مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مرّت ، ولما مرّ في الصحيح من صحة جميع المناسك بغير طهارة إلا الطواف (١) فتذكر.

فما يدلّ على وجوب الطهارة ـ مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه الصلاة والسّلام قال : سألته عن الرّجل هل يصلح له ان يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال : لا يصلح الا وهو على وضوء (٢).

ـ محمول على الاستحباب ولعلّ في لفظة (لفظ خ ل) لا يصلح اشارة اليه ولا شك أنّ الطهارة أحوط فلا يترك.

بل يمكن تخصيص ما تقدم بغير عرفة وتقييد العام بهذه الرواية لأنّ الخاص مقدّم ولكنّ القائل بالوجوب غير ظاهر والحديث غير صريح فيه.

الثاني وجوب الذكر والدعاء فيهما والظاهر عدم الوجوب في عرفة لعدم القائل به وللأصل مع عدم ظهور دليل سوى ما يدل على الأدعية المستحبّة والأذكار والقراءة هناك (٣) ولعلّها للاستحباب لعدم القائل بوجوبها والاحتياط ظاهر.

ويدلّ على وجوب الذكر في الجملة تفسير الآية ، روى حماد بن عيسى عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سمعته يقول قال على عليه السّلام في قول الله تعالى : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ) (٤) قال : أيام العشر وقوله (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٥) قال : أيام التشريق (٦).

وفي أوضح الطريقين (٧) عبد الرحمن وهو مشترك.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٨ من أبواب الطواف الرواية ١ و ٦ وراجع الباب ١٥ من أبواب السعي.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة الرواية ١.

(٣) راجع الوسائل الباب ١٤ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(٤) الحج : ٢٨ والآية هكذا قال الله تعالى (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ). الآية

(٥) البقرة : ٢٠٣.

(٦) الوسائل الباب ٨ من أبواب العود إلى منى الرواية ٥.

(٧) أحد الطريقين (كما في التهذيب) هكذا : موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد بن عيسى.

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

والدلالة أيضا غير صريحة في عرفة ويحتمل ان يكون المراد الدعاء المشهور والتهليل المذكور في المصباح وغيره في عشر ذي الحجّة ويكون مستحبا أو ذكره تعالى في تلك الأيّام في العبادات حتّى الصلاة بالإخلاص له ويدلّ على وجوب الذكر والدّعاء في المشعر آية (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (١) والاخبار أيضا في الجملة مثل رواية أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : جعلت فداك انّ صاحبي هذين جهلا ان يقفا بالمزدلفة ، فقال : يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة ، قلت : فإنّه لم يخبر هما احد حتى كان اليوم وقد نفر النّاس ، قال : فنكس رأسه ساعة ، ثم قال : أليسا قد صلّيا الغداة بالمزدلفة؟ قلت بلى ، قال : ا ليس (أليسا خ ل) قنتا في صلوتهما؟ قلت بلى قال : تمّ حجّهما ، ثمّ قال : المشعر من المزدلفة والمزدلفة من المشعر وانّما يكفيهما اليسير من الدعاء (٢).

وفيها دلالة على أنّ الجهل قبل الإحرام بالافعال لا يضرّ.

وأنّه لو أخبر أحدهما كان كافيا.

وأنّه لا تجب النيّة التي ذكرها الأصحاب.

وأنّهم لو وقفوا لكان صحيحا وان لم يكن أخذوه على الوجه الذي ذكروه فتأمل.

وأنّ الوقوف بالمشعر واجب.

وأنّه يكفى ساعة ويجب الرجوع على الجاهل مع الإمكان.

__________________

والثاني منهما هكذا : العباس وعلى بن السندي جميعا عن حماد بن عيسى ، ولا يخفى اختلاف المتن فيهما فراجع الوسائل.

(١) البقرة : ١٩٨.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ٧ ، ليس في بعض نسخ الكافي قوله عليه السّلام : أليس قد قنتا في صلوتهما؟ قلت : بلى ، نعم هو موجود في التهذيب مع نقله عن الكافي.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن في الطريق (١) محمد بن سنان وهو ضعيف مع اشتراك ابن مسكان وابى بصير.

ورواية محمد بن حكيم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام أصلحك الله الرّجل الأعجمي والمرأة الضعيفة يكونان مع الجمّال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى ولم ينزل بهم جمعا قال : ا ليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم (٢).

وفيها أيضا دلالة على بعض ما تقدم في الأولى فتأمل الّا أنّ محمد بن حكيم غير مصرّح بتوثيقه مع مدح في الجملة في كتاب ابن داود عن الكشي.

وأيضا تدل عليه (٣) الاخبار المقيّدة للأدعية المأثورة في المشعر.

مثل ما في حسنة الحلبي ويقول اللهم هذه جمع إلخ (٤).

وما في صحيحة معاوية بن عمار (في حديث) فإذا وقفت فاحمد الله وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه وصلّ على النبيّ صلّى الله عليه وآله ثم ليكن من قولك اللهم إلخ (٥).

ويحتمل حمل الآية على ذكره تعالى في الصلاة هناك ، كما هو المفهوم من الخبرين.

ويحتمل حملها (٦) على النيّة أيضا وحمل باقي الاخبار على النّدب كما هو

__________________

(١) وسند الرواية (كما في الكافي) هكذا : محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن ابى بصير.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ٣.

(٣) اى على وجوب الذكر في المشعر.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ١.

(٥) الوسائل الباب ١١ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ١ وصدرها أصبح على طهر بعد ما تصلّى الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل وان شئت حيث شئت فإذا وقفت الى آخره.

(٦) اى حمل الآية وهو قوله تعالى (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ). البقرة : ١٩٨.

٢٤٣

تتمّة يستحبّ التقاط الحصى من جمع ، ويجوز من سائر الحرم ، الا المساجد ، ويجب ان يكون أحجارا.

______________________________________________________

الظاهر ، لعدم وجوب المذكور فيها من الأدعية ، ولا شك في تحقق ذكر الله هناك بالصلاة فيه.

والظاهر عدم وجوب غير ذلك بالأصل والشهرة وعدم القائل بمضمون الأخبار المعتبرة فالحمل على الواجب الذي أحد أفراده الذكر في الصلاة أو على النّدب ممكن غير بعيد.

ولو كان القائل بوجوب الذكر يكتفى بحصوله في ضمن الصلاة وقنوته لم يكن في القول به بأس ، وأنّ دليله تام ، وامّا إذا أراد الزيادة عليه فلا.

فالاحتياط يقتضي ذكر ما في الاخبار الصحيحة (١) مع النية ، فلا يترك الاحتياط ان شاء الله.

وامّا الاستدلال بها على الكون بالمشعر مع القول باستحباب الذكر فبعيد نعم يصح مع القول بوجوبه.

تتمة

قوله : ويستحب التقاط الحصى من جمع .. دليل استحباب التقاط الحصى من جمع يعنى المشعر وهو المزدلفة ، وجوازه من الحرم سوى المسجد روايات.

مثل حسنة ربعي عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : خذ حصى الجمار من جمع فإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك.

ومثلها حسنة معاوية بن عمار ، قال : خذ حصى الجمار إلخ (٢).

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١٠ و ١١ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب الوقوف بالمشعر ١.

٢٤٤

أبكارا من الحرم.

______________________________________________________

الظاهر أنّه عن الامام عليه السّلام.

وصحيحة حنّان بن سدير عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم الّا من مسجد الخيف كذا في التهذيب ، وفي الكافي والفقيه : الا من المسجد الحرام ومسجد الخيف (١).

ولا يضرّ القول في حنّان انّه واقفي لقول الشيخ في الفهرست : انّه ثقة ، فتأمل.

لعلّ تخصيص مسجد الخيف ، لوقوعه في منى ، وليس هناك غيره معلوما ، لأنّه معلوم عندهم تحريم أخذ حصى المسجد مطلقا ، فان ثبت ذلك فذاك ، والا فينبغي الاجزاء ، كما يشعر به ظاهر الروايات ، فتأمل.

قال في التهذيب : يجوز أخذ الحصى من سائر الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف.

وفي مرسلة حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال : لا تأخذ من موضعين من خارج الحرم ومن حصى الجمار ولا بأس بأخذه من سائر الحرم (٢).

ومراده بحصى الجمار التي رميت ، فتدلّ على اشتراط البكرية ، وكونها حصى وحجرا معلوم بالخبر ، وكأنه إجماعيّ أيضا ، وكذا كونه من الحرم.

ويدلّ على عدم اجزاء غير الحصى وعن غير الحرم حسنة زرارة عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : حصى الجمار ان أخذته من الحرم أجزأك وان أخذته من غير الحرم لم يجزيك قال : وقال : لا ترم الجمار الا بالحصى (٣).

وهذه أدلة ثبوت أوصاف ثلثة في حصى الجمار وجوبا وشرطا فافهم.

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ١٩ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ٢.

٢٤٥

ويستحب ان يكون برشا (١).

رخوة منقطة كحلية بقدر الأنملة.

______________________________________________________

ولعلّ ليس غيرها شرطا وواجبا مثل الطهارة.

قال في المنتهى لو كان الحجر نجسا استحب له غسله فان لم يغسله ورمى به أجزأه لأنه فعل المأمور به.

ودليل كراهة الصّم ـ واستحباب البرش والرخوة التي هي ضدّ الصمّ ـ صحيحة هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه السّلام في حصى الجمار؟ قال كره الصم منها وقال : خذ البرش (٢).

كان الرخوة مستحبة بقرينة كره وكذا البرش وكأنه لا قائل بالوجوب.

ودليل استحباب كونها منقّطة ـ وكحليّة وبقدر الأنملة ـ رواية ابن أبي نصر عن ابى الحسن عليه السّلام قال : حصى الجمار تكون مثل الأنملة ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء خذها كحليّة منقطة تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة قال : وارمها من بطن الوادي واجعلهن على يمينك كلّهن ولا ترم على الجمرة وتقف عند الجمرتين الأوّلتين (٣).

ولا تقف عند الجمرة العقبة.

وفيها مستحبات أخر مذكورة في الكتب فافهمها وهذه تدل على وجوب الرمي خذفا لكن سندها ضعيف بسهل بن زياد (٤) وهي مشتملة على المندوبات فلو لم يكن على الخذف غيرها لم يكن الاستحباب بعيدا والأحوط ملاحظة متن

__________________

(١) البرش أن يكون في الشي‌ء نقط تخالف لونه ، وعن ابن فارس قصّره على ما فيه نقط بيض «قاله في الجواهر».

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ٢ ونقل ذيلها في الباب ١٠ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ٣.

(٤) سند الحديث كما في الكافي (عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن احمد بن محمد بن ابى نصر)

٢٤٦

ملتقطة.

والإفاضة إلى منى قبل طلوع الشمس لغير الامام ولكن لا يجوز وادي محسّر الا بعد طلوعها (طلوع الشمس خ) ، ويتأخّر الإمام حتى تطلع (الشمس خ) ، والسعي في وادي محسّر داعيا.

______________________________________________________

الرواية وقول الأصحاب.

ودليل استحباب التقاط الحصى ـ أي الأخذ واحدة واحدة على حدة وكراهة كسر حجر كبير وجعله حصى.

رواية أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول التقط الحصى ولا تكسرنّ منهنّ شيئا (١).

قوله : والإفاضة قبل طلوع الشمس إلخ .. قد مرّ دليل استحباب الارتحال والإفاضة من المشعر الى صوب منى قبل طلوع الشمس وكراهة التجاوز عن وادي محسّر بمعنى الشروع فيه قبل طلوع الشمس وقيل بالتحريم ويحتمل كونه مراد المتن بل هو الظاهر.

وتأخّر الإمام في المشعر حتى تطلع الشمس موجود في الروايات (٢) وكلام الأصحاب.

وقد مرّ أيضا دليل استحباب السعي ، يعني الهرولة ، يعنى الرّمل في وادي محسّر ، داعيا. واستحباب الرجوع للتدارك لمن لم يفعل ولو كان بمكة ، وسيأتي باقي أحكام الرّمي في مناسك منى عن قريب.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الوقوف بالمشعر الرواية ٤.

٢٤٧

المقصد الخامس في مناسك منى

ومطالبه أربعة

الأوّل الرّمي ، ويجب يوم النحر رمى جمرة العقبة

______________________________________________________

المقصد الخامس في مناسك منى

قوله : ويجب يوم النحر رمى جمرة العقبة إلخ .. دليل وجوب رمى جمرة العقبة بالحصاة يوم النحر كأنه الإجماع ، قال في المنتهى : رمى هذه الجمرة بمنى يوم النحر واجب ولا نعلم فيه خلافا.

مستندا الى حسنة معاوية عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها وتقول والحصى في يدك اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهنّ لي وارفعهنّ في عملي ثم ترمى وتقول مع كلّ حصاة الله أكبر اللهم ادخر عنّى الشيطان اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك صلّى الله عليه وآله اللهم اجعله حجّا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا فإذا أتيت رحلك ورجعت من الرّمي فقل اللهم بك وثقت وعليك توكلت فنعم الرّبّ ونعم المولى ونعم النصير قال : ويستحب ان يرمى

٢٤٨

بسبع حصيات مع النيّة بفعله ، فلا يجزى لو وقعت بواسطة غيره من حيوان وغيره ، ولا إذا أصابت الجمرة بما لا يسمّى رميا ،

______________________________________________________

الجمار على طهر (١) والظّاهر أنّ جميع ما اشتمل عليه هذه الرواية غير رمى الجمار مستحبات لعدم القائل بغيره أو الشهرة والأصل فتأمل فينبغي الإتيان بجميع ما فيها.

وامّا كونها سبعا فهو أيضا إجماعي على الظاهر مستندا الى فعلهم عليهم السّلام قال في المنتهى ولا نعلم فيه خلافا والأصل فيه فعله صلّى الله عليه وآله (وفعل الأئمة عليهم الصلاة والسّلام بعده وفي حديث جابر) (٢) رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة وهو قول علماء الإسلام.

ويدلّ عليه أيضا ما في رواية أبي بصير (في الكافي والفقيه) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات؟ فقال : خذ واحدة من تحت رجليك (٣).

وتدل عليه وعلى عدم الزيادة صحيحة معاوية فيه أيضا (٤).

واما وجوب النيّة فقد مرّ البحث فيه مرارا ووجوب التعرض للعدد وكونه في حج التمتع أو الافراد بعيد.

قال في المنتهى ويجب ان يقصد فيها الوجوب والقربة الى الله تعالى لتحقق مسمّى الإخلاص وهو صريح فيما قلناه وقد مرّ مثله فتذكر.

واما وجوب الرمي ـ بحيث يعلم وصول الحجر إلى الجمرة على وجه يسمى رميا وبفعله ـ فدليله ظاهر لأنّ الظاهر انّ المقصود من الأمر برميها ضربها بنفسه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ١.

(٢) هذه الجملة ليست في كتاب المنتهى المطبوعة ، ولعلها كانت في نسخته قدّس سرّه.

(٣) الوسائل الباب ٧ من أبواب العود إلى منى ورمى الجمار والمبيت والنفر ، الرواية ٢.

(٤) الوسائل ، الباب ٧ من أبواب العود إلى منى ورمى الجمار والمبيت والنفر ، الرواية ١.

٢٤٩

ولا مع الشك في وصولها. ويستحب الطهارة والدّعاء ، عند كل حصاة ، والتباعد بعشرة أذرع إلى خمسة عشر والرّمي خذفا ،

______________________________________________________

بالحصى بطريق الرمي فلا يكفى مجرد الرمي إلى صوبه ، ولا الوضع عليه ، ولا وصوله بمعونة غيره ، بخلاف ما لو أصاب إنسانا أو جملا ثم وصل الى الجمرة.

لصحيحة معاوية بن عمّار (في الفقيه) قال : ان أصاب (أصابت خ ل) إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك (١).

ولا مع عدم العلم بوصوله لأن الأصل عدمه ، قال في المنتهى : ولا يجزى الرمي الا ان يقع الحصى على المرمى فلو وقع دونه لم يجز به ولا نعلم فيه خلافا.

روى ابن بابويه (في الصحيح) عن معاوية بن عمّار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها (٢) وهي مذكورة في الكافي أيضا ومعلوم وجوبه بطريق الرّمي من الروايات المتقدمة قال في المنتهى وهو قول العلماء كأنه يريد قول علمائنا إذ نقل بعيد هذا قول أصحاب الرأي باجزاء وضعها على الجمرة لانه يسمّى رميا الّا ان يكونوا قائلين بوجوب الرمي واجزاء الوضع وهو بعيد مع ان دليلهم على الاجزاء يدلّ على ان الوضع هو فرد الواجب وانه رمى.

ودليل استحباب الطهارة ما تقدم في آخر رواية معاوية وما تقدم من استحباب الطهارة في غير الطواف (٣).

ورواية حميد بن مسعود قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رمى الجمار على غير طهور؟ قال : الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان ان طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك والطّهر أحب الىّ فلا تدعه وأنت قادر عليه (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ١ هذه ذيل الرواية.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ١ هذه صدر الرواية.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ من أبواب الطواف الرواية ١.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ٥.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يضرّ جهل سندها (١).

ويحمل على الاستحباب ما هو ظاهر في الوجوب مثل صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجمار؟ فقال : لا ترم الجمار الا وأنت على طهر (٢).

قال في المنتهى : يجوز الرمي للمحدث والجنب والحائض والطهارة أفضل ولا نعلم فيه خلافا مع إمكان المناقشة في صحة السند لوجود على بن الحكم المشترك (٣) وان كان الظاهر انه الثقة لنقل احمد بن محمد عنه.

وأيضا يشعر بعدم الطهارة حسنة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن الغسل إذا رمى بالجمار فقال : ربّما فعلت امّا السنة فلا ولكن من الحرّ والعرق (٤).

وقد مرّ استحباب الدّعاء حال الرمي ، وبعد عشرة أذرع أو خمسة عشر في حسنة معاوية (٥) وقد مرّ دليل استحباب الرمي خذفا.

واعلم أنّه لا دليل لهم ظاهرا على وجوب رمى كل حصاة حصاة ، وعدم اجزاء رمى الجميع مرّة واحدة ، إلا فعلهم عليهم السّلام وقوله صلّى الله عليه وآله خذوا عنى ، والتأسي ، وما يشعر به في حسنة معاوية من قوله عليه السّلام : وتقول مع كل حصاة (٦).

__________________

(١) سند الرواية (كما في التهذيب) هكذا : روى احمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عن ابى جعفر عن ابن ابى غسان عن حميد بن مسعود عن ابى عبد الله عليه السّلام ، وفي الوسائل ، عن ابى جعفر عن أبي غسان حميد بن مسعود.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ١.

(٣) سند الرواية (كما في الكافي) هكذا : محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن على بن الحكم عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ٢.

(٥) و (٦) الوسائل الباب ٣ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ١.

٢٥١

واستقبالها مستدبر القبلة ، وفي غيرها يستقبلها ، ويجوز الرّمي عن العليل.

______________________________________________________

ولعلّه لا خلاف عند الأصحاب في ذلك ويشعر به كلام المنتهى حيث ما نقل الخلاف الا عن بعض العامّة.

قوله : واستقبالها إلخ .. قال في المنتهى وهو مذهب أكثر أهل العلم لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انه رمى الجمرة مستدبر القبلة إلى قوله : قال الشيخ رحمه الله : جميع أفعال الحج يستحب ان يكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين ورمى الجمار إلّا جمرة العقبة يوم النحر فإن النبيّ صلّى الله عليه وآله رماها مستقبلها ومستدبر الكعبة.

فكأنه لا دليل لهم على استقبال القبلة المستلزم لاستقبال الجمرة إلا هذه ، وانه قول أكثر العلماء ، ولعل دليل استحباب استقبال الكعبة ـ المستلزم لاستدبار الجمرة في رمى غير جمرة العقبة ـ هو كونه عبادة مع اشتماله على الدعاء الذي يستحب فيه الاستقبال على ما تقرر عندهم من انه أقرب الى الإجابة فتأمل.

قوله : ويجوز الرّمي عن العليل. يدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار وعبد الرحمن بن الحجّاج (في الكافي وهي صحيحة في الفقيه) عن ابى عبد الله عليه السّلام الكسير والمبطون يرمى عنهما قال : والصبيان يرمى عنهم (١).

وصحيحة إسحاق بن عمار قال : سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن المريض يرمى عنه الجمار؟ قال : نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه (٢).

كذا في الكافي ، وزاد في الفقيه : فقلت : لا يطيق فقال : يترك في منزله ويرمى عنه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ٣ ـ ١ و ٤ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من أبواب رمى جمرة العقبة الرواية ٣ ـ ١ و ٤ و ٢.

٢٥٢

المطلب الثاني في الذبح

ويجب ذبح الهدى ، أو نحره على المتمتع ، وان كان مكيا ، ويتخيّر المولى بين الذبح عن عبده المأذون وبين أمره بالصوم ، فإن أدرك المشعر معتقا تعين الهدى مع القدرة.

______________________________________________________

وفي هذه الرواية دلالة مّا ، على الإتيان بالشي‌ء مهما أمكن فافهم.

قوله ويجب ذبح الهدي إلخ .. أي يجب على المتمتع خاصّة وان كان مكيّا ولم يجب عليه التمتع بأصل الشرع ذبح الهدى بمنى ان كان غير الإبل ونحره لو كان إبلا وأشار بقوله : (وان كان مكّيا) الى ردّ من يقول : انه غير واجب الا على من بعد عنها بمقدار موجب لحج التمتع لإرجاع الإشارة ـ في قوله تعالى (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (١) ـ إلى الهدى لا الى التمتع ، وقد مرّ البحث في أنّه واجب على المتمتع مطلقا.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة ابى عبيدة عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن قوله تعالى : (في قول الله تعالى خ ل) (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) قال : شاة (٢).

وصحيحة معاوية بن عمّار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : يجزى في المتعة شاة (٣).

كأنّهما اشارتان إلى أدنى ما يجب من الهدى.

قوله : ويتخيّر المولى إلخ .. يدل عليه صحيحة سعد بن ابى خلف قال :

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب الذبح الرواية ١ والآية في البقرة : ١٩٦.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب الذبح الرواية ٢.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت : أمرت مملوكي أن يتمتع فقال : ان شئت فاذبح عنه وان شئت فمره فليصم (١) ومثلها صحيحة جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه السّلام (٢).

وما يدلّ على أنّه كالحرّ ـ مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال : سئل (سئلته خ ل) عن المتمتع كم يجزيه؟ قال : شاة وسألته عن المتمتع المملوك فقال : عليه ما على الحرّ إمّا أضحيّة وامّا صوم (٣).

فحمله الشيخ على من أعتق قبل ان يفوته احد الموقفين فإنّه يجب عليه الحج وما يتبعه وقد تقدم دليله وانه يكفى إدراك أحد الموقفين.

وحمله أيضا على من لم يأمر عبده بالصوم الى النفر الثاني قال : فإنه يلزمه ان يذبح عنه حينئذ ولا يجزيه الصوم لعدم بقاء أيّام الصوم.

قال : وتدل عليه رواية على عن أبي إبراهيم عليه الصلاة والسّلام قال : سألته عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتّع ثم أهلّ بالحج يوم التروية ولم اذبح عنه أفله ان يصوم بعد النفر؟ فقال : ذهبت الأيّام التي قال الله ألا كنت أمرته ان يفرد الحج ، قلت طلبت الخير فقال كما طلبت الخير فاذهب واذبح (فاذبح خ ل) عنه شاة سمينة وكان ذلك يوم النفر الأخير (٤).

في سندها قاسم بن محمد وهو مشترك وكذا على (٥) فالحمل الأوّل غير بعيد.

وكأنّها دليل وجوب الهدى لو أدرك المشعر معتقا مع القدرة على الهدى

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب الذبح الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب الذبح الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب الذبح الرواية ١ وأورد ذيلها في الباب ٢ من تلك الأبواب الرواية ٥.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب الذبح الرواية ٤.

(٥) سند الحديث كما في التهذيب (الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي)

٢٥٤

ويجب فيه النيّة منه أو من الذابح عنه.

______________________________________________________

ومؤنة الحج.

ونقل في المنتهى عن الشيخ في النهاية ان الأفضل بعد أيّام التشريق الذبح عن المملوك وحمل عليه الرواية المتقدمة وسيجي‌ء بيان وقت الصوم.

قوله : وتجب فيه النيّة إلخ .. قد مرّ بيان النيّة وجواز كونها من غيره لان الذبح يدخله النيابة اختيارا لانّ المقصود وجوب الذبح في هذا المكان من ماله تقرّبا سواء وقع منه أو من غيره كالزكاة وغيرها قال في المنتهى : ويجوز ان ينوي عنه (يتولاها ـ المنتهى) الذابح لانّه فعل يدخله النيابة فيدخل في شرطه كغيره من الافعال.

ويفهم ذلك من رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال : سألته عن الضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمّى غير صاحبها أتجزى عن صاحب الضحية؟ فقال : نعم انّما له ما نوى (١).

وقال في المنتهى : إنّها صحيحة وفي طريق التهذيب أبو قتادة عن محمد بن حفص القمي (٢) وهو غير معلوم لعلّه هو على بن محمد بن الحفص القمي الثقة و (عن) غلط وكأنّه علىّ ، ويؤيّده وقوعه كذلك في صحيحة على بن جعفر في بيان أيّام النّحر قال : وابى قتادة على بن محمد الحفص القمي (٣).

وهذه تدل على عدم الاعتبار باللفظ ، بل بالنيّة فقط ، قال : في المنتهى : و

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب الذبح الرواية ١.

(٢) سندها (كما في التهذيب) هكذا : سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن أبي قتادة ، عن محمد بن (علي بن خ) حفص القمي وموسى بن القاسم البجلي ، عن علي بن جعفر.

(٣) وسند صحيحة على بن جعفر الآتية (كما في التهذيب) هكذا : سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم البجلي وابى قتادة على بن محمد بن الحفص القمي عن على بن جعفر عليهما السّلام.

٢٥٥

وذبحه يوم النحر ،

______________________________________________________

يستحب له ان يذكر بلسانه وقت الذبح أنّه يذبح عن فلان بن فلان فلو أخطأ فذكر غير صاحبه فالعبرة بالنيّة لأنّ الأصل هو النيّة والذكر لا اعتبار به ويؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن (على) وذكر الرواية.

قوله : وذبحه يوم النحر إلخ .. أمّا زمان الذبح فظاهر الأصحاب أنّه لمن كان بمنى ، يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وزمان الأضحيّة في غير منى يوم النحر ويومان بعده.

ودليلهم عليه مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما الصلاة والسّلام قال : سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : أربعة أيّام ، وسألته عن الأضحى في غير منى فقال : ثلثة أيام ، فقلت : فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين أله ان يضحى في اليوم الثالث؟ فقال : نعم (١) ومثلها موثقة عمار الساباطي (٢).

وفي رواية إبراهيم بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم الصلاة والسّلام قال : الأضحى ثلثة أيام ، وأفضلها أوّلها (٣).

لعلّها محمولة على غير مني أو الأفضليّة لما تقدم.

ويمكن حمل ما يدلّ على كونه يومين في منى ويوما واحدا في غيره على الأفضليّة وحمله الصدوق في الفقيه والشيخ على أنّه يومان اللذان لا يجوز صومه بمنى ويوم واحد كذلك في غير منى مثل حسنة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال الأضحى يومان بعد يوم النحر ويوم واحد بالأمصار (٤).

لرواية منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول :

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب الذبح الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب الذبح الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ٦ من أبواب الذبح الرواية ٤ ، هكذا في جميع النسخ ولكن في التهذيب : غياث بن إبراهيم بدل إبراهيم بن غياث.

(٤) الوسائل الباب ٦ من أبواب الذبح الرواية ٧.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

النحر بمنى ثلثة أيّام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتّى تمضي الثلثة الأيّام والنحر بالأمصار يوم فمن أراد ان يصوم صام من الغد (١).

وقد مرّ البحث في ذلك.

ويعلم منها أنّه يجوز تأخير باقي أفعال منى الى أيّام التشريق مثل الحلق حيث انّ الذبح مقدم عليهما وفيه تأمّل.

ثم الظاهر انّ هذه الأيّام أيّام الذبح بمعنى الوجوب فيها لا بمعنى الاجزاء فيها وعدم الاجزاء في غيرها.

قال في المنتهى : لو ذبح في بقية ذي الحجة أجزأ وأثم.

كأنَّه لا خلاف عندهم في ذلك ويؤيّده كون ذي الحجة بكماله من أشهر الحج كما يفهم من الآية (٢) والاخبار (٣) وما في الاخبار المعتبرة (٤) ان من لم يجد هديا وعنده ثمنه يخلف عند واحد من أهل مكة يشترى له هديا يذبحه طول ذي الحجة وان لم يتفق ففي القابل في ذلك الشهر ، فتأمل.

وامّا مكانه فالمشهور أنّه منى ، ويدلّ عليه بعض الاخبار مثل رواية إبراهيم الكرخي عن ابى عبد الله عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر فقال : ان كان هديا واجبا فلا ينحره الا بمنى وان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء وان كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره الا يوم الأضحى (٥) ـ وإبراهيم ما نعرفه.

ويدلّ على الجواز في مكة أيضا روايات مثل حسنة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام انّ أهل مكة أنكروا عليك انّك ذبحت هديك في منزلك بمكة فقال : ان مكّة كلّها منحر (٦) وقد مرّ مثلها أيضا في جواب اعتراض

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب الذبح الرواية ٥.

(٢) (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ـ البقرة : ١٩٧.

(٣) راجع الباب ١١ من أبواب أقسام الحج.

(٤) راجع الوسائل الباب ٤٤ من أبواب الذبح.

(٥) الوسائل الباب ٤ من أبواب الذبح الرواية ١ و ٢.

(٦) الوسائل الباب ٤ من أبواب الذبح الرواية ١ و ٢.

٢٥٧

قبل الحلق بمنى.

______________________________________________________

عبّاد البصري قال عليه السّلام انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله ذبح في مكة (١) وسيجي‌ء في صحيحة معاوية انه اشترى بمكة وذبح قال : لا بأس وقد أجزأ عنه.

وقال الشيخ في التهذيب (بعد نقل حسنة معاوية) يحتمل ان يكون هديه كان تطوّعا وذلك جائز ذبحه بمكة (بدلالة الخبر الأوّل) والحكم بالخبر الأوّل أولى لأنّه مفصّل وهذا الخبر مجمل محتمل.

وفي هذا التأويل تأمل لعدم ظهور سند الخبر الأوّل وظهور كون الثاني في هدى التمتع ولو لم يكن إجماع لكان القول بالجواز في مكة جيّدا.

بل يدلّ على جواز الذبح في أهله أيضا مما يلزم الإنسان في حجّه ما في صحيحة إسحاق بن عمار بعد نقل جواز اهراق الدم في أهله ما يلزم في حجّه قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام الرجل يخرج (يجترح خ ل) عن حجته ما يجب عليه الدم ولا يهريقه حتى يرجع الى أهله فقال : يهريقه في اهله ويأكل منه الشي‌ء (٢).

واما وجوب تقديمه على الحلق والتقصير والطواف بهذا الترتيب كما هو المشهور فلرواية جميل عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : يبدأ (تبدأ خ) بمنى بالذبح قبل الحلق وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح (فان فعل خلاف ذلك ناسيا فلا شي‌ء عليه) (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب كفارات الصيد الرواية ١ ومتن الرواية هكذا : عن إسحاق بن عمّار انّ عبّاد البصري جاء الى ابى عبد الله عليه السّلام وقد دخل مكّة بعمرة مبتولة واهدى هديا فأمر به فنحر في منزله بمكة فقال له عبّاد نحرت الهدى في منزلك وتركت ان تنحره بفناء الكعبة وأنت رجل يؤخذ منك؟ فقال له : ا لم تعلم انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نحر هديه بمنى في المنحر وأمر الناس فنحروا في منازلهم ، وكان ذلك موسّعا عليهم فكذلك هو موسّع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمرا.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب الذبح الرواية ١ هذه مذكورة في ذيل الرواية.

(٣) الوسائل الباب ٣٩ من أبواب الذبح الرواية ٣ ، ما بين الهلالين من كلام الشيخ قدّس سرّه في التهذيب لا من الرواية.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولصحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل ان يحلق ، فقال : ان كان زار البيت قبل ان يحلق وهو عالم بان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة (١).

لكن الرّواية الأولى غير ظاهر الاعتبار ، وفيها ما يشعر بالاستحباب ، وهو قوله : (وفي العقيقة إلخ) فإنّ الظاهر أنّ ذلك في العقيقة.

وفي الثانية أيضا إشعار به حيث قال : (لا ينبغي) على أنّه قد يناقش في الصحة (٢) لقوله : عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمّد لانّه ما صرّح بابى محمد (٣) وكذا قال : ابن محبوب ، وكذا أبو أيّوب ومحمد بن مسلم أيضا مشترك فتأمل.

فإن الظاهر الصّحة وزوال الاشتراك.

ويدل على عدم وجوب الترتيب ما سنذكره من الروايات ، ويؤيّده أنّه لو كان واجبا ما كان ينبغي الاجزاء عند القائل بأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص وأنّ النّهى في العبادة مفسد كالمصنف رحمه الله مع أنّه لا قائل بالفساد على ما يظهر.

ويمكن الجواب بأنّ المراد بالأمر بالذبح قبل الحلق مثلا هو وقوعه في زمان سابق على زمان الثاني مع وسعة زمانه كما قيل في صلاة الزلزلة ، فالحرام والمنهي ، هو تركه في ذلك الزمان لا فعل الثاني في ذلك الزمان مع كون الزمان زمانا له أيضا بالاتفاق.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الحلق والتقصير الرواية ١.

(٢) وسندها (كما في الكافي) هكذا : عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمد بن مسلم (وفي التهذيب) : محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمد وحميد بن زياد جميعا عن ابن محبوب عن أبي أيّوب عن محمد بن مسلم.

(٣) هكذا في النسخ كلّها ، ولم نعثر في كتب الرجال على المكنّى بهذه الكنية لأحمد بن محمد نعم احمد بن محمد بن عيسى مكنّى بابى جعفر.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ تحريم فعل الثاني ـ لو كان الترتيب واجبا ـ ليس لأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه بل لأنّه ليس مأمورا ولا مشروعا ومأذونا في فعله شرعا الا بعد الأوّل ، فيكون قبله واقعا في غير زمانه وبغير اذن الشارع ، فيكون حراما بقصد العبادة المشروعة والمأذونة شرعا كما هو المقرّر عندهم ، فيلزم عدم الإجزاء أيضا لا لأنّ النّهي يدلّ على الفساد ، بل لأنّه واقع على غير الوجه المأمور به والمأذون فيه شرعا.

على أنّه قد يناقش في كونه ضدا ، لجواز الإتيان بهما ولجواز النيابة في السابق وكونه عبادة محضة أيضا.

وبأنّه إذا (١) حصل النص أو الإجماع على الاجزاء مع مخالفة الترتيب ووجوبه نقول بأنه علم هنا بالنص أنّ المحرّم غير فعل الثاني حينئذ على تقدير تسليم اجتماع ما شرطنا في بطلان الضد وكون الثاني ضدا بل نقول علم بالنص والإجماع والعقل أنّ المراد والغرض هنا هو تحريم ترك الأوّل فقط لا ما يستلزمه ونقول انّ الترك الذي هو حاصل في ضمن هذا الضد ليس بحرام ومستثنى بالعقل والنقل بالنص والإجماع فتأمل.

على أنّ ظاهر الروايات المعتبرة هو استحباب الترتيب مثل حسنة جميل بن دراج (في الكافي وهي صحيحة في الفقيه) قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرّجل يزور البيت قبل ان يحلق؟ قال : لا ينبغي الا ان يكون ناسيا ثمّ قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله انّى حلقت قبل ان اذبح وقال بعضهم حلقت قبل ان أرمي ، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم ان يؤخّروه إلا قدّموه ، فقال : لا حرج (٢).

__________________

(١) قوله وبأنّه عطف على قوله : بانّ المراد بالأمر الى آخره.

(٢) الوسائل الباب ٣٩ من أبواب الذبح الرواية ٤.

٢٦٠