كما أنّ من تأمّل في محتوى هذه السورة وكان له أنس مع سياق آيات القرآن الكريم يرى تعبية ما يقرب من ثلاثين آية من آيات الكتاب الكريم ضمنها بدون تناسب ولا تلائم بينها وبين بقية آيات السورة ممّا يشير إلى أنّه أضافها إليها.
ومنها : ما رواه سعد بن عبدالله القمّي رحمهالله قال : « وقرأ أحد سورة الحمد على أبي عبدالله فردّ عليه وقال : اقرأ : صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالّين » (١).
منها : ما رواه سعد بن عبدالله القمّي قال : وقوله تعالى في سورة عمّ يتساءلون : ( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ) إنّما هو : « ياليتني كنت ترابيّاً » وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كنّى أمير المؤمنين عليهالسلام بأبي تراب (٢).
هذه هي الطائفة الاولى من الرّوايات التي استدلّ بها على التحريف ، وهي روايات لا تعقل صحّتها ولا شكّ في كونها مجعولة مدسوسة.
أمّا رواية الاحتجاج وما نقلناه من كتاب دبستان المذاهب فقد مرّ الجواب عنهما ، وأمّا رواية ما قبل الأخيرة فلأنّ سورة الحمد لا تزال تقرأ بين المسلمين من أي فرقة كانوا ليلاً ونهاراً وفي كلّ زمان ومكان ، ولا أقلّ من قراءتها في كلّ يوم عشر مرّات في صلواتهم ، فكيف يتصوّر تحريفها بما ذكر في هذه الرّواية؟ وكذلك رواية ابي بن كعب بالنسبة إلى سورة الأحزاب ، لأنّه لا يعقل حذف هذا المقدار الكثير من سورة واحدة مع شدّة اهتمام المسلمين بها وحفظهم لها.
وأمّا رواية سعد بن عبدالله القمّي بالنسبة إلى قوله : « ياليتني كنت تراباً » فلأنّ بيان هذا المعنى بتلك العبارة ركيك جدّاً لا يلائم فصاحة القرآن وبلاغته.
تبقى الرّوايات الدالّة على حذف آلاف من الآيات فالجواب عنها :
أوّلاً : ما مرّ من أنّه لا يعقل إسقاط عشرة آلاف بل أكثر من الآيات مع اهتمام كثير بحفظها وجمعها وتلاوتها ليلاً ونهاراً ، ولا يتفوّه بذلك عاقل.
وثانياً : ما يتمّ بيانه في ترجمة راوي بعض هذه الرّوايات وموقف كتاب فصل الخطاب :
أمّا الراوي فهو أحمد بن محمّد السياري الذي نقل كثيراً من الرّوايات الواردة في كتاب
__________________
(١) فصل الخطاب : الدليل الثاني عشر سورة الفاتحة.
(٢) المصدر السابق : الدليل الثاني عشر سورة النبأ.