والجواب عنه واضح ، وهو ما مرّ من كفاية الكتاب والسنّة ( مع ملاحظة الرّوايات المروية من طرق أهل البيت عليهمالسلام ).
فقد ظهر إلى هنا أنّه إذا كان الاستحسان قطعيّاً فلا إشكال في حجّيته من باب كونها ذاتيّة للقطع ، وإذا كان ظنّياً يكون مشمولاً لأدلّة عدم حجّية الظنّ ، وكلّ واحد من الأدلّة الأربعة التي استدلّ بها لإثبات الحجّية له غير تامّ.
وأمّا دليل النافين فهي أدلّة عدم حجّية مطلق الظنّ كما أشرنا إليه آنفاً ، لكن حكي عن الشافعي دليلاً لنفيه وهو أنّه لو قال المفتي فيما لا نصّ فيه ولا قياس : « استحسن » فلا بدّ أن يزعم جواز استحسان خلافه لغيره ، فيفتي كلّ حاكم في بلد ومفت بما يستحسن ، فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا فإن كان هذا جائزاً فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاؤوا ، وإن كان ضيّقاً فلا يجوز أن يدخلوا فيه.
وقد يقال في الردّ عليه : أنّ مثل هذا الكلام غريب على الفنّ لانتهائه ـ لو تمّ ـ إلى حصر الاجتهاد مطلقاً مهما كانت مصادره ، لأنّ الاختلاف واقع في الاستنباط منها إلاّنادراً ولا خصوصيّة للاستحسان في ذلك (١).
لكن الإنصاف أنّه فرق بين الاستحسان وغيره لأنّه في غيره يوجد ضوابط معيّنة من شأنها أن تقلّل وقوع الاختلاف ، بخلاف الاستحسان الذي لا ضابطة محدّدة فيه.
بقي هنا شيء :
وهو أنّ للاستحسان في كلماتهم معانٍ اخرى غير ما ذكر وقد ذكرها في شرح فواتح الرحموت :
منها : أنّ القياس إمّا جلي أو خفي ، والثاني هو الاستحسان كقياس بعضهم سؤر الطيور
__________________
(١) الاصول العامّة ، للفقه المقارن : ص ٣٧٦.