المقام الثالث : ثبوت الملازمة
بين حكم العقل وحكم الشرع
وهي « أنّه كلّما
حكم به العقل حكم به الشرع » فقبل الورود في البحث عنها لابدّ من تفسير كلمة الحكم
الوارد في الجملتين فنقول
: إنّه فرق بين
الحكم في قولنا : « حكم به العقل » والحكم في قولنا : « حكم به الشرع » حيث إن
الحكم الأوّل معناه إدراك العقل لا إنشائه وجعله لأنّ إنشاء التكليف من شأن المولى
( نعم للعقلاء بناءات واعتبارات وقوانين إنشائيّة في دائرة أحكامهم العقلائيّة وهي
في الحقيقة من سنخ إنشاءات الموالي بالنسبة إلى العبيد ).
وأمّا الحكم
الثاني ، فليس هو بمعنى الإدراك بل هو بمعنى التشريع والتقنين لكون الشارع مولى
الموالي والناس جميعهم عباده ، هذه
نكتة.
والنكتة
الثانية : أنّ قضيّة الأصل
في هذا العنوان ( أي قضية كلّما حكم به العقل ، حكم به الشرع ) مخالف للعكس ( وهي
كلّما حكم به الشرع حكم به العقل ) فإنّ الأولى قضية مطلقة والثانية مشروطة ،
لأنّها مشروطة بأن يدرك العقل من جانب الشارع فلسفة الحكم من المصلحة والمفسدة ثمّ
يحكم بحسنه أو قبحه فتكون قضية العكس هكذا : « كلّما حكم به الشرع ، حكم به العقل
لو اطلع على حكمة حكم الشرع ».
الأقوال في المسألة :
في المسألة أقوال
أربعة :
أحدها
: أنّ الملازمة
ثابتة من جانب الأصل والعكس معاً.
ثانيها
: قول الأشاعرة وهو
إنكار الملازمة مطلقاً.
ثالثها
: قول صاحب الفصول من
أنّ الملازمة ثابتة بين حسن التكليف بفعل أو قبحه وبين حكم الشارع ، لا بين حسن
الفعل ( المكلّف به ) أو قبحه وبين حكم الشرع.
رابعها
: التفصيل بين ما
إذا تطابقت آراء العقلاء على حسن فعل أو قبحه وبين ما إذا لم تتطابق آراؤهم عليه ،
والملازمة ثابتة في الصورة الاولى لا الثانية ( ويستفاد هذا من تضاعيف ما ذكره في
اصول الفقه ) .
__________________