعدم صحة السند بمحمد بن سنان واشتراك ابن مسكان وابى بصير (٢).

قال في التهذيب بعد هذه الرواية : انما يجب ذبح الأوّل إذا ذبح الأخير ، إذا كان قد أشعر الأوّل فامّا إذا لم يكن قد أشعرها فإنّه لم يلزمه ذبحها.

والذي يدلّ على ذلك صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه الصلاة والسّلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل ان يشعرها ويقلّدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه؟ قال : ان لم يكن قد أشعرها فهي من ماله ان شاء نحرها وان شاء باعها ، وان كان أشعرها نحرها (٣).

وليست بصريحة في نحر الأخير.

ويمكن حملها على تقدير كونه واجبا لما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب؟ قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب الذبح الرواية ٢ وفي التهذيب الأخير بدل آخر في المواضع الثلثة.

(٢) والسند (كما في التهذيب) هكذا : الحسن بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير.

(٣) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب الذبح الرواية ١.

٣٠٧

ويجوز ركوب الهدى ، وشرب لبنه ما لم يضر به أو بولده ، ولا يعطى الجزّار من الواجب حتى الجلد

______________________________________________________

ان كان تطوعا فليس عليه غيره وان كان جزاء أو نذرا فعليه بدله (١).

لوجوب (٢) حمل المطلق على المقيّد أو على شدة الاستحباب مع الاشعار وكأنّ في صحيحة الحلبي إشعارا بوجوب صرف هدى القران لقوله : (فهي من ماله) فإنه يدلّ على أنّه على تقدير الآخر (الاجزاء) ليس من ماله فيجب التصدق وليست بدالّة لاحتمال كونه هدى التمتع ولاحتمال كون ان يكون المراد فإنه من ماله بحيث يفعل به ما يريد من بيعه وغيره بخلاف أن أشعرها فإنّه ليس من ماله الذي يفعل به ما يريد مثل الأوّل ولهذا قال (نحرها) وما قال تصدق به ولا شكّ أنّه أحوط فتأمل.

قوله : ويجوز ركوب الهدى وشرب لبنه ما لم يضرّ به أو بولده. قد مرّ دليله وهي صحيحة حماد وغيرها (٣).

ولعل فيه (٤) إشارة الى عدم خروج الهدى عن ملك صاحبه ، فتأمل.

قوله : ولا يعطى الجزار من الواجب حتى الجلد .. اي لا يجوز إعطاء الجزار شيئا من الهدى الذي يجب التصدق به مثل المنذورات والكفارات أجرة لأنّه يجب على المالك اجرة عمله من أصل ماله لانّ العمل يجب عليه مع تجويز الاستنابة له فإذا لم يفعل ويستنيب بالأجرة يجب كون الأجرة عليه لا على مال الفقراء.

ويدل عليه أيضا في الجملة ما في صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام ذبح رسول الله صلّى الله عليه وآله الى ان قال : ولم يعط الجزّارين من جلالها (٥) ولا من قلائدها ولا من جلودها ولكن تصدق به (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب الذبح الرواية ١.

(٢) تعليل لقوله : ويمكن حملها على تقدير كونه واجبا.

(٣) راجع الوسائل الباب ٣٤ من أبواب الذبح الرواية ٢ عن حماد عن حريز.

(٤) أي في كلام الماتن.

(٥) والجلّ بالكسر قصب الزرع إذا حصد وبالضمّ واحد جلال الدّواب وهو كثوب الإنسان الذي يلبس (مجمع البحرين)

(٦) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب الذبح الرواية ٣.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر انّ الأوّلين على طريق الاستحباب.

وما في صحيحته أيضا قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الإهاب؟ فقال : تصدق به أو تجعله مصلّى تنتفع به في البيت ولا تعطى (ولا تعطه خ ل) الجزّارين وقال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله ان يعطى جلالها وجلودها وقلائدها الجزّارين وأمره أن يتصدق بها (١).

وصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه الصلاة والسّلام قال : سألته عن جلود الأضاحيّ هل يصلح لمن ضحّى بها ان يجعلها جرابا؟ قال : لا يصلح أن يجعلها جرابا الّا ان يتصدق بثمنها (٢).

وحمل ـ على جواز الانتفاع به والإخراج من منى بشرط التصدق بثمنه لهذه الروايات ـ ما يدل عليه ممّا في صحيحة إسحاق بن عمار (وان كان في إسحاق قول) عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال : سألته عن الهدي أيخرج بشي‌ء (شي‌ء خ ل) منه من الحرم؟ فقال : بالجلد والسنام والشي‌ء ينتفع به (الخبر) (٣).

وفي الاخبار الدالة على عدم الجواز ، شي‌ء لأنّ الأولى نقل فعله صلّى الله عليه وآله وهو أعم من الوجوب والندب بل الظاهر الندب إذا لم يعلم الوجه كما ثبت في الأصول على أنّه صلّى الله عليه وآله نحر ستا وستّين والظاهر عدم وجوبه والثانية مشتملة على جواز جعل الجلود مصلّى والظاهر عدم جواز ذلك على تقدير وجوب التصدق بكلّه الا ان يتصدق بثمنه ، وفيه أيضا تأمل.

وانّهما مشتملان على ما هو مندوب مثل القلائد والجلال فقوله : (نهى) كأنّه نهى التنزيه والكراهة والأمر بالتصدق للاستحباب.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب الذبح الرواية ٥.

(٢) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب الذبح الرواية ٤.

(٣) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب الذبح الرواية ٦.

٣٠٩

ولا يأكل منها فيضمن المأكول ، ويستحب قسمة هدي السياق كالتمتع ،

______________________________________________________

وصحيحة على بن جعفر تدل على جواز جعله جرابا مع التصدق بثمنه وهو أيضا محلّ التأمل إذ لو وجب التصدق بالعين كيف يجوز له من عند نفسه جعله جرابا وإعطاء الثمن الّا ان يكون بعد التصدق الى الفقراء والشراء منهم فلو لم يكن إجماع لأمكن الحمل على الاستحباب.

ويؤيّده حسنة حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله ان يعطى الجزّار من جلود الهدى وأجلالها (جلالها خ ل) شيئا (١).

وفي رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : ينتفع بجلد الأضحيّة ويشترى به المتاع وان تصدق به فهو أفضل (٢) كذا في الكافي فتأمل.

والظاهر عدم التصرف فيها ولو بجعلها مصلّى وجرابا لما تقدم بل ولا الشراء من الفقراء لما تقدم من كراهة تملك ما تصدق به اختيارا.

قوله : ولا يأكل منها فيضمن المأكول .. أي لا يجوز لمن وجب عليه التصدق بالبدنة مثلا الأكل منها ، بل لو أكل ضمن قيمة ما أكل للفقراء ، دليله واضح ، لكن قد مر ما يدل على جواز الأكل في الجملة وان كان واجبا فتذكر وتأمل ، ولا استبعاد بعد ورود النصّ ، كما ورد في كفارة الجماع في نهار رمضان للأعرابي ، وهو مشهور (٣).

قوله : ويستحب قسمة هدي السياق كالتمتع .. قد مرّ مفصّلا وانّه قد أوجبها فيهما البعض والمراد هدى السياق من حيث هو والا قد يكون واجبا بأن

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب الذبح الرواية ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم (من كتاب الصوم) الرواية ٢.

٣١٠

والأضحيّة.

______________________________________________________

يكون مضمونا وجعل هدى السياق كما مرّ وذلك قد يكون التصدّق بكلّه كما إذا كان كفارة أو نذرا كذلك.

قوله : والأضحيّة .. أي يستحب الأضحيّة نقل عن الصّحاح : الأضحيّة شاة تذبح يوم الأضحى.

والظاهر انّ المراد هنا أعمّ محلّا وزمانا كما سيظهر.

قال في الدروس : وهي سنّة مؤكّدة ويجزى الهدى الواجب عنها والجمع أفضل وهي مختصّة بالنعم والأفضل الثني من الإبل ثم الثني من البقر ثمّ الجذع من الضأن أو الجذعة ثم الثني من المعز ولا يجزي غير الثني والجذع (١).

لعلّ دليله يعلم من الاخبار المتقدمة في بيان الهدي فإنّ بعضها كان في الأضحيّة.

وروى في الفقيه (صحيحا) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه الصلاة والسّلام قال : الأضحيّة واجبة على من وجد من صغير أو كبير وهي سنّة (٢).

وروى عن العلاء بن الفضيل (الثقة) عن أبي عبد الله عليه السّلام انّ رجلا سأله عن الأضحى ، فقال : هو واجب على كلّ مسلم الا من لم يجد ، فقال له السائل : فما ترى في العيال؟ فقال : ان شئت فعلت وان شئت لم تفعل وامّا أنت فلا تدعه (٣).

وجائت أم سلمة رضي الله عنها الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحيّة فاستقرض واضحّى؟ قال : فاستقرضي (وضحّى خ) فإنّه دين مقضيّ (يقضي خ ل) (٤).

__________________

(١) انتهى كلام الدروس ص ١٣٠ كتاب الحج.

(٢) الوسائل الباب ٦٠ من أبواب الذبح الرواية ٣.

(٣) الوسائل الباب ٦٠ من أبواب الذبح الرواية ٥.

(٤) الوسائل الباب ٦٤ من أبواب الذبح الرواية ١ وفيه : محمّد بن على بن الحسين قال : جائت أم سلمة إلخ.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وضحّى رسول الله صلّى الله عليه وآله بكبشين ذبح واحدا بيده فقال : اللهم هذا عنّى وعمّن لم يضحّ من أهل بيتي ، وذبح الآخر وقال : اللهم هذا عنّى وعمّن لم يضحّ من أمّتي (١).

وكان أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام يضحّى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله كل سنة بكبش فيذبحه ويقول : بسم الله (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) اللهم منك ولك ثم يقول : (اللهم ان خ) هذا عن نبيّك ثم يذبحه ويذبح كبشا آخر عن نفسه (٢).

وهذه مرويّة في الكافي (٣) بطريق حسن عن عبد الله بن سنان غير الدّعاء.

قال في الدروس : وقد روى الصدوق خبرين بوجوبها على الواجد ، وأخذ ابن الجنيد بهما ويحملان على تأكّد الاستحباب (٤).

كأنّه إشارة الى ما نقلناه عن الفقيه من رواية محمد بن مسلم والعلاء.

وانّ وجه الحمل على الاستحباب ، الأصل ، والشهرة ، وعدم ظهور صحة الثانية واشتمال الاولى على قوله : (وهي سنّة) وهي ظاهرة في عدم الواجب (٥) ومؤيّدة لوجود الواجب بمعنى السنّة فمؤيّدة لحمل ـ ما ورد ان غسل الجمعة واجب ـ على السنة.

واعلم انّ في هذه الروايات دلالة على جواز تأخير الذبح عن التسمية بمقدار قراءة ما تقدم ، وعدم النيّة المفصّلة وعلى استحباب الدعاء عنده واستحباب

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٠ من أبواب الذبح الرواية ٦.

(٢) الوسائل الباب ٦٠ من أبواب الذبح الرواية ٧.

(٣) السند (كما في الكافي) هكذا : على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن عبد الله بن سنان (باب البدنة والبقرة عن كم تجزئ) الرواية ١.

(٤) الدروس ص ١٣١.

(٥) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب عدم الوجوب.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الذبح عن الغير حيّا ، ممن لا يضحى ، وميّتا واستحباب تعدّد الذبح والذبح عن المتعدّد وهذه الأحكام موجودة في اخبار أخر.

مثل ما في صحيحة أبان عن زرارة عن أبي جعفر عليه الصلاة والسّلام قال : الكبش يجزى عن الرّجل وعن أهل بيته يضحّى به (١).

وسأل يونس بن يعقوب أبا عبد الله عليه الصلاة والسّلام عن البقرة يضحّى بها؟ فقال : يجزى عن سبعة (نفرقيه) وروى وهب بن حفص عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : البقرة والبدنة تجزيان عن سبعة نفر إذا كانوا من أهل البيت أو من غيرهم.

وروى ان الجزور يجزى عن عشرة نفر متفرقين وإذا عزّت الأضاحيّ أجزأت شاة عن سبعين ولا يجوز في الأضاحيّ من البدن إلا الثني وهو الذي تمّ له خمس سنين ودخل في السادسة ويجزى من المعز والبقر الثني وهو الذي تمّ له سنة ودخل في الثانية ويجزي من الضأن الجذع لسنة (٢).

وفسّر في بعض الحواشي وعد ما دخل في الشهر الثامن ، وقال في المنتهى في السابع وقد مرّ.

وفي الدروس وقتها بعد طلوع الشمس إذا مضى قدر صلاة العيد والخطبتين ، وسنده غير ظاهر ، لعلّ مراده أفضل أوقاته من اليوم فتأمل.

وتدلّ على كيفية الذبح صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال النحر في اللبة والذبح في الحلق (٣) وقال الصادق عليه السّلام كل

__________________

(١) رواها واللتين بعدها في الوسائل الباب ١٨ من أبواب الذبح الرواية ١٥ و ٢ و ١٦.

(٢) نقل صدرها في الوسائل الباب ١٨ من أبواب الذبح الرواية ١٧ وذيلها في الباب ١١ منها الرواية ١١.

(٣) الوسائل الباب ٤ من أبواب الذبائح من كتاب الصيد والذبائح الرواية ٢.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

منحور مذبوح حرام وكلّ مذبوح منحور حرام (١).

وفي صحيحة الحلبي عنه قال : لا يذبح لك اليهودي (يهودي خ ل) ولا النصراني (نصراني خ ل) أضحيّتك وان كانت امرأة فلتذبح لنفسها ولتستقبل القبلة وتقول وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما اللهم منك ولك (٢).

قد دلت على اشتراط الإسلام والقبلة.

وصحيحة معاوية بن عمّار عن ابى عبد الله عليه الصلاة والسّلام بعد قوله : اللهم منك ولك وبعد إتمام وجّهت وجهي إلخ بسم الله والله أكبر اللهم تقبّل منّى ثم أمرّ السكّين ولا تنخعها حتى تموت (٣).

ومثلها في التهذيب في صحيحة صفوان وابن أبي عمير قال أبو عبد الله عليه السّلام إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة وانحره أو اذبحه وقل وجّهت الى قوله وانا من المسلمين اللهم منك ولك بسم الله وبالله الله أكبر اللهم تقبّل منّى ثم أمرّ السكين ولا تنخعها حتى تموت (٤).

وهذه تدل على وجوب القبلة وعلى تحريم النخع وجواز الفصل بين التسمية والذبح في الجملة واستحباب الدعاء وعدم النيّة المفصّلة وبعض الاحكام وسيأتي أحكام الذبح في محلّه.

وقال في الفقيه وكان على بن الحسين وأبو جعفر عليهم الصلاة والسّلام يتصدقان بثلث على جيرانهم وبثلث على السؤال وثلث يمسكانه لأهل البيت وهذه

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب الذبائح من كتاب الصيد والذبائح الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب الذبح الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب الذبح الرواية ١ راجع الرواية بتمامها بطريق الصدوق رحمه الله.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب الذبح الرواية ١ بطريق الكليني والشيخ قدّس سرّهما.

٣١٤

وأيّامها ثلثة ، أوّلها النحر بالأمصار ، وأربعة بمنى بما يشتريه ،

______________________________________________________

موجودة في الكافي أيضا (١) مسندة بسند الى محمد بن الفضيل عن ابى الصباح.

ويستشعر منه استحباب القسمة أثلاثا كما قيل في هدى السياق والتمتع وقيل : يستحب الأكل منها والإفطار منها يوم الأضحى بعد الصلاة.

وقد دلّ على استحباب الأكل الأخبار الكثيرة وقد تقدم البعض مثل ما في حسنة الحلبي يأكل من أضحيّته ويتصدق بالفداء (٢).

قوله : وأيّامها ثلثة أوّلها النحر بالأمصار وأربعة بمنى .. قوله بالأمصار متعلق بثلثة فلو قدّم وأخّر قوله أوّلها النحر لكان أولى وقد مرّ دليله مفصّلا.

وأوّلها أفضلها للمسارعة إلى الخيرات (٣) ولانه يوم النحر والذبح ولورود بعض الأخبار بأنه يوم واحد (٤) المحمول على الأفضل ثم ما بعده بالترتيب.

قوله : بما يشتريه .. متعلق بيستحب ، لعل المراد استحباب الأضحيّة بما يشتريه لا بما يربيه ، فالمراد الإشارة إلى كراهة ما يربيه ، فلا فرق بين ما يشتريه وبين ما ينتج عنده وما يهبه وغيرها ، وكان في صحيحة صفوان وابن أبى عمير المتقدّمة (٥) (إذا اشتريت هديك) إشارة إلى استحبابها بما يشتريه.

ويدلّ على كراهة ذبح ما يربيه الإنسان بيده مطلقا رواية محمد بن الفضيل عن أبى الحسن عليه الصلاة والسّلام قال : قلت جعلت فداك كان عندي كبش سمين لاضحّى به فلمّا أخذته وأضجعته نظر الىّ فرحمته ورققت عليه ثم انى ذبحته قال : فقال لي ما كنت أحبّ لك ان تفعل لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الذبح الرواية ١٣ و ١٥.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الذبح الرواية ١٣ و ١٥.

(٣) قال الله تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ، البقرة : ١٤٣.

(٤) الوسائل الباب ٦ من أبواب الذبح الرواية ٦ ـ ٧.

(٥) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب الذبح الرواية ١ بطريق الكليني والشيخ قدّس سرّهما.

(٦) الوسائل الباب ٦١ من أبواب الذبح الرواية ١.

٣١٥

ويجزى الهدى الواجب عنها ، ولو فقدها تصدق بثمنها ، فان اختلفت تصدّق بالأوسط

______________________________________________________

ظاهرها كراهة ذبحه بنفسه لا كراهة لحمه وذبح وكيله للأصل وعدم شمول الدليل.

قوله : ويجزى الهدى الواجب عنها .. والجمع أفضل كما قال في الدروس وغيره ولعلّه قد مرّ ما يمكن فهم ذلك منه فافهم.

قوله : ولو فقدها تصدق بثمنها إلخ .. أي لو لم يجد الهدى ويجد الثمن يستحب ان يتصدق به ، وإذا اختلف الأثمان في الزمان السابق على هذا الزمان حتى لو وجد الهدى أو فرض وجوده يكون الأثمان مختلفة يتصدّق بالأوسط يعنى ثمنا بين الأثمان يكون نسبته إلى الأعلى والأدون نسبة واحدة بتفصيله يفهم مما نقل عن المصنف في الحاشية يعني يأخذ الأدنى والأعلى وينصفها بالنصف ويأخذ الأعلى والأوسط والأدنى وبثلثها ويتصدق بالثلث وبالجملة يتصدق بجزء من المجموع المركّب من اجزاء الأثمان المختلفة يكون نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى اعداد الأثمان المختلفة ففي الاثنين يتصدق بالنصف وفي الثلثة بالثلث وفي الأربعة بالرّبع وهكذا.

دليله هو انّ الغرض هو إيصال النفع الى المستحق وقد حصل وأنّه إحسان وإعطاء واعانة للفقير فيدخل تحت الأمر ، والتعادل يقتضي الأوسط على تقدير الاختلاف.

والأصل فيه رواية عبد الله بن عمر قال : كنّا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحيّ فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم توجد بقليل ولا كثير فوقّع هشام (هاشم خ ل) المكاري رقعة الى ابى الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا وانّا لم نجد بعد (بقليل ولا كثير كا) فوقع اليه : انظروا الى الثمن الأوّل والثاني والثالث فاجمعوه

٣١٦

ويكره التضحية بما يربيه وأخذ الجلود ، وإعطائها الجزّار ، وإذا نذر أضحيّة معيّنة زال ملكه عنها ،

______________________________________________________

ثمّ تصدّقوا بمثل ثلثه (١).

وهو ثلثة دنانير وثلث فيما فرض.

والظاهر أنّه انّما حكم بالثلث في المثال لكون عدد الأثمان ثلثة ، فيفهم النصف في الاثنين ، والربع في الأربع وهكذا.

وأنها محمولة على الاستحباب في الأضحيّة : المستحبّة دون الهدى الواجب كأنّه للإجماع على عدم اجزاء الثمن فإنّه إمّا الهدى أو الصوم على ما مرّ.

ويمكن وجوب التصدق بثمن الأضحيّة المنذورة كالاستحباب في المندوبة لما مرّ والسقوط ، للأصل ، وعدم صحة الرواية وعدم صراحة غيرها ، والأحوط التصدق.

قوله : ويكره التضحية إلخ .. قد مرّ وجه كراهة ذبح ما يربيه ، وكراهة أخذ الجلود لنفسه وإعطائه للجزّار والسلاخ ، وينبغي التصدق بها كما مرّ ولا يبعد جعلها مصلّى وجرابا بعد التصدق بثمنها كما في الرواية (٢) والأحوط التصدق بها وبجلالها وقلائدها أيضا لما مرّ في الروايات (٣).

قوله : وإذا نذر أضحية معيّنة إلخ .. يعني إذا عيّن في نذره فردا مشخصا جزئيا حقيقيّا للأضحية ـ يعنى ليذبح في زمان مخصوص للعبادة المخصوصة ـ زال ملكه عنها فامّا ان ينتقل الى الفقراء المستحقين لها أو الى الله تعالى لأنّه نذر ذبحه فيجب التصدق به فخرج عن ملكه.

وفيه تأمل لأنّ وجوب الذبح بالنذر لا يستلزم وجوب التصدق وخروجه

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب الذبح الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب الذبح الرواية ٥ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب الذبح الرواية ٥ و ٣.

٣١٧

فان تلفت بتفريط ضمن ، والا فلا ، ولو عابت من غير تفريط ، نحرها على ما بها ، ولو ذبحها غيره ولم ينو عن المالك لم يجز عنه ، وان نوى عنه أجزأه ولا يسقط استحباب الأكل من المنذورة ،

______________________________________________________

عن ملكه نعم يجب عليه ذبحه وإخراجه عن ملكه والتصدق به ان قصد في النذر التصدق به والا فمجرّد نذر جعله أضحيّة لا يستلزم وجوب التصدق به فضلا عن الخروج عن الملكية ولهذا قال فيما بعد : (ولا يسقط استحباب الأكل من المنذورة) إذ لو كان خارجا عن ملكه أو كان يجب التصدق به لم يكن الأكل منه مستحبا ، ولعلّه لعدم جواز التصرف فيه ـ تصرف الملّاك وإشرافه على الخروج عن الملك حيث يجب ذبحه والتصدق به ـ قال : (زال ملكه عنه) فكان حاصل نذره أنه يفعل بالشاة المعيّنة مثلا ما يفعل بالأضحيّة المستحبّة فيجب ذبحه والتصدق به في الجملة ولا يبعد حينئذ وجوب الأكل ان ادخله والا يبقى على استحبابه فتأمل.

قوله : فان تلفت إلخ .. الضمان ظاهر على تقدير التفريط مع النذر وان قلنا انّه خرج عن ملكه أو يجب التصدق به.

امّا لو كان الواجب هو الذبح فقط ففيه تأمل فيمكن ان يشترى بقيمته ، اخرى ويجعلها أضحيّة.

وينبغي استيذان الحاكم في ذلك مع الإمكان والا فمشاركة عدل والا فبنفسه ويمكن التصدق بها على المستحقين فتأمل.

قوله : ولو عابت إلخ .. وجهه ظاهر ممّا تقدم ويمكن الأرش مع النحر أو الذبح على ما بها من العيب ان كان بتفريط ، ويعلم ذلك مما تقدم.

قوله : ولو ذبحها إلخ .. قد مرّ وجهه في الهدى مفصلا فتذكر وكذا عدم سقوط استحباب الأكل الواجب وانّ في الروايات ما يدلّ على الأكل وان كان واجبا (١)

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الذبح.

٣١٨

ويتعيّن بقوله : جعلت هذه الشاة أضحيّة ، ولو قال : لله علي التضحية بهذه ، تعيّنت ، ولو أطلق ، ثم قال : هذه عن نذري ، ففي التعيين اشكال.

______________________________________________________

وقد عرفت عن قريب أنّه لو كان النذر متعلقا بالتصدق به كلّه لا يستحب الأكل بل لا يجوز وان كان بالذبح أو كونه أضحيّة فالظاهر عدم السقوط (١) كما في المتن.

قوله : ويتعين بقوله : جعلت هذه الشاة أضحيّة .. يحتمل ان يكون مراده ان مجرّد هذا القول يكفي في صيرورتها أضحيّة فيترتب عليها أحكامها من استحباب القسمة والأكل منها قبل الصلاة وهو ظاهر ولكن بمجرد هذا لا يجب كونها أضحية فيجوز عدمها.

وأن يكون أنّه إذا كان في ذمّته أضحية منذورة مطلقا يجعلها بهذا القول معينة فيترتب عليها ما تقدم في المعينة ونقل الإجماع على صيرورتها معينة بهذا القول وفيه بعد وتأمل.

والظاهر من نظر العقل عدم ذلك وبقائها على إطلاقها وهو اعرف نعم لا شك في تعيينها بالنذر ونحوه كما مرّ ويفهم من قوله أيضا ولو قال : لله علي التضحية بهذه فيفهم من هذا ومن قوله : ولو أطلق إلى قوله فإشكال أنّ المراد هو ما قلناه أوّلا ووجه الاشكال فهم ممّا تقدم وهو نقل الإجماع والمؤمنون عند شروطهم (٢) ومن الأصل والاستصحاب وانّ مجرّد القول كما لا يوجب أصل الأضحية وغيرها من الأمور ما لم يتعلق به من الموجبات مثل النذر ونحوه فكذلك في التعيين والظاهر عدم التعيين نعم الأولى حينئذ عدم التصرف والتفريط في حفظها وجعلها أضحيّة ان

__________________

(١) يعنى عدم سقوط استحباب الأكل.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور (من كتاب النكاح) ذيل الرواية ٤.

٣١٩

وكل من وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة ، فلم يجد فعليه سبع شياه المطلب الثالث في الحلق.

ويجب بعد الذبح الحلق أو التقصير بأقلّه بمنى ، والأفضل الحلق. خصوصا الملبّد (١) والصرورة ويتعيّن التقصير على النّساء ، قبل طواف الزيارة ، فإن أخّره عمدا فشاة ، وناسيا لا شي‌ء عليه ، ويعيد الطواف

______________________________________________________

بقيت والا فإخراج البدل.

قوله : وكل من وجب عليه بدنة إلخ .. دليل كون بدل بدنة الكفارة سبع شياه.

هو صحيحة داود بن كثير الرقى (وان كان فيه خلاف لكن قوى في الخلاصة قبوله) عن ابى عبد الله عليه السّلام في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء ، قال : إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما (بمكة أو في منزله قيه) (٢).

ولم يظهر دليل النذر ولا يصح قياسه بالفداء.

وهذه تدل على بدليّة صوم ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله عن سبع شياه في هذه الصورة ، وفي غيرها غير ظاهر ، وقد مرّ البحث في ذلك في بحث الصوم ، فتذكر (٣).

المطلب الثالث في الحلق

قوله : ويجب بعد الذبح الحلق أو التقصير إلخ .. قد مرّ الكلام في قبلية الحلق على الطواف وتأخيره عن الذبح.

__________________

(١) يقال : لبّد سعره إذ لزقه بشي‌ء لزج.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد وتوابعها الرواية ٤.

(٣) راجع ج ٥ ص ٧٦.

٣٢٠