البالغ الذي وضع عليه القلم إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري متعلّق به أو بمقلّديه فأمّا أن يحصل له القطع به أو لا ، وعلى الثاني لا بدّ من انتهائه إلى ما استقلّ به العقل من أتباع الظنّ لو حصل له ، وقد تمّت مقدّمات الانسداد على تقدير الحكومة ، وإلاّ فالرجوع إلى الاصول العقليّة من البراءة والاشتغال والتخيير على تفصيل يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى ... إلى أن قال : وكذلك عدلنا عمّا في رسالة شيخنا العلاّمة أعلى الله مقامه من تثليث الأقسام ».
أقول : الإنصاف أنّ البحث انحرف عن مسيره الأصلي فالمقصود في هذا التقسيم بيان ممثّل لمباحث الكتاب وتنظيم جدول لأبوابه ، وبما أن مباحثه على ثلاثة أبواب حتّى عند المحقّق الخراساني رحمهالله في مقام العمل حيث جعلها على ثلاثة مقاصد أيضاً : مقصد القطع ومقصد الظنّ ومقصد الشكّ ، فالأولى ما ذهب إليه الشيخ الأعظم رحمهالله لأنّه ينطبق على مقاصد الكتاب ويتناسب مع الترتيب الملحوظ فيها.
أضف إلى ذلك أنّ المهمّ في المقام هو الحالات الواقعيّة للمكلّف الطارئة عليه في الخارج ، وأن يتداخل بعضها مع بعض آخر في الحكم ، ولا يخفى أنّ الحالات العارضة على المكلّف ثلاثة : القطع والظنّ والشكّ ، فليكن المتّبع حينئذٍ هو التثليث ، كما أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله اكتفى بالتثنية في خصوص مقام التقسيم ، وأمّا في مقام البيان فعدل إلى ما عدل عنه وكرّ إلى ما فرّ عنه ، ومشى على أساس الحالات الثلاثة لا أحكامها ، وعليه فالإشكال الثالث على تقسيم شيخنا العلاّمة رحمهالله وهو إشكال التثليث غير وارد. هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّ الحكم الظاهري يكون في طول الحكم الواقعي ، فإن الموضوع فيه هو الجهل بالحكم الواقعي والشكّ فيه ، وحينئذٍ لا يصحّ جعلهما في عرض واحد ، وعلى هذا يندفع إشكاله الأوّل وهو خروج الأحكام الظاهريّة عن قسم القطع.
ثالثاً : أنّ المقصود من المكلّف في كلام الشيخ الأعظم هو من وضع عليه قلم التكليف لا خصوص من تنجّز عليه التكليف كي لا يصحّ جعله مقسّماً ، وبعبارة اخرى : المراد من المكلّف هو المكلّف الشأني أي الذي من شأنه التكليف لا المكلّف الفعلي الذي تنجّز عليه التكليف كي نحتاج إلى تقييده بقيد الفعلي كما فعله المحقّق الخراساني رحمهالله.
وأمّا الإشكال الثاني فهو مدفوع بإطلاق قوله « المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي » حيث إن إطلاقه يعمّ ما يتعلّق بالمكلّف نفسه وما يتعلّق بمقلّديه.