تامّ ، إذ التبيّن عبارة عن الاستيضاح واستكشاف صدق الخبر ، وهو تارةً يكون بالوجدان ، واخرى بالتعبّد ، وإن فتوى المشهور لا تكون حجّة فليس هناك تبيّن وجداني ولا تبيّن تعبّدي يوجب حجّية خبر الفاسق.
هذا كلّه بالنسبة إلى الكبرى ( وهي : أنّ عمل المشهور موجب لانجبار ضعف الخبر أو لا؟ ).
وأمّا الصغرى ( وهي استناد المشهور إلى الخبر الضعيف في مقام العمل والفتوى ) فإثباتها أشكل ، لأنّ القدماء لم يتعرّضوا للاستدلال في كتبهم ليعلم استنادهم إلى الخبر الضعيف ، وإنّما المذكور فيها مجرّد الفتوى ، فمن أين نستكشف عمل قدماء الأصحاب بخبر ضعيف واستنادهم إليه ، فإنّ مجرّد مطابقة الفتوى لخبر ضعيف لا يدلّ على أنّهم إستندوا في هذه الفتوى إلى هذا الخبر إذ يحتمل كون الدليل عندهم غيره » (١). ( انتهى ).
أقول : الإنصاف تماميّة الكبرى والصغرى معاً ، أمّا تماميّة الكبرى فليست لأجل آية النبأ بل لوجود ملاك حجّية خبر الواحد هنا ، وهو حصول الوثوق بصدور الرّواية عن المعصوم عليهالسلام وإن لم تكن رواتها موثوقين فإنّ عمل مشهور القدماء برواية واستنادهم إليها يوجب الاطمئنان والوثوق بصدورها.
وأمّا قوله : « أنّه ضمّ للعدم إلى العدم ».
ففيه : أنّه ليس كذلك ، لأنّ ضمّ احتمال إلى احتمال آخر يوجب شدّة الاحتمال ، وتراكم الاحتمالات توجب قوّة الظنّ ، حتّى أنّه قد ينتهي إلى حصول اليقين ، وإلاّ يلزم من ذلك عدم حجّية الخبر المتواتر أيضاً لأنّه أيضاً ضمّ لا حجّة إلى لا حجّة ، هذا بالنسبة إلى الكبرى.
وكذلك الصغرى ، لأنّه وإن لم يستند الأصحاب في فتواهم إلى الرّواية مباشرة ولكن إذا ذكرت الرّواية في كتب مشهورة معتبرة ، وكانت بمرأى ومنظر الأصحاب وكان عملهم موافقاً لمضمونها ، فإنّ ظاهر الحال يقتضي استناد فتواهم إليها.
وإن شئت قلت : يحصل الوثوق والاطمئنان إجمالاً بأنّ فتواهم إمّا مستندة إلى هذه الرّواية أو ما في معناها ، وعلى أي حال يحصل الوثوق إجمالاً بصدور هذا المعنى من الإمام عليهالسلام فنأخذ به ويكون حجّة.
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٢٠٢.