الآية وبملاك يستفاد منها ، وهو أنّ تحصيل العلم والتفقّه في الدين واجب كفائي ( كما أنّ الجهاد واجب كفائي والنفر مقدّمة له ) فالرواية تقول حينئذٍ : إذا كان التعلّم واجباً ووجب امتثال هذا الوجوب فلا فرق بين الإقامة والخروج لأجل تحقّق الامتثال ، ولا يخفى أنّ هذا لا ينافي التفسير الأوّل وكون النفر بمعنى النفر إلى الجهاد ، هذا أوّلاً.
وثانياً : غاية ما تقتضيه هذه الرّوايات كونها قرينة على أنّ النفر في الآية استعمل في النفر إلى الجهاد والنفر إلى التفقّه معاً ، أي أنّه استعمل في أكثر من معنى ، وهو جائز على المختار عند وجود القرينة أو استعمل في معنى جامع بينهما.
هذا كلّه في تفسير الآية ، أي المقام الأوّل من البحث ، وستعرف إن شاء الله أنّ الاختلاف في هذا المقام ليس له أثر كثير في ما نحن بصدده.
أمّا المقام الثاني : فهو في كيفية الاستدلال بهذه الآية لحجّية خبر الواحد ...
فنقول : الاستدلال بها يكون منّا يقوم على أساس دلالة قوله تعالى : « لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » على وجوب الحذر عند إنذار المتفقّه في الدين مطلقاً سواء حصل منه العلم أو لا ، وهو معنى حجّية خبر الواحد تعبّداً.
وأمّا كيفية دلالة كلمة « لعلّ » على الوجوب فهي من وجوه شتّى :
الوجه الأول : أن يقال : إنّ كلمة « لعلّ » وإن كانت مستعملة في معناها الحقيقي ، وهو إنشاء الترجّي حتّى فيما إذا وقعت في كلامه تعالى ، ولكن بما أن الداعي إلى الترجّي يستحيل في حقّه تعالى لأنّ منشأه عبارة عن الجهل والعجز فلا محالة تكون مستعملة بداعي طلب الحذر ، وإذا ثبت كون الحذر مطلوباً ثبت وجوبه لأنّه لا معنى لحسن الحذر ورجحانه بدون وجوبه ، فإنّ المقتضي للحذر إن كان موجوداً فقد وجب الحذر وإلاّ فلا يحسن من أصله.
أقول : إنّ هذا الوجه تامّ إلاّمن ناحية ما ذكر في مقدّمته من استحالة الترجّي في حقّه تعالى لأنّ المأخوذ في مادّة الترجّي هو الحاجة إلى شرائط غير حاصلة ، وعدم حصول الشرائط تارةً يكون من جانب المتكلّم وهو الله تعالى في الآية ، واخرى من ناحية المخاطب وهو الناس فيها ، ففي ما نحن فيه وإن كانت الشرائط حاصلة من جانبه تعالى إلاّ أنّها غير حاصلة من جانب الناس ، فاستعملت « لعلّ » في معناها الحقيقي.
وعلى كلّ حال يستفاد من كلمة « لعلّ » في الآية مطلوبيّة الحذر ( وهي مساوقة مع