ومنها : ما رواه حبيب قال : قال لنا أبو عبدالله عليهالسلام : « ما أحد أحبّ إليّ منكم إنّ الناس سلكوا سبلاً شتّى منهم من أخذ بهواه ومنهم من أخذ برأيه وإنّكم أخذتم بأمر له أصل » (١).
ومنها : ما روي عن أبي محمّد الحسن بن علي عليهالسلام أنّه سئل عن كتب بني فضّال ، فقال : « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا » (٢).
والجواب عنها : أنّها خارجة عن محلّ النزاع أي القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة بل هي ناظرة إمّا إلى الآراء والقياسات الظنّية كما تشهد عليه ما مرّ من رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر عليهالسلام حيث ورد فيها : « ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادّ الله ففسّر الرأي فيها بما لا يعلم ».
أضف إلى ذلك أنّ من لاحظ تاريخ فقه العامّة يرى أنّهم كانوا يعتقدون في الفقه بخلأ فقهي ( خلافاً لما ذهب إليه علمائنا أجمع ، فيتوهّمون أنّ هناك مسائل لم يبيّن حكمها في الكتاب والسنّة ولم يرد فيه نصّ ويعبّرون عنها بما لا نصّ فيه ) ولعدم جريان البراءة فيها عندهم يتمسّكون أوّلاً بذيل القياس إن وجدوا لها شبيهاً ونظيراً في الفقه وإلاّ يلتجأون إلى الاستحسان والاجتهاد بمعنى جعل القوانين وفقاً لآرائهم ، وهذا هو المقصود من الرأي الوارد في هذه الطائفة من الرّوايات فهي ناظرة إلى هذا المعنى بحسب الحقيقة ، وفي ضوء هذه النكتة التاريخيّة يتّضح المراد من هذه الأخبار.
وإن شئت قلت : هذا الإرتكاز الذهني المتداول بينهم يكون بمنزلة قرينة لبّية لتعيين المراد من الرأي الوارد في هذه الطائفة.
ويشهد عليه أيضاً ترادف الآراء بالمقاييس في لسان الرّوايات ، فمن المسلّم أنّ المقصود من القياس ليس هو قياس الأولويّة الذي يكون قطعيّاً بل المراد منه القياس الظنّي ، فليكن مترادفها أيضاً كذلك.
ومن هنا يظهر أيضاً أنّ المراد من التعبير بالاجتهاد الوارد في الرّوايات هو نفس العمل بالرأي والظنّ ، لا تطبيق الاصول على الفروع.
وأمّا أن تكون ناظرة إلى مقابلتهم الأئمّة والاستغناء عن مسألتهم ، وله أيضاً شواهد : منها
__________________
(١) وسائل الشيعة : ح ٣١ ، الباب ٦ ، من ابواب صفات القاضي.
(٢) المصدر السابق : ح ١٣ ، الباب ١١ ، من ابواب صفات القاضي.