ولأجل تلك الأخبار ذهب غير واحد من متأخّري المتأخّرين إلى عدم استحبابه بخصوصه ومساواته لسائر الأيّام (١). وهو كذلك ، إذ ليس في الأخبار المرغّبة ما يدلّ على خصوصيّة له أصلا زائدة عن استحباب أصل الصوم ، سوى ما دلّ على أنّه يعدل صوم سنة ، وأنّه كفّارة سنتين أو تسعين.
وهو معارض بالنهي في رواية زرارة ، وترك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم له وكذا الإمام ، كما في صحيحة محمّد ورواية سدير ، وقوله : « ليس بيوم صوم » والتخيير في رواية يعقوب بن شعيب ، وظهور رواية سدير في أنّه ليس يعدل سنة ، وأنّ ذلك قول العامّة.
وبذلك تترجّح الروايات الدالّة على عدم الاستحباب ، فيرجع إلى ما كان من الاستحباب الأصلي الثابت في سائر الأيّام ، وبه يجمع بين الطائفتين من الأخبار ، فالمرغبة تحمل على الاستحباب الأصلي لأصل الصوم ، ومقابلتها على نفي الخصوصيّة ورجحان الترك لو أوجب توهّمها ، كما صرّح ، به في رواية سالم : « دخل رجل يوم عرفة إلى الحسن عليهالسلام وهو يتغدّى ، والحسين عليهالسلام صائم ، ثمَّ جاء بعد ما قبض الحسن عليهالسلام ، فدخل على الحسين عليهالسلام يوم عرفة وهو يتغدّى ، وعلي بن الحسين عليهالسلام صائم ، فقال له الرجل : إنّي دخلت على الحسن عليهالسلام وهو يتغدّى وأنت صائم ، ثمَّ دخلت عليك وأنت مفطر وعلي بن الحسين عليهالسلام صائم؟! فقال : إنّ الحسن عليهالسلام كان إماما فأفطر لئلاّ يتّخذ صومه سنّة ويتأسى به الناس ، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام ، فأردت أن لا يتخذ صومي سنّة فيتأسى الناس به » (٢).
__________________
(١) كما في مشارق الشموس : ٤٥٢ ، والحدائق ١٣ : ٣٦٦.
(٢) الفقيه ٢ : ٥٣ ـ ٢٣٤ ، علل الشرائع : ٣٨٦ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ١٣.