إرادتان إرادة استعماليّة وإرادة جدّيّة ، ففي الكنايات إذا قيل مثلاً « زيد كثير الرماد » نرى بوضوح وجود إرادتين لأنّ كلّ واحد من لفظي « زيد » و « كثير الرماد » استعمل في معناه الحقيقي بلا شكّ ، لكنّه لم يردّه المتكلّم جدّاً كما هو المفروض ، بل المراد الجدّي منهما هو سخاوة زيد ، فالإرادة الاستعماليّة تعلّقت بما وضع له اللفظ واستعمل فيه ، والإرادة الجدّية تعلّقت بشيء آخر خارج عن دائرة الوضع والاستعمال ، وهو سخاوة زيد ، فتخالف الإرادتان وإفترقتا ، وكذلك في الأوامر الإمتحانيّة ، لأنّ الطلب الظاهري فيها تعلّق بذبح إسماعيل مثلاً في قصّة إبراهيم عليهالسلام ، لكن المراد الجدّي فيها هو إمتحان إبراهيم عليهالسلام كما لا يخفى.
وبالجملة ، إنّ هيهنا ثلاث نكات لابدّ من الالتفات إليها والتوجّه بها :
الاولى : إنّ الأصل الأوّلي العقلائي اللفظي في باب الألفاظ هو تطابق الإرادتين وقد سمّي هذا بأصالة الجدّ ، ولا إشكال فيه.
الثانية : إنّه لا تختلف الإرادتان إلاّلنكتة وداعٍ يدعو إليه.
الثالثة : إنّ المدار في الحقيقة والمجاز هو الإرادة الاستعماليّة لا الجدّية ، ولذلك يعدّ الاستعمال في الكنايات استعمالاً حقيقياً ، لأنّ الإرادة الاستعماليّة فيها تتعلّق بالمعنى الموضوع له كما مرّ ، والتصرّف إنّما وقع في الإرادة الجدّية ، وهذا هو الفرق بينها وبين المجازات بناءً على مذاق المشهور من أنّ المجاز إنّما هو في الكلمة لا في الأمر العقلي الذي هو المختار.
إذا عرفت هذا فاعلم : قد ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى كون العام حقيقة في الباقي مطلقاً سواء كان المخصّص متّصلاً أم منفصلاً ، أمّا في المتّصل فاستدلّ بأنّه إذا كان المخصّص متّصلاً بالعام تستعمل أداة العموم حينئذٍ فيما هو معناها الحقيقي من استغراق تمام أفراد المدخول ، غاية الأمر إنّ دائرة المدخول مضيّقة من جهة التقييد ، فلا يتحقّق إخراج بالنسبة إلى أداة العام لكي نبحث في أنّه هل هو حقيقة في الباقي أو لا؟
وأمّا في المنفصل فاستدلّ بأنّه وإن تحقّق فيه الإخراج بالنسبة إلى أداة العام إلاّ أنّ ظهورها في العموم يكون دليلاً على استعمالها في العموم لا في الخصوص ، أي تعلّقت الإرادة الاستعماليّة بالعموم ، ويكون الخاصّ قرينة على إرادة الخصوص لبّاً وجدّاً ، وما تعلّقت بالخصوص إنّما هو الإرادة الجدّية فقط ، والمدار في الحقيقة والمجاز هو الإرادة الاستعماليّة لا الجدّية ( انتهى ).
وأورد عليه المحقّق النائيني رحمهالله : بأنّ « الإرادة الاستعماليّة إن اريد بها إرادة إيجاد المعنى