ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها ، اكتفى بيكون بلا فعل (١). وكذلك (يكون) (٢) فى كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل ، ألا ترى أنك تقول : ذهب الناس إلا أن يكون أخاك ، وأخوك. وإنما استغنت كان ويكون عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعل يكون للاسم. فلما قيل : قام الناس إلا زيدا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كان تامة. ومن نصب : قال كان من عادة كان عند العرب مرفوع ومنصوب ، فأضمروا فى كان اسما مجهولا ، وصيّروا الذي بعده فعلا لذلك المجهول. وذلك جائز فى كان ، وليس ، ولم يزل ، وفى أظنّ وأخواتها : أن تقول (أظنه زيد أخوك (٣) و) أظنّه فيها زيد. ويجوز فى إنّ وأخواتها ؛ كقول الله تبارك وتعالى : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ) (٤) وكقوله : (إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٥) فتذكّر الهاء وتوحّدها ، ولا يجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز ؛ فتقول : إنها ذاهبة جاريتك ، وإنه ذاهبة جاريتك.
فإن قلت : كيف جاز التأنيث مع الأنثى ، ولم تجز التثنية مع الاثنين؟
قلت : لأن العرب إنما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره ، فلما جاز (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وَأَخَذَتِ) جاز التأنيث ، والتذكير. ولما لم يجز : قاما أخواك ولا قاموا قومك ، لم يجز تثنيتها ولا جمعها.
فإن قلت : أتجيز تثنيتها فى قول من قال : ذهبا أخواك؟ قلت : لا ، من قبل أنّ الفعل واحد ، والألف التي فيها كأنها تدلّ على صاحبى الفعل ، والواو فى الجمع
__________________
(١) أي خبر. يريد : جعلها تامة.
(٢) جعل (يكون) فى الآية استثناء ، وجعل ضميرها الضمير المجهول ، وهو ما يسمى ضمير الشأن. وهذا مذهب كوفى. والبصريون يجعلون الضمير فى «يكون» للمطعوم ، ونحوه مما يفهم من المقام.
(٣) سقط ما بين القوسين فى ج.
(٤) آية ١٦ سورة لقمان.
(٥) آية ٩ سورة النمل.