القرائن في عصر الحضور ، ولو لم نقطع به فلا أقلّ من احتماله.
وأمّا الوجه الثاني : ففيه أنّ في الكتاب عمومات كثيرة لم تخصّص أصلاً حيث إن غالب عمومات الكتاب ليس الشارع فيها في مقام البيان من قبيل قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) وهكذا قوله : ( خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) حيث إنّ معناه أنّ جميع ما خلق في الأرض يكون بنفعكم ، وليس مفاده منحصراً في خصوص منفعة الأكل حتّى يخصّص بما ورد من أدلّة حرمة الأكل بالنسبة إلى بعض الأشياء ، وهكذا قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ) فإنّه ليس في مقام البيان حتّى ينافيه ويخصّصه ما يدلّ على أنّ الزّكاة في تسعة أشياء.
والأولى في المقام أن يستدلّ بعمومات أدلّة حجّية خبر الواحد كبناء العقلاء ومفهوم آية النبأ ، فإنّها دليل على العمل به ولو في مقابل عمومات الكتاب والسنّة المتواترة.
وأمّا المانعون فاحتجّوا للمنع بوجوه :
الوجه الأوّل : أنّ الكتاب قطعي وخبر الواحد ظنّي ، والظنّي لا يعارض القطعي لعدم مقاومته له فيلغى بالمرّة.
واجيب عنه : بأنّ الدوران والتعارض يقع في الحقيقة بين أصالة العموم في العام الكتابي وبين دليل حجّية الخبر ، لا دلالته ، وحيث إن الخاصّ أقوى دلالة من العام ، فلا شبهة في تقديمه عليه بعد أن ثبتت حجّيته بدليل قطعي ، وببيان آخر : أنّ الخبر بدلالته وسنده صالح عرفاً للقرينية على التصرّف في أصالة العموم بخلاف أصالة العموم فإنّها لا تصلح لرفع اليد عن دليل اعتبار الخبر لأنّ اعتبار أصالة العموم منوط بعدم قرينة على خلافها ، والمفروض أنّ الخبر الخاصّ بدلالته وسنده يصلح لذلك ، فلا مجال لأصالة العموم مع القرينة على خلافها.
هذا هو جواب المشهور عن هذا الوجه ، لكن الأحسن في مقام الجواب أن نرجع إلى ما بيّناه سابقاً في مبحث العام والخاصّ من أنّ العمومات الواردة في الكتاب والسنّة يجوز تخصيصها لحكمة تدريجيّة بيان الأحكام في الشريعة المقدّسة التي جرت عليها عادة الشارع وسيرته ، وفي خصوص الكتاب جرت أيضاً على بيان امّهات الأحكام غالباً وفوّض شرحها وبيان جزئيّاتها إلى سنّة النبي صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام ، فالقرآن حينئذٍ بمنزلة القانون الأساسي ( في يومنا هذا ) الذي بيّنت فيه امّهات المسائل فقط.
الوجه الثاني : أنّ دليل حجّية الخبر وهو الإجماع لبّي ، والمتيقّن منه هو الخبر غير المخالف للكتاب فلا يشمل المخالف.