وكالتقيّة لحفظ النفس أو المال أو غيرهما في الأوامر الشرعيّة ، وحينئذٍ يجوز النسخ قبل العمل بلا ريب كما لا يخفى.
هذا كلّه في المسألة الاولى من المسائل الثلاثة ، وهي جواز النسخ قبل العمل وعدمه.
المسألة الثانية : وهي تأخير البيان عن وقت الحاجة فالوجه في عدم جوازه يمكن أن يكون واحداً من الثلاثة :
أحدها : الإلقاء في المفسدة كما إذا قال : أكرم العلماء ، ولم يستثن زيداً العالم مع أنّه كان خارجاً عن حكم الإكرام عنده وكان إكرامه ذا مفسدة في الواقع ، فإنّه حينئذٍ يوجب إلقاء العبد في تلك المفسدة.
ثانيها : تفويت المصلحة كما إذا قال : لا تكرم الفسّاق ، وكان إكرام الضيف مثلاً ذا مصلحة في الواقع ولم يستثنه فإنّه يوجب تفويت تلك المصلحة.
ثالثها : الإلقاء في الكلفة كما إذا قال : أكرم جميع العلماء ، ولم يكن إكرام جماعة منهم واجباً مع أنّ إكرامهم يستلزم تحمّل المشقّة الزائدة للعبد.
فبناءً على أحد هذه الامور لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، نعم قد يجوز التأخير فيما إذا كانت هناك مصلحة أقوى كالمصلحة الموجودة في تدريجية الأحكام الشرعيّة فلا إشكال حينئذٍ في أنّ العقل حاكم على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما لا يخفى.
المسألة الثالثة : وهي أنّ الدوام والاستمرار الزماني في الأحكام هل يستفاد من العموم الأزماني للأدلّة ، أو يستفاد من مقدّمات الحكمة ، أو يكون مقتضى أصل عملي وهو الاستصحاب؟ فقال بعض بأنّه لا دليل عليه إلاّ أنّه مقتضى استصحاب بقاء الأحكام ، وحيث إنّه أصل عملي وعموم العام أصلي لفظي فلا يقع تعارض بينهما بل يقدّم العموم على الاستصحاب دائماً ، وعليه إذا ورد العام بعد الخاصّ وبعد حضور وقت العمل بالخاصّ يقدّم العام على الخاصّ وتكون النتيجة تقديم النسخ على التخصيص.
لكنّ الإنصاف أنّ الاستمرار الزماني يستفاد من طرق اخرى لفظيّة فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب :
أحدها : مقدّمات الحكمة فيما إذا قال مثلاً : « لله على الناس حجّ البيت » ولم يقيّده بزمان خاصّ فنستفيد من إطلاقه الدوام والاستمرار.