مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل عليه أخبار أخر مثل ما في مرسلة أبي ولّاد (١) عن بعض أصحابه عن الماضي عليه السّلام قال : لقطة الحرم لا تمسّ بيد ولا رجل (الحديث) (٢).

ورواية الفضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن لقطة الحرم؟ فقال : لا تمسّ ابدا حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها قلت : فان كان مالا كثيرا قال : فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرّفها (٣).

وفيه اشعار بجواز أخذ المال الكثير للثقة.

ويدل عليه أيضا رواية علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السّلام قال : سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه؟ قال : بئس ما صنع ما كان ينبغي له ان يأخذه قلت قد ابتلى بذلك؟ قال : يعرّفه قلت فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغيا فقال : يرجع الى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين فان جاء طالبه فهو له ضامن (٤).

ودليل الكراهة عموم الأدلة الدالة على جواز أخذها (٥) وكون الأخذ لقصد التعريف والإيصال إلى صاحبها وعدم تضييعها إحسانا (٦) مع عدم العلم بعدم الاذن بل الإذن حينئذ حاصل عرفا وعادة وعدم صراحة دليل صحيح في تحريم لقطة الحرم مع الإشعار في الخبرين الأخيرين بالجواز فيحمل ما يدل عليه على الكراهة للجمع بين الأدلة والاحتياط والشهرة مؤيدة للاوّل فتأمل.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، ولكن في التهذيب : الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه (ج ٦ الطبعة الحديثة ص ٣٩٠)

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب كتاب اللقطة الرواية ٣ وفيه : إبراهيم بن أبي البلاد.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٢.

(٤) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٣.

(٥) راجع الوسائل الباب ٢ من أبواب اللقطة.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).

٤٢١

وتعرّف سنة ، فان وجد المالك ، والا تخيّر بين الصدقة والحفظ ، ولا ضمان فيهما.

______________________________________________________

ودليل وجوب تعريف لقطة الحرم سنة هو الاخبار (١) وقد تقدّم ما يدل على التعريف في الجملة.

وقد ورد التعريف سنة في لقطة غير الحرم في بعض الاخبار مثل صحيحة شعيب المتقدمة (٢) فكأن لقطة الحرم وما ورد فيها حمل على غيرها ولا يبعد كونه إجماعيّا في الجملة.

واما وجوبه في السنة على الطريق المشهور فما رأيت له دليلا في اللقطة مطلقا الا أنّه ذكره الأصحاب وسيجي‌ء له زيادة بحث في باب اللقطة.

واما التخيير بين الحفظ والصدقة وعدم الضمان فيهما فالحفظ لا كلام فيه ولا في عدم الضمان مع التلف من غير تفريط على تقدير جواز الأخذ لأنه محسن وغير مقصّر وحافظ بالنيابة كالوكيل.

ويدلّ على التصدق بعض الروايات (٣) مثل ما تقدم.

وامّا عدم الضمان حينئذ فلانّه جوّز له الشارع التصدق فلا ينبغي تضمينه ولانّه لو يعرف الضمان ما تصدق فإنه إنما تصدق لظنّ عدمه ولعدم ذكره في رواية إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : اللقطة لقطتان لقطة الحرم وتعرف سنة فان وجدت لها طالبا والا تصدقت بها ولقطة غيرها تعرف سنة فان لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك (٤).

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف والباب ١ من كتاب اللقطة.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٣.

(٤) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٤ وفيه : فان وجدت صاحبها بدل قوله عليه السّلام : فان وجدت لها طالبا.

٤٢٢

ويكره منع الحاج (من خ) سكنى دور مكة ، ورفع بناء فوق الكعبة

______________________________________________________

والظاهر الضمان على تقدير التحريم فيهما ووجهه ظاهر مع عدم ظهور وجه عدمه وكذا على تقدير الجواز وجواز التصدق لانّ الظاهر انّ التصرّف في ملك الغير ووضع اليد عليه موجب للضمان وجواز ذلك لا يرفعه ولقوله في رواية علي بن أبي حمزة (فهو له ضامن) (١).

والظاهر ان الضمان هو مذهب الأكثر ومختار المصنف في غير الكتاب ومختاره بعيد ويؤيده الضمان في لقطة غير الحرم مع الجواز ولانّه ما كان التصدق متعيّنا عليه بل كان له الحفظ وعدم الضمان فهو بنفسه ادخل عليه الضمان ولا شك أنّه أحوط.

قوله : ويكره منع الحاج إلخ .. ذكرها الأصحاب ، سندهم رواية حسين بن أبي العلاء قال ذكر أبو عبد الله هذه الآية سواء العاكف فيه والباد فقال كانت مكة ليس على شي‌ء منها باب وكان أوّل من علق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان وليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاج شيئا من الدور ومنازلها (٢).

ورواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ليس ينبغي لأهل مكة ان يجعلوا على دورهم أبوابا وذلك انّ الحاج ينزلون معهم في ساحة الدّار حتى يقضوا حجّهم (٣).

فيمكن كراهة الأجر أيضا.

ويدلّ على كراهة سكون مكة سنة ـ وما زاد ورفع البناء فوق الكعبة (يعني

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٤ والآية الشريفة في سورة الحج ٢٥ قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).

(٣) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٥.

٤٢٣

ويضيّق على الملتجئ إلى الحرم الجاني في المطعم والمشرب حتّى يخرج ، ويقابل بجنايته فيه لو جنى فيه

______________________________________________________

جعل بناء أعلى من بنائها) ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال : لا ينبغي للرّجل ان يقيم بمكة سنة قلت : كيف يصنع؟ قال : يتحوّل عنها ، ولا ينبغي لأحد ان يرفع بناء فوق الكعبة (١).

ولعلّ المراد جعل نفس البناء أرفع من الكعبة لا بحيث يشمل بناء فوق جبل يكون ارفع منها ، ولهذا مثله موجود وما منع الى الآن ، ويحتمل العموم وكون الموجود في زمان من يقدر على المنع ولم يمنع غير ظاهر مع انه قد لا يمنع من المكروه ولهذا يوجد ارفع منه.

وأيضا ظاهر اللفظ العموم بحيث يشمل كراهة البناء جار الكعبة وغيره.

ويحتمل التخصيص بالقريب في الجملة للتبادر وقبح الظاهر وأمّا البعيد بحيث لا يرى فلا الله يعلم.

قوله : ويضيّق إلخ .. يعني من جنى جناية يستحق المؤاخذة بها في خارج حرم مكة موجبة لحدّ أو قصاص ثمّ ألتجئ إليه لا يؤاخذ بها هناك ولا يخرج منه ليستوفى ، بل يجب ان يضيّق عليه بان لا يطعم ولا يسقى ولا يباع أصلا ولا يعامل حتى يضطر الى الخروج وإذا خرج يستوفى في الخارج وإذا جنى فيه يستوفى فيه ويقابل بفعله.

ودليل الكل قوله تعالى (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٢) على بعض التفاسير (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٣) والاعتبار والاخبار.

مثل صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السّلام في الرجل

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٥.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) البقرة : ١٩٤.

٤٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال : لا يقام عليه الحدّ ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم ولا يبايع (ولا يباع خ) فإنّه إذا فعل ذلك به يوشك ان يخرج فيقام عليه الحدّ وان جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم فإنه لم ير للحرم حرمة (١).

وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قلت له رجل قتل رجلا في الحلّ ثم دخل الحرم قال : لا يقتل و (لكن يب) لا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم (فيؤخذ يب) فيقام عليه الحد قال : قلت : فما تقول في رجل قتل رجلا في الحرم أو سرق في الحرم؟ فقال : يقام عليه الحد في الحرم صاغرا (٢) لأنّه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (يعني في الحرم يب) وقال : فلا عدوان الا على الظالمين (٣).

فرع

لو كان الجاني في الحرم اتّفاقا من غير ان يلتجي اليه هل حكمه حكم الملتجئ أم لا؟ يحتمل لقوله تعالى (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٤) على بعض التفاسير ، ولثبوت حرمة الحرم لعدم تحقق عدم رؤية حرمة الحرم الموجب للحدّ فيه ، وعدمه لعموم أدلة الحدود على الجاني (٥) ولعدم الالتجاء الموجب للسقوط الموجود في كلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من أبواب مقدمات الحدود الرواية ١.

(٢) وفي التهذيب : يقام عليه الحدّ وضعا له.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ١ ، نقلها في الكافي مع اختلاف يسير وفي آخرها ذكر بعد قوله (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ما هذا لفظه : فقال : هذا هو في الحرم فقال : فلا عدوان الا على الظالمين «راجع الكافي باب الإلحاد بمكة والجنايات الرواية ٤».

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) راجع الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب مقدمات الحدود.

٤٢٥

ويجبر الامام النّاس على زيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله مع تركهم.

______________________________________________________

الأصحاب والمفهوم من الروايات ، وعدم صراحة الآية في ذلك ، فتأمل.

قوله : ويجبر الإمام إلخ .. هذا شروع في ذكر أحكام المدينة المشرّفة كأنّه يستحب أو يجب ـ ويحتمل الجواز ـ ان يجبر الامام عليه السّلام على زيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله لو تركوها بغير عذر.

لصحيحة حفص بن البختري وهشام بن سالم وحسين الأحمسي وحمّاد وغير واحد ومعاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لو انّ الناس تركوا الحج لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، فإذا لم تكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين (١).

ولأنّه مستلزم لجفائه صلّى الله عليه وآله ، كما دلّ عليه الخبر المشهور (٢).

وروى في الفقيه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من اتى مكة حاجّا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجرا الى الله عزّ وجلّ حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر (٣).

فينبغي الجبر حتى لا يحصل الجفاء.

قال في المنتهى : ومنع ابن إدريس من وجوب ذلك على الإمام لأنّها مستحبة ، فلا يجب إجبارهم عليها ، ونحن نقول : انّ ذلك يدلّ على الجفاء وهو محرّم فيجبرهم الامام عليه السّلام بذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب وجوب الحج الرواية ٢.

(٢) روضة المتقين ج ٥ ص ٣٢٥ : وروي في المشاهير عنه صلوات الله عليه انه قال : من حج ولم يزرني فقد جفاني.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب المزار الرواية ٣ على نقل الصدوق رحمه الله.

٤٢٦

وحرم المدينة بين عاير ووعير لا يعضد شجره ، ويؤكل صيده ، الا ما صيد بين الحرّتين ، على كراهيّة.

______________________________________________________

ولا يخفى انّ كلام ابن إدريس مبني على استحبابها ومشعر بجواز الجبر ، ودليله يدلّ على عدمه ، وانّ كلام المصنف يدلّ على تحريم ترك الزيارة فتكون واجبة ، والظّاهر (أنّه ظ) لا قائل به.

الا ان يقال : انّه حين ترك الجميع يجب كفاية ليندفع الجفاء المحرم فيجب جبر العدد الذي يرتفع به الحرام وانه قد يكون بعض المندوبات بحيث يجوز الجبر عليه بالقهر بل بالشتم والضرب لدليل ولا يخرج بذلك عن المندوبية بجعل الذم والعقاب المنفيين في تعريفها الذم والعقاب الأخرويّين وفيه تأمل.

ويمكن حمل الجبر والجفاء على المبالغة كما هو واقع في كثير من المندوبات والمكروهات مثل من ترك الفرق فرق الله رأسه بمنشار من النار (١).

وبالجملة جعل الزيارة مندوبة مع جعل تركها مستلزما للجفاء وجواز الضرب والجبر عليه مما لا يخلو عن شبهة وفي وجوبهما بالطريق الاولى ولا يندفع بأنه مستلزم للجفاء المحرّمة بل ذلك يزيد الإشكال لأنه يلزم كونها واجبة حينئذ وهو ظاهر والمفرّ ما أشرنا إليه فتأمل.

قوله : وحرم المدينة إلخ .. كما انَّ لمكّة حرما للمدينة أيضا حرم وهو من بين عاير ووعير ، ـ جبلان هناك ـ ولا يعضد شجره اي لا يقطع كما في حرم مكة ، قيل بتحريم ذلك ، وقيل بالكراهة.

ويدل على وجود حرم للمدينة أخبار كثيرة روى في الفقيه (في الصحيح) عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام قال : حرّم رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٢ من أبواب آداب الحمّام الرواية ١ ومتن الرواية هكذا : قال الصادق عليه السّلام : من اتخذ شعرا ولم يفرقه فرقه الله بمنشار من نار ، قال : وكان شعر رسول الله صلّى الله عليه وآله وفرة لم يبلغ الفرق.

٤٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها وحرّم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلالها أو يعضد شجرها إلا عودي الناضح (١).

وروي ان لابتيها ما أحاطت به الحرار (٢).

وقال فيه وروى في خبر أخر أنه ما بين لابتيها ما بين الصورين إلى الثنيّة والذي حرّمه من الشجر ما بين ظلّ عائر إلى في‌ء وعير وهو الذي حرم وليس صيدها كصيد مكة ، يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك (٣).

وفي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : يحرم من صيد المدينة ما صيد بين الحرتين (٤).

ورواية عبد الله صحيحة.

ومرسلة يونس بن يعقوب أنّه قال لأبي عبد الله عليه السّلام يحرم عليّ في حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله ما يحرم عليّ في حرم الله تعالى؟ قال : لا (٥).

وروى ابان عن أبي العباس يعني الفضل بن عبد الملك قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : حرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة؟ فقال : نعم حرّم بريدا في بريد غضاها (٦) قال : قلت صيدها؟ قال : لا يكذب الناس (٧).

وهذه مرويّة في الكافي أيضا والظاهر منها عدم تحريم صيدها فصحيحتا زرارة وعبد الله محمولتان على الاستحباب ويؤيّده الأصل والسهولة.

وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انّ مكة حرم الله حرّمها إبراهيم عليه السّلام وانّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم ، لا يعضد شجرها وهو ما بين ظلّ عائر إلى ظلّ وعير

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المزار الرواية ٥ و ٦ و ٧ و ٨.

(٦) والغضا بالقصر شجر ذو شوك وخشبه من أصل الخشب (مجمع البحرين)

(٧) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المزار الرواية ٤.

٤٢٨

ويستحب زيارة النبي صلّى الله عليه وآله ، مؤكّدا.

وزيارة فاطمة عليها السّلام من الروضة ، والأئمة عليهم السّلام بالبقيع.

______________________________________________________

وليس صيدها كصيد مكّة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك وهو بريد (١).

قال في المنتهى : قال الشيخ : المراد منه ، أنّ المدينة لا يحرم صيد البريد الى البريد وهو ظل عائر إلى ظلّ وعير (٢).

فيحتمل كون شجرها كصيدها كما في مكة وللأصل ولاختلاف الاخبار في الحرم ويحمل الأخبار الصحيحة على الاستحباب في الصيد ولعدم العلم بصحة رواية معاوية التي هي دليل التحريم لوجود الحسن بن علي الكوفي (٣) وهو غير معلوم والظاهر أنّه الوشّاء (٤) مع أنّه غير مصرّح بتوثيقه قال في حقه في أخر زكاة التهذيب (٥) : انه كان واقفا ورجع وانّي أظن أنّه ثقة ، والاحتياط واضح.

قوله : ويستحب زيارة النبي صلّى الله عليه وآله إلخ .. دليله واضح وهو مجمع عليه والاخبار في الترغيب وثوابها كثيرة جدا مذكورة في محلّها فلتطلب هناك (٦).

وامّا زيارة فاطمة (عليها وعلى أبيها وبعلها وابنائها صلوات الله عليهم) فينبغي في الروضة وبيتها وان اختلفت الروايات في موضع قبرها عليها السّلام لأنّها

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المزار الرواية ١.

(٢) انتهى كلام المنتهى.

(٣) وسندها (كما في الكافي) هكذا : أبو على الأشعري عن الحسن بن علي الكوفي عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيّوب عن معاوية بن عمار.

(٤) والوشّاء بفتح الواو والشين المعجمة المشدّدة نسبة الى بيع الوشي وهو نوع من الثياب المعمولة من الابريشم (تنقيح المقال ج ١ ص ٢١٣)

(٥) التهذيب ج ٤ باب الزيادات الرواية ٣٩ ص ١٤٩ من الطبعة الحديثة وعبارته هكذا : وكان قد وقف ثمّ رجع فقطع.

(٦) راجع الوسائل من الباب ١ الى الباب ٦ من أبواب المزار.

٤٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

دفنت ليلا فروي أنّها دفنت في الروضة بين القبر والمنبر لان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة (١) فهي مدفونة هناك وروي أنّها دفنت في بيتها فلما زاد (زادت خ ل) بنو أميّة في المسجد صار (صارت خ ل) من جملة المسجد وروي أنّها مدفونة في البقيع.

قال الشيخ رحمه الله : الروايتان الأوّلتان كالمتقاربتين والأفضل عندي ان يزور الإنسان في الموضعين جميعا فإنّه لا يضرّه ذلك ويجوز به اجرا عظيما وامّا من قال انها دفنت في البقيع فبعيد من الصواب قال ذلك في الفقيه أيضا ثم قال ـ بعد قوله : ولمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد ـ وهذا هو الصحيح عندي وانّى لمّا حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله تعالى ذكره فلما فرغت من زيارة رسول الله صلّى الله عليه وآله قصدت الى بيت فاطمة عليها السّلام وهو من الأسطوانة التي يدخل إليها من باب جبرائيل عليه السّلام الى مؤخر الحظيرة التي فيها بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله فقمت عند الحظيرة ويساري إليها وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وانا على غسل وقلت : السلام عليك يا بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وذكر السلام الى أخر الزيارة.

فالظاهر انّها عليها السّلام في بيتها ويؤيّده انّها عليها السّلام لا تخرج من بيتها وانّ بيتها أفضل المواضع في المدينة لأنّ أفضلها الروضة.

وقد روى في الكافي انّ الصلاة في بيتها أفضل من الصلاة في الروضة في رواية يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام الصلاة في بيت فاطمة أفضل أو في الروضة؟ قال : في بيت فاطمة (٢).

__________________

(١) أوردها واللتين بعدها في الوسائل في الباب ١٨ من أبواب المزار الرواية ٤.

(٢) الوسائل الباب ٥٩ من أبواب أحكام المساجد الرواية ١.

٤٣٠

والمجاورة بالمدينة ، والصلاة في الرّوضة ، وصوم الحاجة ثلثة أيّام ، والصلاة ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وليلة الخميس عند أسطوانة مقام رسول الله صلّى الله عليه وآله.

______________________________________________________

ورواية جميل بن دراج قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الصلاة في بيت فاطمة مثل الصلاة في الروضة؟ قال : وأفضل (١).

وقول الشيخ ان الروايتين قريبتان ـ اي (انّ خ ل) رواية الدفن في بيتها وفي الروضة ـ لا يخلو عن بعد فإنّهما موضعان متغايران متباعدان كما فهم من الروايات وكلام الفقيه.

وأمَّا دليل استحباب المجاورة بالمدينة فكأنّه الإجماع ، والاخبار ، مثل تصويب أبي الحسن عليه السّلام قول من قال : ان المقام بالمدينة أفضل من الإقامة بمكة (٢) وقوله عليه السّلام : أصبتم المقام في بلد رسول الله صلّى الله عليه وآله (٣) ولانه يستلزم الصلاة في مسجده وقد يموت فيها ويفوز بالفوز الذي روي عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام انه قال : من مات في المدينة بعثه الله من الآمنين يوم القيامة منهم يحيى بن حبيب وأبو عبيدة الحذاء وعبد الرحمن بن الحجاج (٤).

ويدل عليه حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا دخلت المسجد فان استطعت ان تقيم ثلاثة أيّام الأربعاء والخميس والجمعة فصل ما بين (فتصلّي بين خ ل) القبر والمنبر يوم الأربعاء عند الأسطوانة التي تلي (عند خ ل) القبر فتدعو الله عندها وتسأله كل حاجة تريدها في أخره أو دنيا واليوم الثاني عند أسطوانة التوبة ويوم الجمعة عند مقام النبي صلّى الله عليه وآله مقابل الأسطوانة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٩ من أبواب أحكام المساجد الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب المزار الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب المزار الرواية ٢ قطعة من الرواية.

(٤) الوسائل الباب ٩ من أبواب المزار الرواية ٣.

٤٣١

وإتيان المساجد بالمدينة ، وقبور الشهداء بأحد ، خصوصا قبر الحمزة عليه السّلام.

______________________________________________________

الكثيرة الخلوق فتدعو الله عندهن لكل حاجة وتصوم تلك الثلاثة الأيّام (١).

وهذه تدل على استثناء صوم هذه الثلاثة من صوم السفر كراهة وتحريما وليس بمقيّد بالحاجة.

وكذا رواية ابن أبي عمير (كأنّها صحيحة) عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : صم الأربعاء والخميس والجمعة وصلّ ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء عند الأسطوانة التي تلي رأس النبيّ صلّى الله عليه وآله وليلة الخميس ويوم الخميس عند أسطوانة أبي لبابة وليلة الجمعة ويوم الجمعة عند الأسطوانة التي تلي مقام النبيّ صلّى الله عليه وآله وادع بهذا الدعاء لحاجتك وهو اللهم اني أسئلك بعزتك وقوّتك وقدرتك وجميع ما أحاط به علمك ان تصلي على محمّد وآل محمّد (وعلى أهل بيته) وان تفعل بي كذا وكذا (٢).

ودليل استحباب إتيان المساجد كلّها وإتيان قبور الشهداء خصوصا قبر حمزة عليه السّلام ظاهر.

وتدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه الصلاة والسّلام : لا تدع إتيان المساجد (٣) كلّها (خصوصا خ) مسجد قبا فإنه المسجد الذي أسّس على التقوى من أوّل يوم ومشربة أم إبراهيم ومسجد الفضيخ (٤) وقبور الشهداء ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح قال : وبلغنا ان النبيّ صلّى الله عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب المزار الرواية ٣ و ٤.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب المزار الرواية ٣ و ٤.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، وفي الكافي والتهذيب : المشاهد بدل المساجد ، وفي كامل الزيارة : إتيان المشاهد كلّها ومسجد قبا (الباب السادس الرواية ١ ص ٢٤)

(٤) الفضيخ بالخاء المعجمة قال في مجمع البحرين : هو مسجد من مساجد مدينة روى ان فيه ردّت الشمس لأمير المؤمنين عليه السّلام قال الراوي : قلت : لم سمّي الفضيخ؟ قال : النخل يسمى فضيخا فلذلك يسمّى الفضيخ.

٤٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وآله كان إذا اتى قبور الشهداء قال : السلام (سلام خ ل) عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وليكن فيما تقول عند (في خ) مسجد الفتح : يا صريخ المكر وبين ويا مجيب دعوة المضطرين اكشف عني همّي وغمّي وكربي كما كشفت عن نبيك همّه وغمّه وكربه وكفيته هول عدوِّه في هذا المكان (١).

ورواية عقبة بن خالد قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام انّا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها ابدأ؟ قال : ابدأ بقبا فصلّ فيه وأكثر فإنه أوّل مسجد صلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله في هذه العرصة ثم ائت مشربة أمّ إبراهيم فصل فيها وهي (فإنها خ ل) مسكن رسول الله صلّى الله عليه وآله ومصلّاه ثم تأتي مسجد الفضيخ فتصلّي فيه فقد صلّى فيه نبيك فإذا قضيت هذا الجانب أتيت جانب احد فتأت (فبدأت خ ل) المسجد الذي دون الحرّة فصليت فيه ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب وسلمت عليه ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم وقلت السّلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط وانّا بكم لاحقون ثم تأتي المسجد الذي كان في المكان الواسع الى جنب الجبل عن يمينك حين تدخل أحدا فتصلّي فيه فعنده خرج النبي صلّى الله عليه وآله الى احد حين لقي المشركين فلم يبرحوا حتى حضرت الصلاة فصلّى فيه ثم مرّ أيضا حتى ترجع وتصلّي عند قبور الشهداء ما كتب الله لك ثم امض على وجهك حتى تأتي مسجد الأحزاب فتصلي فيه فتدعو الله فيه فان رسول الله صلّى الله عليه وآله دعا فيه يوم الأحزاب وقال : يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا مغيث المهمومين (الملهوفين خ) اكشف همّي وكربي وغمّي فقد ترى حالي وحال أصحابي.

ولنقتصر على هذا الدعاء في أخر كتاب الحج اللهم استجب وتقبّل كما استجبت لنبيّك بحقّه وحق آله وحق أولاده الأطهر الأجلّ.

__________________

(١) أوردها والتي بعدها في الوسائل في الباب ١٢ من أبواب المزار ، الرواية ١ ـ ٢.

٤٣٣
٤٣٤
٤٣٥

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الجهاد

ومقاصده خمسة

الأوّل من يجب عليه يجب جهاد أهل الذمة

______________________________________________________

قوله : الأول من يجب عليه إلخ. أي في بيان من يجب عليه الجهاد ، وهو كل مكلف حرّ ذكر الى آخر الشرائط (١).

الظاهر ان المراد ، يشترط الإسلام أيضا (٢) وأن نقيض القيود المذكورة بعد قوله : (ويسقط عن الأعمى الى آخره) معتبر ، مثل البصر والغنى.

فقوله : (على كل مكلّف) متعلق بقوله : (يجب الجهاد) (٣) الذي تقدم في الكتاب.

الجهاد في اللغة ، مشتق من الجهد بفتح الجيم ، وبضمه ، الطاقة : فهو السعي والإتيان بجميع ما يطيق : والمراد هنا ، المقاتلة الخاصة ، فإنها نهاية الوسع.

__________________

(١) إشارة إلى قول المصنف فيما يأتي : وجهاد البغاة إلى قوله «غير همّ».

(٢) اى يضاف إلى الشرائط الآتية ، الإسلام أيضا.

(٣) أي في قوله قده : (ويجب جهاد غير هم إلخ)

٤٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم أنّ أكثر مسائل هذا الكتاب إنما تقع مع حضور الامام عليه السّلام ، إمّا متعلق بنفسه أو بأصحابه ، فلا يحتاج الى العلم به ، وتحقيقه ، ولهذا ما نشرح ما في هذا الكتاب الا قليلا ، من حلّ بعض ما فيه ، وما يتعلق بزمان الغيبة ، وما له فائدة عائدة إلى أهله ، اختصارا على ماله الفائدة والمحتاج اليه ، والأمور الضرورية ، مع قلة البضاعة.

ثم ان دليل وجوبه في الجملة الآيات الكثيرة ، وإجماع الأمّة ، والسنّة الشريفة ، وأنه موجب للثواب العظيم ، والدرجات العالية : وذلك معلوم بالعقل والنقل ، من الكتاب والسنة :

ويكفي في ذلك من الكتاب قوله تعالى «فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً» (١).

ومن السنة ما روى عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : فوق كل ذي برّ بر حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ ، وفوق كل ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه فإذا قتل احد والديه فليس فوقه عقوق (٢).

والمراد بوجوب الجهاد ، الوجوب الكفائي : وهو الظاهر ، والمصرّح به في الكتب ، وصرّح به فيما بعد هنا أيضا :

قال في المنتهى : ومعنى الكفاية في الجهاد أن ينهض له قوم يكفون في قتالهم ، إمّا بان يكونوا جندا معدّين للحرب ، ولهم أرزاق على ذلك ، أو يكونوا

__________________

(١) سورة النساء : (٩٥)

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث ٢١.

٤٣٧

وهم اليهود والنصارى والمجوس إذا أخلّوا بشرائط الذمة : وهي قبول الجزية ، وأن لا يفعلوا ما ينافي الأمان ، كالعزم على حرب المسلمين ، وإمداد المشركين ، وأن لا يؤذوا المسلمين بالزنا واللواط والسرقة والتجسس عليهم وشبهه ، وأن لا يتظاهروا بالمناكير ، كشرب الخمر وأكل الخنزير ونكاح المحرّمات ، وأن لا يحدثوا كنيسة ، ولا يضربوا ناقوسا ، ولا يرفعوا بناءً ، وأن يجرى عليهم أحكام المسلمين ؛ وبالأولين يخرجون عن الذمة ، وأما الباقي (البواقي خ ل) فان شرط في عقد الذمة وأخلّوا به خرجوا ، وإلّا قوبلوا بمقتضى شرعنا.

______________________________________________________

قد أعدّوا أنفسهم له تبرعا ، بحيث إذا قصدهم العدوّ حصلت المنعة بهم (١) ، قال الشيخ رحمه الله : والقدر الذي يسقط به فرض الجهاد عن الباقين ، أن يكون على كل طرف من أطراف بلاد الإسلام قوم يكونون أكفاء لمن يليهم من الكفار (٢).

قوله : (وهم اليهود إلخ). هذا بيان من يجب جهادهم ، وهم أقسام.

الأوّل : اليهود والنصارى ، والمراد بهم أهل الكتاب : وبالمجوس ، من له شبهة كتاب : قيل كان لهم نبىّ وكتاب قتلوه وحرّقوه ، واسم نبيهم زردشت واسم كتابه جاماست (٣).

ويجب قتال هؤلاء حتى يسلموا ، أو يقبلوا الجزية.

والمراد بشبه التجسس ـ وهو التفحص والتفتيش عن حال المسلمين

__________________

(١) وفي المنتهى وبعض النسخ المخطوطة بدل (المنعة) (المتعة) بالتاء راجع المنتهى ج ٢ ، ص ٨٩٨.

(٢) الى هنا كلام المنتهى.

(٣) الوسائل ، ج ١١ ، باب ٤٩ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، فراجع وفي ضبط كلمة (جاماست) تعابير مختلفة والظاهر ان الصحيح جاماسب بالباء المنقوطة التحتانية.

٤٣٨

ولو سبّوا النبي صلّى الله عليه وآله قتل السّاب ، ولو نالوه بدونه عزروا ، ولو شرط الكف (ولم يكفوا ـ خ) خرقوا ، ولو أسلموا كفّ عنهم.

______________________________________________________

وعوراتهم ـ النمامة والغمازة (١).

والمراد بالكنيسة ، معبدهم : وبالناقوس ، ما يضربونه أوقات الصلاة ، لإعلامها : وبالأوّلين ، قبول الجزية ، وان لا يفعلوا ما ينافي الأمان ، كالعزم على حرب المسلمين ، وأمداد المشركين : وقوله (وان لا يؤذوا المسلمين) معطوف على (ان لا يفعلوا)

قوله : (ولو سبّوا النبي صلّى الله عليه وآله قتل السّاب). قيل وكذا الأئمة عليهم السّلام : لعل المراد بالسب ، الذكر بسوء خاص ، مثل اللعن والبعد من رحمة الله.

قال في المنتهى : الرابع ما فيه غضاضة (٢) على المسلمين ، وهو ذكرهم رب المسلمين أو كتابهم أو دينهم بسوء ، فلا يخلو اما ان ينالوا بالسب ، أو بدونه : وقال : فان سبوا الله تعالى أو رسوله وجب قتلهم وكان ذلك نقضا للعهد ، قاله الشيخ رحمه الله : وان ذكروهما بما دون السّب ، أو ذكروا دين الإسلام ، أو كتاب الله تعالى بما لا ينبغي ، فإن كان قد شرط الكفّ كان ذلك نقضا للعهد ، وإلا فلا (٣).

الظاهر أن القتل بسبب السّب ليس مخصوصا بالكفار ، بل يقتل المسلم بالطريق الاولى وهو مصرح ومنصوص (٤) ويدل عليه ما في الكتاب أيضا. ولو نالوه بدونه عزّروا : أى من ناله صلّى الله عليه وآله بسوء غير السب ، يجب تعزيره ولا

__________________

(١) أصل الغمز الإشارة بالجفن أو اليد الى ما فيه معاب (مفردات الراغب)

(٢) وقولهم : ليس عليك في هذا الأمر غضاضة اى ذلة ومنقصة (مجمع البحرين لغة غضض)

(٣) الى هنا كلام المنتهى ، لاحظ ج ٢ ص ٩٦٩.

(٤) الوسائل ، ج ١٨ كتاب الحدود والتعزيرات ، باب ٧ من أبواب المرتد ، وباب ٢٥ من أبواب حد القذف.

٤٣٩

ويجب جهاد غيرهم من أصناف الكفار ، إلى ان يسلموا ، أو يقتلوا : وجهاد البغاة على الكفاية : على كل مكلّف ، حرّ ، ذكر (سليم من المرض خ) ، غير همّ ، بشرط وجود الإمام ، أو من نصبه ، ويسقط عن الاعمى والزمن (المزمن ـ خ) ، والمريض العاجز ، والفقير العاجز عن نفقته ونفقة عياله وثمن سلاحه : فان بذل له ما يحتاج اليه ، وجب ، ولا يجب لو كان اجرة

______________________________________________________

يقتل ، ولا يخرق به ذمته.

نعم : لو شرط عدم إحداث ما يوجب التعزير ، وفعل ، خرقوها.

قوله : (ويجب جهاد غيرهم إلخ). أي غير اليهود والنصارى والمجوس : هذا إشارة إلى القسم الثاني والثالث ممن يجب جهادهم ، وهم الحربيون والبغاة : أي يجب جهاد الحربيين كفاية على كل مكلّف موصوف بالشرائط المذكورة ، الى أن يسلموا أو يقتلوا ، إلا أن يقع صلح وأمان ، فيجب أوّلا أن يعرض عليهم الإسلام ان لم يعرفوا ان المقصود ذلك ، فإن أسلموا ، والا قتلوا ، الا ان يقع الصلح أو الأمان.

وكذا يجب جهاد البغاة : وهم الخارجون ـ من أصناف المسلمين ـ على الامام ، وان كفروا بذلك. ولهذا غيّر الأسلوب.

قوله : (فان بذل إلخ). أي يجب الجهاد بالبذل ، لأن المانع هو عدم المؤنة والفقر ، وقد زال فيجب الجهاد كما كان على الغنى ، لصدق الوجدان الظاهر وجوبه به كما يظهر من الآية (١).

واما لو أراد إجارته بذلك لا يجب الإجارة ولا الجهاد الا مع القبول ، لان

__________________

(١) قال تعالى (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) ، الى قوله تعالى (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ). التوبة ٩١.

٤٤٠