مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

١
٢

٣

٤

«المطلب السادس في الشفعة»

(وفيه فصلان)

(الأوّل) في الشرائط

إذا باع احد الشريكين حصّته كان للآخر أخذه بما وقع عليه العقد بشروط ثمانية.

______________________________________________________

قوله : «المطلب السادس في الشفعة إلخ» قال في الشرائع : قيل : (١) هي استحقاق أحد الشريكين حصّة شريكه بسبب انتقالها بالبيع أي بالاستحقاق الشرعي الذي ثبت لأحد الشخصين اللذين كانا شريكين في شي‌ء إلى حين انتقال الملك عن أحدهما ، أو المراد الشريك العرفي بسبب انتقال الحصّة من الشريك حين الشركة بالفعل الى غير مستحق ذلك الاستحقاق.

وهذا المعنى واضح من التعريف ويتبادر الى الفهم من غير تقدير وتكلّف ، مع انه تعريف لفظيّ للضبط والاستحضار ليسهل فهم المسائل.

فلا يرد عليه بعض مناقشات شارحه (٢) ، مثل انه ينتقض في طرده بما لو باع أحد الشريكين حصته للآخر.

ولا يحتاج الى الجواب بان الشريك بعد البيع ليس بشريك ، ولا الى دفعه

__________________

(١) هكذا في النسخ التي عندنا من المطبوعة والمخطوطة وهي خمس نسخ ، ولكن ليست لفظة (قيل) في نسخ الشرائع التي رأينا لها.

(٢) يعني صاحب المسالك الشارح للمتن.

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ بأنه شريكه ، بناء على ان صدق المشتق لا يقتضي بقاء مبدئه.

مع ان الجواب غير واضح ، إذ يلزم عدم صدق التعريف حينئذ على المعرّف وهو ظاهر ، والبناء أيضا كذلك ، لأن في العرف لا يحمل الكلام على مثل ما ذكر بحسب اللغة.

على ان المسألة وان كانت ظاهر كلام الأصحاب غير واضحة وتحقيقها في الأصول.

ثم قال : ولا مخلص (١) له إلّا بالتزام كونه مجازا ولا يقول به الأصحاب ، لأنه عندهم حقيقة.

وهذا يدل على كونه مجمعا عليه عندهم وذلك غير واضح ، والمجاز في التعاريف ليس بجيّد.

ثم قال : وعلى هذا فيصدق الشركة بعد القسمة ويلزم ثبوت الشفعة لأحد الشريكين المتقاسمين حصّة الآخر إذا باعها لغيره ، وهم لا يقولون به.

كأنّ في قوله : (لغيره) إشارة الى ما قلناه من ان المراد ، الانتقال الى غير المستحق.

وقد عرفت جوابه من ان المراد بالشريك ما هو ، وبالاستحقاق هو الاستحقاق شرعا ولا استحقاق هنا وذلك لأنه لم يثبت فيما إذا لم يكن دليل شرعيّ على إثباته وهو قائل به ، واما إذا كان ثابتا بالدليل فلا يجب الإخراج ، بل إدخاله.

على انه قد يلتزم ويقال : انه تعريف للمطلق ، فيعلم بعد ذلك ، الصحيح من غيره (٢) بالشرائط.

__________________

(١) عبارة المسالك هكذا : ولا مخلص من ذلك الّا بالتزام كونه حينئذ مجازا كما يقوله بعض الأصوليين ، لكن الأصحاب لا يقولون به (انتهى).

(٢) يعني قد يلتزم بان التعريف شامل لمطلق الشفعة صحيحة وغيرها ، غاية الأمر يعلم خروج مثل مورد الانتقاض المذكور في طرده بعد ذلك بذكر الشرائط.

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال : ويصدق مع تكثر الشركاء إذا كانوا ثلاثة فباع أحدهما لأحد الآخرين فإنه حينئذ يصدق بقاء شريكين قد انتقلت الحصّة المستحقة بالبيع إلى أحدهما من شريكه.

الا ان يقال هنا : ان الشريك لم يستحق حصّة شريكه ، بل بعض حصته ، وهي المنتقلة بالبيع دون باقي حصته ، وهي حصّة الشريك الآخر حيث إن (شريكه) يشمل الشريكين ، بناء على ان المفرد المضاف يفيد العموم فلم يتحقق استحقاقه حصّة شريكه (١) إلخ.

ولا يصدق (٢) ـ وهو ظاهر ـ لان المراد الشريكين (٣) فقط وقت الانتقال ، ولأنّ المراد استحقاق أحدهما فقط لا غير ، وأنّ المراد ، الشريك الذي قاله بقوله (أحد الشريكين) وهو ظاهر متبادر الى الفهم لا يحتاج الى القيد.

فلا يحتاج الى الجواب بقوله : (الا ان يقال إلخ) على تقدير صحّته ، لأنه إذا أريد جميع الحصّة يلزم ان يصدق التعريف على جميع حصّة الشريك إذا باعها لا البعض يعني إذا باع بعض الحصّة دون البعض ، لا يكون الشفعة فيه ، لأنه ليس بجميع الحصّة ، وهو ظاهر ، فالإضافة هنا ليست للعموم ، بل أعم ، والإضافة ليست دائما للعموم ، بل هو مثل التعريف يجري فيها الاقسام وهو مذكور في محلّه ثم قال : ولا مخلص من هذه المضايقات الا بدعوى كون الشريك بعد انتقال حصته ، لم يبق شريكا عرفا ، والاستحقاق بسبب بيع احد الشريكين الآخر لا يتحقق الّا بعد تمام البيع ، ومعه تزول الشركة عرفا وان صدقت لغة (٢) وقد عرفت أنه بعد البيع الى

__________________

(١) الى هنا عبارة المسالك ج ٢ ص ٢٦٩.

(٢) يعني لا يصدق مع تكثر الشركاء الى آخر ما قاله المسالك.

(٣) هكذا في النسخ كلّها ، ولعل الصواب (الشريكان) بالألف والنون.

(٤) وهو قوله قده لان المراد بالشريكين فقط إلخ.

٧

(الأوّل) ان لا يزيد الشركاء على اثنين

______________________________________________________

الغير ، لا يبقى الشريك شريكا فيخرج جميع أفراد المعرّف فلم يبق في التعريف شي‌ء فالمخلص (١) هو مبطل للتعريف فهو سبب لإشكال أعظم ، وقد عرفت المخلص أيضا فافهم وتذكر.

ثم إني أظن عدم مناسبة هذه المضايقات في هذه التعريفات اللفظيّة في الفقه ، التي المقصود منها ، التميز في الجملة ليتذكر فيترتب عليها الأحكام بسهولة ، وانما يحصل التميز بالعلم بالشرائط.

ولكن لمّا تعرض الشارح لأمثالها وظننت فيه ما عرفت فخرجت من مقصود التعليق ، لذلك ، ولدفع الشبهة عن مثل المحقق وغيره.

والا فظني أنّ التوجه الى مثلها والتعرض بالعبارات غير مناسب ، وليس وظيفة الفقيه ، بل ينبغي له ان يبذل جهده في تحقيق المسألة وتحريرها وتوضيحها مع الخفاء ، ودليلها وإثباتها لا غير ، ولهذا ذهلنا عما في المتن من بعض القصور ، لاختصار ، واحتياجه الى حذف وتقدير شي‌ء حتى يظهر المراد ، الله الموفق للصواب والسداد.

فلنشرع في المقصود ، فنقول : دليل ثبوت الشفعة مطلقا هو الإجماع مستندا إلى السنة (٢) ، فلا كلام فيه.

(واما الشرائط) بحيث لا تكون إلا في بعض الموارد الخاصة ففيها الخلاف والكلام (الأول) عدم كون الشركاء أزيد من اثنين أي الشركاء حين البيع والانتقال لما مرّ ، واليه أشار بقوله : (الأوّل ان لا يزيد الشركاء على اثنين إلخ) وهو مذهب أكثر المتأخرين.

__________________

(١) يعني المخلص الذي ذكره المسالك بقوله ره : ولا مخلص من هذه إلخ.

(٢) راجع الوسائل باب ١ (الى) باب ٧ من كتاب الشفعة ج ١٧ ص ٣١٥.

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ودليله الأصل المقرر عقلا ونقلا من الكتاب (١) والسنة (٢) والإجماع وهو عدم جواز التصرف في مال احد بوجه الا بطيب نفس منه ورضاه الا ما أخرجه الدليل ، وقد ثبت جواز إخراج المشفوع من يد المشتري مع الشريكين فقط بالإجماع وبقي الباقي تحت المنع ويدل عليه أيضا الروايات ، مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال في المملوك : يكون بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه : أنا أحق به إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا لقيل (قيل خ) له : في الحيوان شفعة؟ فقال (قال ئل) : لا (٣).

ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما (يقاسما ئل) ، فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة (٤).

وكأنها صحيحة قالها في شرح الشرائع أيضا إذ ليس فيها من فيه الا محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن (٥) ، والظاهر على ما أظن انه لا يضره ذلك لما مرّ وهو ظاهر من كتب الرجال ، ولكن لا ينبغي ان يقول ذلك في شرح الشرائع لأنه يضعّف هذا السند كثيرا ، مع أنها مؤيّدة.

وما في مرسلة يونس (في حديث) : وان زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد

__________________

(١) قال الله تعالى «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» البقرة ١٨٨ والنساء ٢٩ وقوله تعالى : «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ» النساء ٢ وغيرهما من الآيات.

(٢) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٢ رقم ١٨ وص ١١٣ رقم ٣٠٩ وج ٢ ص ٢٤٠ رقم ٦ وج ٣ ص ٤٧٣ رقم ١٣.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من كتاب الشفعة.

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ١ من كتاب الشفعة.

(٥) وسندها كما في باب الشفعة من الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان.

٩

ولو باع بعض حصّته فللآخر ، الشفعة بكمالها

______________________________________________________

منهم (١).

ولعدم دليل صحيح صريح على الزائد ، فيحمل ما يتوهم دلالته ، عليه.

ـ مثل حسنة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السّلام : فلهم الشفعة ـ على الاثنين (٢) فان (لهم) راجع الى الشركاء وهو جمع.

ومثل (القوم) في أخرى له (٣) ، قيل : صحيحة ، وفيه الكاهلي وهو عبد الله بن يحيى (٤) غير مصرّح بتوثيقه ، نعم قيل : انه ممدوح ، فهي حسنة ، فهما في الحقيقة واحدة للانتهاء الى منصور على الاثنين قاله في الاستبصار (٥).

ولانه يصح إطلاق الجمع على الاثنين ، بل على الواحد أيضا كالقوم وان كان مجازا للجمع بين الأدلّة أو على التقية كما في ضعيفة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام : الشفعة على عدد (عدّة خ) الرجال (٦).

مع موافقتها لمذهب العامّة ومخالفتها لما هو المشهور والأكثر رواية وقائلا ، وظاهر الكتاب (٧) والسنة والإجماع من عدم جواز التصرف في مال الغير الا بطيب النفس منه (٨).

قوله : «ولو باع بعض حصته إلخ» يعني لو باع الشريك بعضا من

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٧ ذيل حديث ٢ من كتاب الشفعة ج ١٧ ص ٣٢١.

(٢) الوسائل باب ٤ ذيل حديث ١ من كتاب الشفعة وقوله : (على الاثنين) متعلق بقوله : (فيحمل).

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من كتاب الشفعة ، قال : قلت لأبي عبد الله : دار بين قوم اقتسموها إلخ.

(٤) سندها كما في الكافي ـ باب الشفعة ـ هكذا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم عن الكاهلي ، عن منصور بن حازم.

(٥) الاستبصار ج ٣ باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة ص ١١٧ رقم ٦ ـ ٧.

(٦) الوسائل باب ٧ حديث ٥ من كتاب الشفعة.

(٧) قال الله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» النساء ـ ٢٩.

(٨) تقدم مصدره آنفا.

١٠

ولو مات الشفيع قبل الأخذ فللورثة المطالبة.

ولو عفى أحدهم فللباقي أخذ الجميع أو الترك.

______________________________________________________

حصته فلشريكه أن يأخذ جميع ما باعه لا جميع حصته ، وليس له ان يأخذ البعض من المبيع ويترك البعض ، للزوم التشقيص الممنوع منه عندهم.

وليس للمشتري أيضا منعه من البعض بسبب شركة البائع ، إذ الشفيع لا بدّ ان يكون غير البائع ، وتحقق دليل الشفعة ، معلوم مع عدم المانع.

قوله : «ولو مات الشفيع إلخ» إشارة الى ما أشرنا إليه ، من ان شرط اثنينيّة الشريك انما هو عند الانتقال بالبيع ، فلا يضرّ كثرته بعده.

فلو مات الشفيع قبل أخذه بالشفعة وبعد الاستحقاق وقبل بطلانه فللورثة أن يأخذوا بالشفعة على قدر حصتهم من الإرث وبنسبتها.

ولو ترك بعضهم وعفا لم يسقط حق الباقين ، بل لهم الأخذ ، ولكن أخذ الجميع أو تركه.

وليس لهم أخذ حصّتهم فقط ، للزوم التشقيص والتبعيض الممنوع منه عندهم.

فتأمّل فإن الأصل والاستصحاب يقتضي جواز أخذ الحصّة فقط.

ولعل عدم التبعيض مجمع عليه ، والا فالقول به متوجّه ، أولا قائل به ظاهرا فالعدول عنه مشكل لعدم الشريك.

فيحمل ما ورد في رواية طلحة بن زيد ، عن علي عليه السلام انه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا يشفع في الحدود ـ كأنه المقسوم ـ وقال : لا تورث الشفعة (١) على التقيّة مع ضعف السند بطلحة ، لأنه بتريّ مع اشتراك محمد بن

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من كتاب الشفعة ، ومتن الحديث هكذا : عن طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه عن علي عليهم السلام قال : لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم وقال : ان رسول الله صلّى الله عليه

١١

(الثاني) انتقال الحصّة بالبيع ، فلو انتقلت بالهبة أو بغيرها (غيرها خ) من العقود لم تثبت الشفعة ، سواء تضمّن العقد عوضا أو لا.

______________________________________________________

يحيى (١) أو بعد التأخر (٢) والابطال وغير ذلك ، هذا على القول بعدم البطلان ، وهو قول السيّد ومن تابعه.

وقيل بالبطلان وهو قول الشيخ.

ودليل الطرفين واضح بعد ما تقدم.

ولعل الثاني أظهر ، لما مرّ من أن الأدلّة العقليّة والنقليّة الدالّة على المنع ، ورواية طلحة المتقدّمة مع عدم دليل واضح يفيد ذلك ، إذ شمول آية الإرث (٣) له غير ظاهر ، فتأمل.

قوله : «الثاني انتقال الحصّة إلخ» دليله ما تقدم ، وإجماع الأصحاب المستند الى الاخبار مثل رواية هارون بن حمزة الغنوي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ كأنها حسنة ليزيد بن إسحاق الشعر في سندها ـ قال : سألته عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك وقد يعرض على الجار ، وهو أحقّ بها من غيره؟ فقال : الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن (٤) ، وغيرها.

__________________

وآله قال : لا يشفع في الحدود ، وقال : لا تورث الشفعة وقوله قده : كأنه المقسوم يريد به تعيين حدود مورد الشفعة بين الشركاء.

(١) وسندها كما في التهذيب ـ باب الشفعة ـ هكذا : أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد.

(٢) عطف على قوله قده : (على التقية).

(٣) آيات الإرث أكثرها في أوائل سورة النساء وبعضها في آخرها فلاحظ ، فكأنه قده يريد ان آيات الإرث غير شاملة للحقوق.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ١ من كتاب الشفعة.

١٢

(الثالث) كون المبيع ممّا لا ينقل ولا يحوّل كالأرضين والبساتين والدور ، ولا تثبت فيما ينقل كالأثاث والحيوان على رأي.

______________________________________________________

ونفى في صحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة على بيت في دار له وله في تلك الدار شركاء؟ قال : جائز له ولها ، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها (١) الشفعة (٢).

ولا يضر عدم العموم فيها ، وعدم الصحّة في الأولى ، لأنه مؤيّد لما تقدم.

قوله : «الثالث كون المبيع ممّا لا ينقل إلخ» في هذا الشرط خلاف كثير ، نقل عن بعض عدمه ، فيجوز في كل مبيع ، وعن البعض شرط الّا في العبد والأمة فإنه يجري فيهما وهو خيرة المختلف.

دليل المذكور المشهور بين المتأخرين ، ما أشير إليه من أن الأدلة من العقل والنقل ، كتابا ، وسنة ، وإجماعا دلّت على عدم الجواز ، وخرج ما لا ينقل مطلقا بالإجماع بقي الباقي تحت المنع بالدليل القوي المفيد لليقين.

ويؤيّده ما ورد من نفي الشفعة في السفينة والبئر والطريق في رواية السكوني (٣) وعن الحيوان في رواية سليمان بن خالد (٤).

ورواية عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله بالشفعة بين الشريكين (الشركاء ـ كا يب ئل) في الأرضين والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا ضرار ، وقال : إذا أرّفت الأرف (٥) وحدّت الحدود فلا

__________________

(١) يعني نفي الشفعة في صحيحة أبي بصير ، عن المهر.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٢ من كتاب الشفعة.

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ١ من كتاب الشفعة وفيها : (النهر) بدل (البئر).

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ٦ من كتاب الشفعة.

(٥) الأرف جمع أرفة مثل غرفة وغرف وفي النهاية : ويقال بالثاء المثلثة أيضا وفيه قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله بالشفعة ما لم يؤرف أي ما لم يقسّم المال ويحدّ (مجمع البحرين).

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

شفعة (١).

وما في صحيحة الحلبي (٢) ـ المتقدمة.

وفيها دلالة على وجودها في المملوك ، حملها المصنف في المختلف على العبد والأمة وهو دليله فيه مع رواية عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المملوك بين شركاء فباع أحدهم نصيبه فقال أحدهم : أنا أحقّ به إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا (٣).

ويمكن ان يقال : (المملوك) عامّ ، وما تقدم ـ من نفي الشفعة في الحيوان والبئر (٤) والطريق والسفينة ـ خاصّ (فيقيّد المملوك) بغيرها.

بل الظاهر عدم القائل بغير هذه الأربعة ، فيمكن حمل المملوك على المملوك الذي لا ينقل كما مرّ ، فان المملوك ليس بصريح في العبد والأمة ، مع قلّة القائل به ، وما تقدم ، على ان مذهب (لمذهب خ) المختلف وجه ، لصحّة هذه الرواية.

وحمل الشيخ منع الشفعة ـ في الحيوان فيها ـ على ان يكون الشركاء أكثر من اثنين لثبوتها فيه في رواية يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أيّ شي‌ء هي؟ ، ولمن تصلح؟ وهل يكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال : الشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره ، وان زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم (٥) ، وهذه الرواية دليل

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الشفعة.

(٢) تقدمت آنفا وراجع الوسائل باب ٧ حديث ٣ من كتاب الشفعة.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من كتاب الشفعة.

(٤) قد عرفت ان في الوسائل (النهر) بدل (البئر).

(٥) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من كتاب الشفعة.

١٤

وتثبت في النخل والشجر والبناء تبعا للأرض لا في الثمرة وان كانت على الأصل وبيعا معا.

______________________________________________________

ذلك المعمّم.

وأنت تعلم عدم صحّة السند للإرسال والقطع الى يونس مع جهالة حاله ، ومثلها لا يعارض ما تقدم ، ويمكن حملها على التقيّة أيضا ، فالعموم لا وجه له ، والتأويل المذكور بعيد لعدم مناسبة التخصيص ، إذ لا شفعة مع الكثرة في الحيوان وغيره ، على انه لا يمكن في صحيحة الحلبي المتقدمة لأنه نفاها عن الحيوان مع التقييد بالواحد فيها ، نعم لمذهب المختلف وجه بتخصيص الحيوان في صحيحة الحلبي (١) بغير العبد والأمة وتقييدها بالشريكين فقط لما مرّ.

ولصحيحة عبد الله بن سنان ـ في الفقيه ـ قال : سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه؟ قال : يبيعه ، قال : قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم على البيع ، قال له شريكه : أعطني قال : هو أحق به ثم قال عليه السلام : لا شفعة في الحيوان الا ان يكون الشريك (فيه ئل) رقبة واحدة (واحدا ئل) (٢).

والقول بالعموم في الحيوان ، وتقييد ما في رواية الحلبي بأكثر من اثنين ليس بجيّد لما تقدم ، ولعدم صراحة هذه في العموم فافهم.

فقوله : (على رأي) يمكن كونه إشارة إلى خلاف المعمّم ، وخلاف المختلف.

قوله : «وتثبت في النخل إلخ» ثبوتها في المذكورات ـ تبعا للأرض التي هي فيها ـ غير بعيد لحكم العرف بالتبعيّة ، فإنها كالجزء وداخلة في البستان.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من كتاب الشفعة.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٧ من كتاب الشفعة.

١٥

(الرابع) ان يكون المبيع ممّا يصح قسمته ، فلا شفعة فيما لا يصحّ قسمته كالحمّامات والدكاكين الضيقة والطرق الضيّقة على رأي.

______________________________________________________

ولان المسكن في بعض الاخبار (١) يشمل الابنية والحيطان.

وكذا الدور (٢) والربع (٣) في رواية العامة ، ويمكن عدم الخلاف فيه أيضا.

بخلاف الثمرة ، فإنها أصل برأسها لا تدخل في بيع النخل فيسقط قسط الثمرة ـ إذا بيعت مع النخل ـ عن الثمن ويأخذ غيرها بباقيه ، وطريق التقسيط واضح ، وقد تقدم.

قوله : «الرابع ان يكون إلخ» هذا شرط عند أكثر علمائنا ويمكن الاستدلال عليه بما تقدم من ان الدليل قائم على العدم ، خرج المنقسم بالإجماع وبعض الاخبار (٤) ، يبقى الغير تحته مع عدم دليل صحيح صريح يفيد العموم.

ويؤيّده ما قال في الكافي ـ بعد مرسلة يونس ـ : وروى أيضا الشفعة لا تكون إلّا في الأرضين والدور فقط (٥).

والوقوف ، مع الدليل الأوّل ، والشهرة غير بعيدة اختاره المصنف بقوله : (على رأي) مشيرا الى الخلاف.

واستدل في التذكرة برواية السكوني المتقدمة : لا شفعة في السفينة ، ولا في

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الشفعة.

(٢) سنن أبي داود ج ٣ ، باب الشفعة ص ٢٨٦ مسندا عن سمرة عن النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلم قال : جار الدار أحقّ بدار الجار أو الأرض.

(٣) سنن أبي داود ج ٣ ص ٢٨٥ ـ باب الشفعة ـ طبع مصر مسندا عن جابر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله الشفعة في كل شرك ربعة أو حائط لا يصلح ان يبيع حتى يؤذن شريكه ، فان باع فهو أحقّ به حتى يؤذنه.

(٤) راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الشفعة.

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من كتاب الشفعة.

١٦

ولو كان الطريق والنهر ممّا لا يتضرر صاحبه بالقسمة تثبت الشفعة.

______________________________________________________

البئر ولا في الطريق (١) ، وليس المراد في الأخيرين مع السعة أيضا بالاتفاق فيكون مع الضيق.

وبأنّ تجويز الشفعة في الأوّل ليس بمضرّ للبائع وان كان ، فهو فعله بنفسه ، لعدم القسمة ثم البيع مع قدرته عليه ، بخلاف الثاني فإنه لم يقدر على القسمة ، فلو جوّز الشفعة يمكن ان لا يرغب أحد في الشراء فتأمّل فيهما.

وقال أيضا في التذكرة : قيل : المراد بالمنقسم ما يتجزّأ وينقسم وينتفع باجزائه الانتفاع المطلوب منه في حال عدم القسمة كقسمة الحمّام الكبير بحيث يصير حمّامين ، ولا عبرة بوجود الانتفاع من وجه آخر ، وقيل : ما لا ينقص قيمته نقصانا فاحشا ، وقيل : انه الذي يبقى منتفعا به بعد القسمة بوجه مّا ، فاما ما يخرج عن الانتفاع بالكلّية فهو لا ينقسم (٢).

وما رجح (٣) شيئا ، وهو هنا ضروري حيث علم الاشتراط.

والأوسط غير بعيد ، لأنّ الضرر العرفي منفيّ عقلا وشرعا.

وكأنه إليه أشار في المتن بقوله : ممّا لا يتضرّر صاحبه بالقسمة إلخ.

ولعل مراده بالمبيع في قوله : (ان يكون المبيع ممّا يصح قسمته) الحصّة المبيعة مع الغير المبيعة أي الجميع والكل ، تسمية للكل بوصف الجزء أو يريد بتقسيمه افراده وتمييزه وحده عن الباقي ، وهو الأظهر والأقرب.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من كتاب الشفعة وفيه : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق وزاد بطريق الصدوق : ولا في رحى ولا في حمّام.

(٢) الى هنا عبارة التذكرة نقلا بالمعنى وقد لخّصها الشارح قده فراجع أوائل بحث الشفعة منها.

(٣) يعني ما رجح العلامة شيئا من هذه الأقوال والحال أنّ الترجيح هنا ضروريّ إلخ.

١٧

(الخامس) ان يكون البائع شريكا بالجزء المشاع فلو قسم وباع فلا شفعة.

نعم تثبت بالشركة في النهر والطريق والساقية وان تميّز بالقسمة.

______________________________________________________

قوله : «الخامس ان يكون إلخ» دليله ما تقدم من الدليل العام والروايات.

مع رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام : إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة (١) ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : الشفعة لا تكون الا لشريك لم يقاسم (٢).

ولا يضرّ عدم صحّة سند الروايات لان الدليل العام كاف.

قوله : «نعم تثبت إلخ» يعني لو كان الدور والأرض منقسمة ، ويكون الشركة في طريقها أو نهرها تثبت الشفعة في الكلّ بسبب تلك الشركة إذا كان البيع واقعا على جميع الحصّة بين الدار والأرض مع الطريق والنهر.

والظاهر أن ليس كون المشترك مثل الطريق والنهر والساقية هنا ، قابلا للقسمة بشرطه ، إذ الشفعة ليست فيها فقط ، بل في الدار والأرض وهما قابلان لها ، وانما تكون فيهما بالتبع وان سبب دخول الشفعة فيها شركتها.

ومن هذه الجهة يمكن الاشتراط ، ودليله عامّ.

وهو رواية منصور بن حازم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : دار بين قوم اقتسموها فأخذ كلّ منهم قطعة فبناها وتركوا بينهم ساحة ، فيها ممرّهم ، فجاء

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من كتاب الشفعة.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٦ من كتاب الشفعة وفيه ، عن أبي العباس وعبد الرحمن بن أبي عبد الله جميعا قالا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول إلخ.

١٨

(السادس) قدرة الشفيع على الثمن ، فلو كان عاجزا عنه بطلت شفعته.

______________________________________________________

رجل فاشترى نصيب بعضهم إله ذلك؟ قال : نعم ولكن يسدّ بابه ويفتح بابا الى الطريق أو ينزل من فوق البيت ويسدّ بابه ، وان (فان ئل) أراد صاحب الطريق بيعه فإنهم أحقّ به والا فهو طريقه يجي‌ء (حتى ئل) يجلس على ذلك الباب (١).

قال في التذكرة : انها صحيحة ، وفيها تأمل لوجود الكاهلي (٢) في الطريق وما صرّح بتوثيقه ، بل مدح وكان شيعة فهي حسنة.

ودلالتها أيضا غير واضحة ، بل يدل على ثبوت الشفعة في الطريق فكأنه ، نزلت على بيع الطريق مع الدار أو على سعتها.

نعم يدل على المطلوب حسنته أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة الدار ، فباع بعضهم منزله من رجل ، هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : إن كان باع الدار و (ما يب) حول بابها الى الطريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وان باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة (٣).

وهما اللتان استدلّ بهما على الشفعة لأكثر من واحد فقد مرّ جوابه فتأمّل.

قوله : «السادس قدرة الشفيع إلخ» دليل اشتراط القدرة في الشفعة على الثمن ـ ولو بالقرض وبيع شي‌ء آخر وسقوطها مع العجز ـ يمكن ان يكون إجماعا.

وانها خلاف الأصل خرج الباذل الغير المماطل بالإجماع ، بقي الغير تحت المنع.

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من كتاب الشفعة.

(٢) وسندها ـ كما في الكافي ـ باب الشفعة ـ هكذا. محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الكاهلي ، عن منصور بن حازم.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ١ من كتاب الشفعة.

١٩

وكذا لو ما طل أو هرب.

ولو ادعى غيبة الثمن أجّل ثلاثة أيام فتبطل ان لم يحضره فيها ، ولو ذكر غيبته في بلد آخر أجّل قدر وصوله اليه وثلاثة أيّام ما لم يتضرر المشتري.

______________________________________________________

والضرر على المشتري أو البائع ، المنفيّ عقلا ونقلا.

وكذا دليل البطلان بالمماطلة مع الوجدان ، فإنه كالعجز ، بل أقبح.

وكذا الهرب بعد البيع لئلّا يعطي الثمن معها.

ولكن ينبغي ان يكون المراد بالمماطلة والعجز ، الى وقت يضرّ بحال المشتري أو البائع عرفا ، الصبر اليه ولو كان قليلا.

ويؤيّده جواز الصبر ثلاثة أيام مع دعوى غيبة الثمن ، وصبر الثلاثة أيّام بعد مدّة الرواح الى بلد الثمن ومجيئه لو ادّعى كونه في بلد آخر غائب بشرط عدم تضرّر المشتري بذلك.

ودليل ذلك ـ بعد الشهرة التي كادت ان تكون إجماعا حيث لم يظهر المخالف ـ رواية علي بن مهزيار ، قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أن يحضر المال ، فلم ينضّ فكيف يصنع صاحب الأرض ان أراد بيعها؟ أيبيعها أو ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : ان كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام ، فإن أتاه بالمال والا فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وان طلب الأجل الى أن يحمل المال من بلد الى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل الى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم ، فان وافاه ، والا فلا شفعة ـ له (١).

ولكن ظاهر الرواية غير مقيّد بعدم الضرر ، وانها ظاهرة في كونها قبل

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من كتاب الشفعة.

٢٠