وأما قوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ) (٧) فإن معنى (غَيْرِ) معنى (لَا) ؛ فلذلك ردّت عليها (وَلَا). هذا كما تقول : فلان غير محسن ولا مجمل ؛ فإذا كانت (غَيْرِ) بمعنى سوى لم يجز أن تكرّ عليها (لَا) ؛ ألا ترى أنه لا يجوز : عندى سوى عبد الله ولا زيد.
وقد قال بعض من (١) لا يعرف العربية : إن معنى (غَيْرِ) فى (الْحَمْدُ) (٢) معنى «سوى» ، وإن (لَا) صلة فى الكلام ، واحتجّ بقول الشاعر (٣) :
فى بئر لا حور سرى وما شعر
وهذا [غير] جائز ؛ لأن المعنى وقع على ما لا يتبين فيه عمله ، فهو جحد محض. وإنما يجوز أن تجعل (لَا) صلة إذا اتصلت بجحد قبلها ؛ مثل قوله :
ما كان يرضى رسول الله دينهم |
|
والطيّبان أبو بكر ولا عمر (٤) |
فجعل (لَا) صلة لمكان الجحد الذي فى أوّل الكلام ؛ هذا التفسير أوضح ؛ أراد فى بئر لا حور ، (لَا) الصحيحة فى الجحد ؛ لأنه أراد فى : بئر ماء لا يحير عليه شيئا ؛ كأنك قلت : إلى غير رشد توجه وما درى. والعرب تقول : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا (٥) ؛ أي لم يتبين لها أثر عمل.
__________________
(١) هو أبو عبيدة. وانظر اللسان (غير).
(٢) أي سورة الفاتحة. والحمد من أسمائها.
(٣) هو العجاج ، من أرجوزة له طويلة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر ، وكان عبد الملك بن مروان وجهه لقتال أبى فديك الحروري فأوقع به وبأصحابه. ومطلعها :
قد جبر الدين الإله فجبر |
|
وعور الرحمن من ولى العور |
وقوله : «فى بئر لا حور» يريد فى بئر نقص سرى الحروري وما شعر ؛ يقول : نقص الحروري ومادرى. ويقال : فلان يعمل فى حور أي فى نقصان. وهذا على ما يرى أبو عبيدة. ويرى الفرّاء أن الحور الرجوع ولا للنفى ، أي سرى فى بئر غير رجوع ، أي بئر منسوبة إلى عدم الرجوع لأنها لا ترجع عليه بخير. والحور يأتى فى معنى النقصان ومعنى الرجوع ، فأخذ أبو عبيدة بالأول ، والفرّاء بالثاني. وانظر الخزانة ٢ / ٩٥ والبيت محرف فى الأصل والتصويب من ديوان العجاج.
(٤) من قصيدة لجرير فى هجو الأخطل. وانظر الديوان طبعة الصاوى ٢٦٣.
(٥) أي ما ردت شيئا من الدقيق ، والمراد أنه لم يتبين لها أثر عمل ؛ كما قال المؤلف.