مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٧

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

أو صيام ثلثة أيّام ، وفي سقوط شي‌ء بمسّ رأسه أو لحيته كفّ من طعام ولو كان في الوضوء فلا شي‌ء وفي نتف الإبطين شاة وفي أحدهما إطعام ثلثة مساكين.

______________________________________________________

مستند الاذاء هو النص وغير الأذى مفهوم الموافقة مع عدم ما ينافي.

وكذا نقل الإجماع في أنّها أحد الثلثة على سبيل التخيير.

واستدلّ على عدم وجوبها حال السهو والجهل بما تقدم.

مثل صحيحة زرارة من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه (الخبر) (١).

وأيضا نقل الإجماع في كون الصيام ثلثة أيّام ومعلوم أنّ النسك هو الشاة.

والظاهر أنّ الصدقة هو إطعام ستّة مساكين لكل واحد نصف صاع وهو مدّان.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة حريز عن الصادق عليه الصلاة والسّلام في حديث كعب بن عجرة قال : مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على كعب بن عجرة الأنصاري والقمّل يتناثر من رأسه وهو محرم فقال أيؤذيك هو أمّك؟ فقال : نعم قال : فأنزلت هذه الآية (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ ، مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ ، أَوْ نُسُكٍ) فأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله فحلق (بحلق خ ل) رأسه وجعل عليه الصيام ثلثة أيّام والصدقة على ستّة مساكين لكل مسكين مدّان والنسك شاة ثم قال (قال وقال خ ل) أبو عبد الله عليه السّلام وكل شي‌ء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء وكل شي‌ء في القرآن فمن لم يجد فعليه كذا فالأوّل بالخيار (٢) كأنّ المراد أنّه المختار (٣) ولعلّها يشعر بوجوب الحلق حينئذ (٤) والظاهر كونه

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب بقيّة كفارات الإحرام الرواية ١.

(٢) الوسائل : الباب ١٤ من أبواب بقيّة كفّارات الإحرام الرواية ١ الآية في البقرة : ١٩٣.

(٣) يعني لزوم ما ذكره الله تعالى قبل قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) وهو المراد بالأوّل.

(٤) لمكان قوله عليه السّلام : فأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

رخصة وتكون الكفّارة الجميع والظاهر هو التخيير كما هو ظاهر الآية والإجماع وكان الواو في الرواية بمعنى أو.

وأمّا ما اختاره المصنف في المتن من انّ إطعام العشرة لكل مسكين مدّ فكأنّه مذهب البعض نقله في المنتهى (١) بعد اختياره الأوّل على الظّاهر ، واحتجاجه بصحيحة حريز ، والأخبار من طرق العامة أيضا على ذلك حيث قال : وفي قول آخر لنا أنّ الصدقة على عشرة مساكين ، ولكن ما ذكر لكل مسكين مدّ.

بل ظاهره قدر شبع كل مسكين لانّه قال : استدلّ عليه بعض أصحابنا بما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : قال الله تعالى في كتابه (فَمَنْ كانَ) الآية (٢) فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم ، إذا كان صحيحا ، فالصيام ثلثة أيّام ، والصدقة على عشرة مساكين ، يشبعهم من الطعام والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم وانّما عليه واحد من ذلك (٣).

كأنّه حمل قدر الشبع على مدّ فإنّه لا يزيد قدر الشبع على ذلك غالبا ، ولذا خيّروا في أكثر الكفّارات بينهما فتأمل.

ثم قال : قال الشيخ رحمه الله الوجه فيهما (٤) التخيير لأنّ الإنسان مخيّر بين ان يطعم ستّة مساكين لكل مسكين مدّين وبين ان يطعم عشرة مساكين قدر شبعهم.

وأكّد الرواية الأولى بما رواه زرارة عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : إذا حصر الرّجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فإنّه يذبح شاة في المكان

__________________

(١) راجع ص ٨٥ من المجلد الثاني من المنتهى.

(٢) قال الله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» البقرة : ١٩٣.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٢.

(٤) أي خبر حريز وعمر بن يزيد.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدق على ستّة مساكين والصوم ثلثة ، أيّام والصدقة نصف صاع لكل مسكين (١).

والظاهر هو العمل بمضمون الاولى لدعوى صحتها في المنتهى وان كان فيها عبد الرحمن المشترك (٢) لكن يحتمل أنّه الثقة لدعواها في المنتهى في مثل هذا السند كثيرا وكأنّه عرف الثقة ويؤيده الشهرة وكثرة الاخبار وان كانت من طرق العامة.

مع عدم صحة الثانية لوجود محمد بن عمر بن يزيد المجهول (٣) وقلة القائل كما يفهم من المنتهى ، ولو كانت صحيحة لكان التخيير متوجها.

واعلم انّه يفهم من النصّ والإجماع المدعى تفسير الصيام بثلثة أيّام فهو مؤيد لما تقدّم فيما فسّرناه بها في كفّارة وطي الأمة المحرمة بإذن سيّدها مع العجز عن البدنة والبقرة ، فتذكّر.

وأنّ الكفارة المذكورة متعلقة بحلق الرأس سواء كان كلّه أو بعضه بشرط الصدق قاله في المنتهى لا في حلق ثلث شعرات مثلا ، لأنّ الأصل العدم فلا يجب الا لصدق ما في الدليل ، قال في المنتهى : في حلق ثلث شعرات صدقة بمهما كان.

ويحتمل كفا من طعام كما في سقوط شي‌ء من شعر رأسه ولحيته بالمسّ.

لرواية منصور عن ابى عبد الله عليه السّلام في المحرم إذا مسّ لحيته فوقع منها شعرة ، قال : يطعم كفّا من طعام أو كفّين (٤).

وصحيحة معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام المحرم

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب الإحصار والصد الرواية ٢.

(٢) وسندها (كما في التهذيب) هكذا : موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد عن حريز.

(٣) والسند (كما في التهذيب) هكذا : موسى بن القاسم عن محمد بن عمر بن يزيد عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ١.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان قال : يطعم شيئا (١).

وقال في الفقيه بعدها وفي خبر آخر مدّ من طعام أو كفين (٢).

تدلّ على جواز الأقل من الكف ويمكن حملها على الكفّ ، كأنّ الأقل ليس بإطعام شي‌ء.

ويؤيّده صحيحة هشام بن سالم قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم فيسقط (فسقط خ) شي‌ء من الشعر فليتصدّق بكفّ من طعام أو كفّ من سويق (٣).

وحمل في المنتهى ما يدل على عدم الكفارة إذا سقط من لحيته شي‌ء من الشعر في الإحرام على حال الوضوء.

ويمكن كون التيمّم وإزالة النجاسة والغسل أيضا كذلك للضرورة والحاجة.

وللتصريح بعدم شي‌ء في صحيحة الهيثم بن عروة التميمي (الثقة) قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان؟ فقال : ليس بشي‌ء ، «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (٤).

وهذه العلة قد تشعر بعدم الشي‌ء في الغسل والتيمم وازالة النجاسة والحكّ المحتاج اليه مطلقا فتأمل.

ويؤيده عدم التنصيص في الاخبار بهذه الحالات وحملها وغيرها الشيخ في التهذيب على عدم العمد فيفهم منه الوجوب حينئذ أيضا ، فلا فرق عنده بين الحالات.

وما يدلّ على عدم شي‌ء في حال العبث بلحيته عمدا مع عدم الصحة حمله

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٢ و ٣ و ٥.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٢ و ٣ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٢ و ٣ و ٥.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٦ والآية في الحج : ٧٨.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الشيخ على عدم العقاب والإثم ، مع الكفارة.

وأيّده بما في رواية الحسن بن هارون قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام انّى أولع بلحيتي وانا محرم فتسقط منها شعرات قال : إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به ، فإنّ تمرة خير من شعرة (١).

وهذه تدل على عدم تعيين الكفارة بكف من طعام بل على اجزاء تمرة من شعرة وعلى جواز التأخير في الكفارة كما مرّ بعض ما يدلّ عليه أيضا وهذه الاختلافات دليل الاستحباب فيكون الحمل عليه أولى.

لصحيحة جعفر بن بشير والمفضّل بن عمر ، قال دخل الساجي (النباجي خ ل) (النياجى خ ل) على ابى عبد الله عليه السّلام فقال : ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد الله عليه السّلام لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علىّ شي‌ء (٢).

وحملها الشيخ على النتف ساهيا أو جاهلا.

وأيّده بصحيحة زرارة الآتية ، من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ومن فعله متعمدا فعليه دم (٣).

وفي التأييد تأمل ، فتأمل.

وانّه قال في المنتهى : لا فرق بين شعر الرأس وشعر سائر البدن في وجوب الفدية ، وان اختلفت مقاديرها ذهب إليه علمائنا.

وأنّه يجب في نتف الإبط الواحد إطعام ثلثة مساكين ، وفي نتفهما جميعا دم شاة لصحيحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : من حلق رأسه أو

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب بقيّة كفارات الإحرام الرواية ٤.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب بقيّة كفارات الإحرام الرواية ٧.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب بقيّة كفارات الإحرام الرواية ١.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم (١).

وصحيحة حريز عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا نتف الرجل إبطه بعد الإحرام فعليه دم (٢).

وحملهما الشيخ على الإبطين معا لرواية عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله عليه السّلام في محرم نتف إبطه ، قال : يطعم ثلثة مساكين (٣).

وهو غير صحيحة للجهل بحال محمّد بن عبد الله بن هلال (٤) وكون عبد الله بن جبلة واقفيّا ، فان لم يكن في المسألة إجماع لكان القول بالدّم ـ في صدق نتف الإبط عرفا كما مرّ في حلق الرأس ـ متوجّها.

وقد علم مما سبق أيضا انّ الجهل والنسيان عذر في الحلق والنتف أيضا كما مرّ.

وانّه قال الشيخ : لا يجوز للمحرم ان يأخذ من شعر المحلّ ، لصحيحة معاوية بن عمّار عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : قال : لا يأخذ المحرم من شعر الحلال (٥).

ولا بعد في ذلك لما مرّ من وجوب الكفّارة على المفتي المحلّ ، ووجوبها على المقبّل امرأته المحرمة بعد طوافه للنساء وقبل طوافها للنّساء.

كما في صحيحته عنه عليه السّلام أيضا (في حديث) وسألته عن رجل قبّل امرأته ، وقد طاف طواف النساء ، ولم تطف هي؟ قال : عليه دم يهريقه (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٢.

(٤) والسند (كما في التهذيب) هكذا : سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن ابى الخطاب عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عبد الله بن جبلة.

(٥) الوسائل الباب ٦٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٦) الوسائل الباب ١٨ من أبواب كفارات الاستمتاع الرواية ٢ وزاد في الكافي بعد قوله عليه السّلام.

٤٦

وفي التظليل سائرا.

______________________________________________________

وانّه قال في المنتهى : ولا يضمن الشعر أى لا كفارة له فلو قلع جلدة عليها شعر ، لانّ زواله بالتبعيّة ، فلا يكون مضمونا ، كما لو قلع أشفار عيني غيره ، فتأمّل.

وقال أيضا : لا يضمن قلع الشعر إذا خلّله ، مع شكّه في أنّه كان متعلقا ، أو انقلع الساعة ، فافهم.

قوله : وفي التظليل إلخ .. قد دلّت أخبار صحيحة على وجوب الشاة على من ظلّل لعذر من مرض وحرّ الشمس وغيره ففي غير العذر كذلك مع عدم وجود شي‌ء فوق ذلك فيه.

مثل صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سأله رجل عن الظلال (الظل خ ل) للمحرم من أذى مطر أو شمس؟ فقال : ـ (وانا اسمع) ـ ارى ان يفديه بشاة ويذبحها بمنى (١).

ولا يضرّ الإضمار لما تقدم ، ولانه صرح في التهذيب بعده في باب الكفارات انه عن الامام عليه السّلام ، حيث قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام ونقل مثل هذه (٢) وهي تدل على كون الذبح في منى مطلقا سواء كان الإحرام للعمرة أو الحج ، ولا يبعد في الأوّل في مكة كما مرّ.

وصحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السّلام قال : سألته عن المحرم يظلّل على نفسه؟ فقال : أمن علّة؟ فقلت : يؤذيه حرّ الشمس وهو محرم فقال : هي علة يظلّل ويفدى (٣).

وصحيحة على بن جعفر عليهما السّلام قال : سألت أخي عليه السّلام

__________________

(يهريقه) : من عنده كما في الوسائل أيضا.

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب بقية الكفارات الرواية ٦.

(٢) الوسائل الباب ٤٩ من أبواب كفارات الصيد الرواية ٥ مع إسقاط قوله : (وانا اسمع)

(٣) الوسائل الباب ٦ من أبواب بقية الكفارات الرواية ٤.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أظلّل وانا محرم؟ فقال : نعم وعليك الكفارة قال : فرأيت عليّا (١) إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفارة الظل (٢).

ظاهرها جواز التظليل مع الكفارة ويمكن حملها على حال العذر لما تقدم من عدم الجواز سائرا إلّا حال الضرورة والعذر ويشعر به فعل على عليه السّلام إذ الظاهر انه لم يفعله على تقدير الجواز أيضا إلّا مع الضرورة ، إذ لا شك في كون عدم التظليل أولى وهو عليه السّلام لم يترك الأولى إلّا مع الحاجة غالبا خصوصا إذا كان موجبا للكفارة فإنه يدل على المبالغة في المنع كما يشعر به لفظة الكفارة.

ويؤيّده أيضا نحر البدنة إذ الظاهر عدم وجوبها بل الشاة كما تقدم ، الّا ان يحمل الأخبار على التخيير وعلى كون البدنة أفضل الفردين.

وأيضا الظاهر ان المراد بعلى هو على بن الحسين عليهما السّلام ، إذ لا يمكن رؤية الكاظم عليه السّلام أمير المؤمنين عليه السّلام ، الّا ان تحمل الرواية على العلم والظاهر كذلك ، فإنه يبعد إطلاق علىّ مطلقا على غيره ، مع أنّ رؤيته لعلي بن الحسين أيضا بعيد بل لا يمكن على ما يفهم من تاريخ وفاته عليه السّلام.

قال في الدروس : انّه كان خمسا وتسعين وان تاريخ ولادته عليه السّلام (٣) كان ثمان ومأة ، فإنّه ولد بعد وفاته بثلث عشرة سنة ، ومثل هذا يؤيّد الحمل على الاستحباب ، وعدم ترك غيرها بها ، إذ قد فهم عدم ضبط ، ووجود خبط مّا ، فتأمّل.

ويمكن ان يكون المراد على بن جعفر ، ويؤيّده عدم قوله : عليه السّلام ، في المنتهى ، وفي بعض نسخ التهذيب أيضا ، وقوله إذ (٤) بغير ألف ، فكان أبا الحسن

__________________

(١) الظاهر انّ المراد من على هو على بن جعفر والضمير في قال ، يعود الى موسى بن القاسم الراوي عنه.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب بقيّة الكفارات الرواية ٢.

(٣) يعني ولادة الكاظم عليه السّلام.

(٤) اى يؤيّد كون المراد على بن جعفر ، ما في بعض نسخ التهذيب من قوله : (إذ قدم)

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام ، أو الراوي ، يقول فلمّا قيل له ذلك فرأيته ينحر بدنة بمنى ، وهو أيضا بعيد فتأمّل.

وقال الشيخ أيضا : الجواز مشروط بالعذر والتزام الكفارة فمع الالتزام بدونه لا يجوز ، كما لا يجوز مع العذر بغير التزام.

وقال أيضا : بوجوب الدمين في تظليل العمرة والواحد في تظليل الحج ، لرواية دالّة على الاثنين في عمرة التمتع (١).

قال في المنتهى : والوجه عندي الاستحباب.

كأنّها صحيحة عنده ، ولكن فيه (فيها ـ ظ) على بن ابى راشد (٢) وهو غير مصرّح بالتوثيق ، قال في الخلاصة : كان وكيلا مقام الحسين بن عبد ربّه مع ثناء عليه وشكر له.

وأيضا فيه (فيها ـ ظ) محمد بن عيسى ، وهو مشترك ، وان كان الظاهر كونه العبيدي ، لكثرة وقوعه في مثله ، وقد توقف المصنف فيه ، وصرّح به عند ذكر بكير بن محمد في الخلاصة.

ولكنّ الظاهر انّه لا بأس به ، كما صرّح به عند ذكر اسمه وكثيرا مّا يسمّى خبره صحيحا ، فيمكن كونها حسنة مع الإضمار ، وان كان الظاهر انّه عن الامام ، لقوله : (عليه السّلام).

ويمكن حملها على الحج والعمرة ، ويؤيّده قوله أوّلا : (أرق دما).

حيث قال أبو على بن راشد ، قال : قلت له عليه السّلام جعلت فداك انّه يشتدّ علىّ كشف الظّلال في الإحرام ، لأنّي محرور يشتدّ علىّ (حرّ خ ئل)

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب بقيّة كفارات الإحرام الرواية ١ وسيأتي نقلها عن قريب.

(٢) والسند (كما في التهذيب) هكذا : محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى عن ابى على بن راشد.

٤٩

وتغطية الرأس وان كان بالارتماس أو الطين وقلع الضرس شاة.

______________________________________________________

الشمس ، فقال : ظلّل وارق دما ، فقلت له دما أو دمين؟ قال : للعمرة قلت : انّا نحرم بالعمرة وندخل مكّة فنحلّ ونحرم بالحج ، قال : فارق دمين (١).

فالظاهر انّه يريد دما واحدا للتظليل في إحرام العمرة ، وآخر له في إحرام الحج ، ولهذا رتّبهما عليهما بعد الحكم بالواحد ، فانّ الظاهر أنّه حكم للتظليل في أيّ إحرام كان ، كما كان ظاهر السؤال ، والّا ما كان ينبغي الإطلاق ، لأنّه لو لم يسأل السائل مرّة اخرى كان يفهم الواحد مطلقا ، بل يمكن الإشعار في السؤال والجواب على ذلك ، لأنّه كان استبعد أنّ الإحرامين يكون فيه الدم الواحد.

ويؤيّد هذا الحمل بل يعيّنه ما رواه في الكافي ، عن أبي على بن راشد ، قال : سألته عن محرم ظلّل في عمرته؟ قال : يجب عليه دم ، قال : فان خرج الى مكّة وظلّل وجب عليه دم لعمرته ودم لحجته (٢) وكأنّ (الى مكة) غلط والظاهر (من مكة).

والظاهر انه يريد وجوب دم للعمرة المتمتّع بها والمفردة أيضا ودم للحجّ فتأمل وبالجملة فالظاهر وجوب الواحد فقط في جميع زمان الإحرام وكذا في بعضه فتأمل.

وأيضا الظاهر عدم شي‌ء مع النسيان والجهل مطلقا لما تقدم.

وأمّا دليل وجوب الشاة في تغطية الرأس مع العمد وعدم شي‌ء مع الجهل والنسيان ، فكأنّه الإجماع المفهوم من المنتهى في الأوّل ، حيث قال : من غطّى رأسه وهو محرم وجب عليه دم شاة ولا نعلم فيه خلافا.

ويدلّ على الآخر ما تقدم ، وصحيحة حريز قال سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا؟ قال : يلقى القناع عن رأسه ويلبّى ، ولا

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ١ و ٢.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

شي‌ء عليه (١).

وحمل (يلبّى) على الندب في المنتهى ، فتأمل ، ومثلها صحيحة الحلبي في الفقيه (٢) ولا يبعد كونه إجماعيا.

وقد مرّ تحريم تغطية الرأس مطلقا ولو بالارتماس في الماء (٣).

والظاهر دخول الأذنين لصحيحة عبد الرّحمن قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطّيهما؟ قال : لا (٤).

كأنّ عبد الرحمن هو ابن الحجاج لقرينة نقله عن ابى الحسن عليه السّلام وقرينة نقل صفوان عنه في غير هذه الرواية (٥).

امّا الكفارة في التغطية ـ بحيث يشمل الماء والطين والعسل والصمغ كما قالها في الدروس والمتن (٦) مع أنّه جوّز الأخير في المنتهى من غير شي‌ء لأنّ فاعله الملبّد وقد روى ابن عمر (٧) انه رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله يهلّ ملبّدا ـ فهي محلّ التأمل إذ الإجماع في ذلك غير معلوم ، الّا انه يمكن جعل أدلّة كفارة التظليل شاملة لبعض أفراد التغطية ويبعد شمولها للارتماس والطين فتأمل.

وامّا التغطية حال الضرورة فيمكن استخراج وجوب كفارتها مما يشملها من أدلّة التظليل فتأمل.

وأمّا التكرار فالظاهر عدمه مع عدم تكرّر الفعل مطلقا للأصل وعدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٥ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٣ والباب ٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٥٥ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٦.

(٣) راجع الوسائل الباب ٥٨ من أبواب تروك الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ٥٥ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٥) هكذا في جميع النسخ والظاهر زيادة كلمة (غير) لنقل صفوان عن عبد الرحمن في هذه الرواية أيضا ، فإنّ السند (كما في الكافي) هكذا : أبو على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن عبد الرحمن.

(٦) لا يخفى عدم ذكر العسل والصمغ في المتن.

(٧) نقل عن صحيح مسلم ج ٣ ص ٨.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الدليل والشريعة السهلة السمحة ولعدم التكرار في اللبس الدائم ، كما مرّ ، ولعدم التكرار في التظليل مع اشتراكها إيّاه في الأدلّة في الجملة ، ولأنّ العمدة في دليل كفارة التغطية هو الإجماع ، كما فهمت ، وليس بظاهر هنا ، ويمكن كونه كذلك مع تعدّد الفعل أيضا لما تقدّم ، وتكرّره لا يوجب تكرّرها حتّى يعلم كونها موجبا تامّا مطلقا ، وهو غير معلوم.

نعم لا يبعد ذلك لاحتمال ذلك ، ولا شكّ انّ التكرار مطلقا أحوط ، ان لم يضرّ بحاله ، وينبغي عدم تكرير التغطية وأنّه لا فرق بين المختار والمعذور في الوجود والعدم ، لأنّه لا شكّ انّه مع العذر أيضا فعل متعدد ، فان كان موجبا تامّا فيوجب التكرّر فيهما ، والّا فلا.

فقول الدروس ـ تغطية الرأس للرّجل ولو كان بالعسل وشبهه أو بالارتماس ، وفديته شاة ، ولو كان مضطرا ، والأقرب عدم تكرارها بتكرّر التغطية ، نعم لو فعل ذلك مختارا تعدّدت بتعدد الغطاء مطلقا ـ محل التأمّل.

وامّا وجوب الشاة في قلع الضرس ، فغير ظاهر دليله ، غير رواية غير صحيحة ، ونسبه في المنتهى الى الشيخ ، قال : ويجوز له ان يقلع ضرسه مع الحاجة ، ولانّه تداو ، وليس بترفّه ، فكان سائغا كشرب الدّواء ، ويؤيّده ما رواه ابن بابويه عن الحسن الصيقل ، أنّه سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن المحرم يؤذيه ضرسه ، أيقلعه؟ قال : نعم لا بأس به (١).

ولو لم يحتج الى قلعه كان عليه دم ، قال الشيخ ، واستدل بما رواه محمد بن عيسى ، عن عدّة من أصحابنا ، عن رجل من أهل خراسان انّ مسألة وقعت في الموسم (وخ) لم يكن عند مواليه فيها شي‌ء محرم قلع ضرسه؟ فكتب عليه السّلام :

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٥ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٢.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يهريق دما (١) انتهى.

هذه مع عدم صحة سندها (٢) ـ وكونها مكاتبة منقولة من شخص غير معلوم ، وركاكة متنها ـ لم تكن حجة ، مع انّه لا خصوصيّة لها بغير المضطرّ ، ويمكن حملها على الاستحباب.

وبالجملة وجوب الكفّارة فيه غير ظاهر ، وكيف الشاة.

وكأنّه لذلك قال في المنتهى : قاله الشيخ ، بل في تحريمه أيضا تأمل ، ان لم يكن إجماع ، ولم يدلّ دليل عدم إخراج الدّم عليه ، إذ عمومه بحيث يشمله غير ظاهر ، مع أنّه قد لا يستلزم خروج الدّم ، وعلى تقديره يكون داخلا في إخراج الدّم ، ويكون وجوب الكفارة فيه أيضا غير ظاهر.

وقول الدروس ـ بتحريم الحجامة إلّا مع الحاجة في الأظهر ، لرواية الحسن الصيقل (٣) مع اعترافه بصحة ما يدل على الكراهة ـ محلّ التأمّل.

وكذا الحاقه الفصد وإخراج الدم بالحجامة وحكمه بالفداء بدم شاة في إخراجه مطلقا ، مع قوله بما يشعر بعدم الدليل والقائل المعتبر حيث قال : ذكره بعض أصحاب المناسك وقوله : وقال الحلبي في حكّ الجسم حتى يدمي : مدّ من طعام لمسكين فتأمل (٤).

وكذا لم يظهر وجوب الكفارة في الحجامة بل تحريمه أيضا لو لم يستلزم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من أبواب بقيّة الكفارات الرواية ١.

(٢) والسند (كما في التهذيب) هكذا : محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى إلخ.

(٣) وقد تقدمت آنفا.

(٤) لا بأس بنقل كلام الشهيد قدّس سرّه في الدروس ، قال : العشرون الحجامة إلا مع الحاجة في الأظهر ، لرواية الحسن الصيقل ، وقال في المبسوط : يجوز للمحرم ان يحتجم ويفتصد ، وقال في الخلاف وتبعه ابن حمزة : يكره وهو في صحيح حريز وفي حكم الحجامة الفصد وإخراج الدم ولو بالسواك ، أو حكّ الرأس ، وفدية إخراج الدّم شاة ، ذكره بعض أصحاب المناسك ، وقال الحلبي في حكّ الجسم حتّى يدمي ، مدّ طعام لمسكين ص ١١٠.

٥٣

وفي الجدال مرّة كاذبا شاة ومرّتين بقرة وثلثا بدنة.

وصادقا ثلثا شاة.

______________________________________________________

حلق الرأس (١) ولهذا قيل بالكراهة لعدم صحة الاخبار الدالة على المنع مع المعارضة في الجملة وحملت على الكراهة لصحيحة حريز (٢).

ولكن يمكن حملها على حال الضرورة لما تقدم في خبر الحسن الدالّ على تحريم إخراج الدم وقد مرّ البحث فيه في تحريم إخراج الدّم ، فتذكر.

قوله : وفي الجدال إلخ .. قد مرّ تحقيق الجدال والفسوق وتحريمهما.

ويدلّ على عدم الكفارة ، بالجدال مرّة أو مرّتين صادقا ، الأصل ، وصحيحة يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المحرم يقول : لا والله وبلى والله وهو صادق عليه شي‌ء؟ قال : لا (٣).

وغيرها ويؤيّده عدم الكفارة في الفسوق مع أنه الكذب ، وينبغي الاستغفار والتوبة.

قال في المنتهى : وتجب التوبة فإنّها كفارة كلّ ذنب وتجديد التلبية أيضا.

ويدل عليهما صحيحة محمد بن مسلم والحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام (في حديث) قالا : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله له حدّا يستغفر الله ويلبّى (الحديث) (٤).

ويدلّ على وجوب دم شاة في الجدال صادقا فوق المرّتين صحيحة معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : انّ الرّجل إذا حلف بثلثة أيمان في مقام

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب : لو لم يستلزم الحلق ، كما في قوله عليه السّلام في صحيحة حريز : لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق إلخ.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٥.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٨.

(٤) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٢ بطريق الصدوق.

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولاء وهو محرم فقد جادل ، وعليه حدّ الجدال ، دم يهريقه ويتصدق به (١).

وكأنّ الولاء ومقام واحد ، ليستا بشرطين الا أنّه وقع هكذا كأنّه لشدّة حرمته أو وقوعه كذلك لعدم القائل بهذا الشرط على الظّاهر.

ولصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سألته عن الجدال في الحجّ؟ فقال من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم ، فقيل له الذي يجادل وهو صادق؟ قال : عليه شاة والكاذب عليه بقرة (٢).

والظاهر ان المراد بالمجادل هو الذي يصل الى حدّ الجدال المتقدم وهو قول ذلك أكثر من مرّتين لما تقدم وهذه تدلّ بالمفهوم على عدم شي‌ء في الصادق مرّتين بل في الكاذب أيضا كصحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة فافهم وأيضا بالمنطوق على وجوب البقرة فيما زاد على المرّتين ، لانه حكم أوّلا بعدم شي‌ء على من جادل مرّتين بالمفهوم ثم قال : (فقيل له الذي يجادل) إلخ ففهم انّ المراد ثلث مرّات ، ولأنّه لا شك في كون المراد ذلك إذا كان صادقا فكذا الكاذب.

ويدلّ على وجوب الدم في الثلث صادقا ، وفي المرّة الواحدة كاذبا رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا حلف الرجل ثلثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه (٣).

ولا يفهم من هذه مع انضمامها الى غيرها وجوب البقرة في الكاذب مرتين بان يقال : لمّا كان الواجب شاة في مرّة واحدة والبدنة في الثلث لما سيجي‌ء يكون البقرة في المرّتين لأنّه (٤) قد مرّ بيان ان المراد ثلثة أيمان كاذبا ووجوب البقرة حينئذ في صحيحة محمد بن مسلم.

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ١ من أبواب بقيّة كفارات الإحرام الرواية ٥ و ٦ و ٧.

(٤) بيان للنّفي لا للمنفي.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الطريق (١) ابان بن عثمان وفيه قول : وأبو بصير مشترك.

فلو كان قائل بعدم وجوب شي‌ء في الكاذب مرّة واحدة لأمكن القول به أيضا الّا انّ عدم الظهور ـ مع قبول ابان وأنّ الظاهر انّ أبا بصير هو اللبث البختري لكثرة روايته ولتسمية الاخبار بالصحة من غير توقف ـ يؤيّد وجوب دم شاة في المرّة الواحدة ، ويلزم في المرّتين بالطريق الاولى مع احتمال الشاتين.

وامّا ما يدلّ على وجوب البدنة في الثلث كاذبا ، فهو رواية أبي بصير عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمّدا فعليه جزور (٢).

وكأنّ الجزور هو البدنة ، وهي غير صحيحة ، ولا حسنة لأنّها منقولة في التهذيب مرسلة عن العباس بن معروف وطريقه اليه غير واضح (٣) وفي الطريق (٤) علىّ بن فضال قيل : وهو فطحي وأبو بصير مشترك.

مع عدم التصريح بالثلث وبوجوب الجزور للجدال كاذبا فقط لاحتمال أن يكون قوله (فكذب) إشارة إلى كذب آخر غير الجدال بل ظاهرها ان الجدال كذب وموجب للبدنة مطلقا ، وعليه أيضا غير صريح في الوجوب ، على أنه قد مرّ ما يدلّ على وجوب البقرة في الثلث كاذبا فلو وجد القائل به لا يبعد حمل هذه على

__________________

(١) والسند (كما في التهذيب) هكذا : موسى بن القاسم عن ابان بن عثمان عن أبي بصير.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٩.

(٣) طريق الشيخ الى العباس بن معروف ضعيف في الفهرست واليه صحيح في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة في الحديث الحادي والخمسين ، وفي باب صفة الوضوء في الحديث التاسع والأربعين وفي باب التيمم في الحديث السادس عشر وفي الحديث الرابع والثلثين ، وفي باب تطهير المياه في الحديث الثامن عشر (جامع الرواة ج ٢ ص ٤٩٩) والظاهر انّ مراده قدّس سرّه من عدم الوضوح عدم وضوح طريق هذه الرواية ولا يخفى انّ الرواية المذكورة ليست بمرسلة لأنّ للشيخ الى العباس طريقا امّا صحيحا أو غير صحيح.

(٤) والسند (كما في التهذيب) هكذا : روى العباس بن معروف عن علىّ عن فضالة عن ابى المعزى.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستحباب وأفضل الفردين.

والظاهر أنّ مذهب الصدوق في الفقيه وجوب البقرة في الثلث وما فوقه كاذبا.

لما رواه (في الصحيح) عن محمد بن مسلم والحلبي جميعا عن ابى عبد الله عليه السّلام فقالا : فمن ابتلى بالجدال ما عليه؟ فقال : إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة وعلى المخطئ بقرة (١).

والظاهر ان المصيب هو الصادق ، والمخطئ هو الكاذب ، وأنّه ما ينقل في كتابه هذا الّا ما افتى به ويكون حجة بينه وبين الله خصوصا ما يكون صحيحا عن عدلين ، من غير نقل معارض مع التأييد بما مرّ ، فالقول به متعيّن.

الا انه نقل عن أبيه في رسالته إليه البقرة في مرّتين كاذبا.

ثمّ ان الظاهر ـ انّ وجوب الشاة في المرّتين والبدنة أو البقرة فيما فوقهما ـ مشروط بعدم الكفارة عما سبق كما قيل ، وقد مرّ مثله.

وانّ الظاهر عدم شي‌ء في الجاهل والنّاسي ، لما تقدم ، ذكر المصنف النّاسي في المنتهى.

وأيضا روى (في الصحيح) عن ابى هلال الرازي (المجهول) وجوب الدّم في المقاتلة قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجلين اقتتلا وهما محرمان؟ قال : سبحان الله بئس ما صنعا ، قلت : قد فعلا فما الذي يلزمهما؟ قال : على كلّ واحد منهما دم (٢).

وروى (في الصحيح) عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٢ بطريق الصدوق ، ونقلها عن الكافي عن حماد عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ١.

٥٧

وفي قلع الشجرة الكبيرة من الحرم بقرة وفي الصغيرة شاة وإن كان محلّا وفي الأبعاض قيمته ويعيدها فان جفّت ضمن ولا كفّارة.

______________________________________________________

قال : لا بأس ان يؤدّب المحرم عبده ما بينه وبين عشرة أسواط (١).

وهذه تدل على جواز تأديب الغلام فوق عشرة في غير الإحرام بمفهوم ضعيف ، وبالمنطوق على انّ ضربه للتأديب بعشرة أسواط جائز ، ففي غيره ـ ودون العشرة وغير الأسواط إذا كان أخفّ ـ بالطريق الاولى.

وان ذلك لا يسمى مجادلا وقتلا وهو ظاهر.

قوله : وفي قلع الشجرة الكبيرة إلخ .. قد مرّ تحريم قلع شجر الحرم ، ونقل عليه الإجماع في المنتهى وبعض الروايات (٢).

وامّا الكفّارة لما ذكر فما رأيت لها دليلا ، إلّا رواية موسى بن القاسم قال : روى أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام انه قال : إذا كان في دار الرّجل شجرة من شجر الحرم لم ينزع ، فإن أراد نزعها نزعها وكفّر بذبح البقرة (بقرة خ ل) يتصدق بلحمها على المساكين (٣).

وهذه مقطوعة ، مع قصور الدلالة على التفصيل المذكور ، على أنّه قد مرّ جواز قلع الشجرة في منزله ، فكأنّها محمولة على ما كان قبل بناء المنزل كما مرّ ، فإيجاب الكفارة بمثل هذه مشكل جدّا ، ولهذا قال في المنتهى ، وعندي في ذلك توقف ، والرواية مقطوعة.

ثم اعلم انّ هذه من خصوصيات الحرم فالمحلّ والمحرم فيه سواء ، ولهذا قال في المتن : (وان كان محلّا).

وأنّ ظاهر المتن انّ الكفارة المذكورة واجبة مع وجوب إعادة الشجرة الى

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٥ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٢) راجع الوسائل الباب ٨٧ من أبواب تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من أبواب بقيّة كفارات الإحرام الرواية ٣.

٥٨

ولا كفّارة في قلع الحشيش وان أثم وفي الادّهان شاة ولو في الضّرورة ويجوز أكل ما ليس بطيب كالشيرج (١) والسمن.

ولو تعدّدت الأسباب تعدّدت الكفّارة مع الاختلاف.

ولو كرّر الوطي تكرّرت الكفّارة ، ولو كرّر الحلق في وقتين

______________________________________________________

محلّها ، وان جفّت يجب الضمان يعنى قيمتها ، وأنّها غير الكفّارة ، فيجب القيمة والكفارة ويحتمل عدم وجوب شي‌ء من الكفارة على تقدير الجفاف ، فلو نبتت في محلّها لم يجب على القالع شي‌ء حينئذ وعلى الأوّل تجب الكفارة فقط ، فتأمل.

قوله : ولا كفارة في قلع الحشيش وان أثم به إلخ .. دليل الإثم هو التحريم ، وقد مرّ دليله ، ودليل عدم الكفارة الأصل ، مع عدم موجب.

وقد مرّ البحث في وجوب الدّم بالادّهان ولو مع الضرورة ، وأنّ الظاهر هو العدم ، الّا ان يصدق استعمال الطيب المنهي عنه فيجب ما يجب فيه لا غير.

ونقل الإجماع في المنتهى على وجوب الكفارة في الادّهان بالأدهان الطيبة اختيارا ، وتوقف في حال الضرورة.

ودليل جواز أكل الادهان الغير الطيبة هو الأصل ، وعدم المانع ، وقد يشعر التقييد بالأكل بعدم جواز الادّهان الغير الطيّبة أيضا ، وهو الظاهر من إيجابه الشاة في مطلق الادّهان ، ونقل القولان فيه في المنتهى ، والأصل مع عدم دليل المنع ، دليل الجواز.

قوله : ولو تعدّدت إلخ .. قد مرّ ما يفيد توضيح هذا الى آخره ، وانّه لا شك في تعدد الكفارة مع اختلاف أسبابها الموجبة لها مثل الوطي والصيد ، بل مع الاتحاد أيضا مع فهم الاستقلال مثل قتل صيدين والوطي مرّتين واليه.

أشار بقوله : ولو كرّر الوطي تكررت الكفارة بقوله :.

__________________

(١) الشيرج دهن السمسم معرّب الشيرة (مجمع البحرين)

٥٩

تكرّرت ، لا في وقت واحد ، ولو كرّر اللبس أو الطّيب في مجلس فواحدة ، ولو تعدّد المجلس تعدّدت.

وتسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون ، إلّا في الصّيد ، فإن الكفارة تجب مع الجهل والنسيان والعمد ، وكلّ من أكل ما لا يحلّ للمحرم ، أو لبس كذلك ، فعليه شاة.

______________________________________________________

ولو كرّر الحلق إلخ يعني لو حلق بعضا من رأسه بحيث صدق عليه الحلق عرفا غدوة مثلا ، ثم حلق كذلك عشيّته ، تكرّرت الكفارة لتكرر موجبها.

ويحتمل التداخل هنا لصدق الحلق ، والكفارة ، فصدق الامتثال والأصل ـ مع عدم نص صريح في كفارة كل حلق كلّا وبعضا بل في حلق الكل للأذى ـ مؤيد جيّد فافهم وقد مرّ البحث في التكرر بتكرّر اللبس وأنّ وحدة المجلس لا يظهر وجهها ، فان الظاهر تعدد الكفارة بتعدد الأجناس مثل العمامة والسراويل مطلقا ، نعم يمكن ان يكون لها مدخليّة مع كون اللبس من جنس واحد مثل القميصين والسراويلين ، وتكون كناية عن كون اللبسين في زمان واحد عرفا.

ويحتمل العدم كما مرّ في الحلق وكذا في الطيب ، وينبغي النظر هنا في الدليل ، فان كان بحيث يفيد الكلّية فيقال بالتعدد ، والا فلا وقد مرّ ، فتأمل.

والظاهر انّ البحث هنا (مع ظ) عدم تخلّل الكفارة.

وقد مرّ دليل سقوط الكفارة عن الجاهل والناسي في غير الصيد ووجوبها فيه مطلقا.

ويمكن استخراج حكم المجنون من الجاهل فإنّه جاهل غير عالم عامد فلا يجب عليه ما لا يجب على الجاهل وكذا الكلام مع الصبي الغير المميّز.

واما المميّز العارف فلا يبعد كون حكمه حكم البالغ ، فان كان عالما عامدا يجب عليه الكفارة بفعل الموجب في غير الصيد بمعنى وجود ما يترتب عليه

٦٠