فجزم. ومعنى الجزم كأنّه تكرير النهى ، كقول القائل : لا تذهب ولا تعرض لأحد. ومعنى الجواب والنّصب لا تفعل هذا فيفعل بك مجازاة ، فلمّا عطف حرف على غير ما يشاكله وكان فى أوّله حادث لا يصلح فى الثاني نصب. ومثله قوله : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) (١) و (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) (٢) و (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) (٣). وما كان من نفى ففيه ما فى هذا ، ولا يجوز الرفع فى واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف ؛ بخلاف المعنيين ؛ كقولك للرجل : لا تركب إلى فلان فيركب إليك ؛ تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك ، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف ، وقد قال الشاعر :
ألم تسأل الرّبع القديم فينطق |
|
وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق (٤) |
أراد : ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله ، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها ، كما قال زهير بن أبى سلمى المزنىّ :
قف بالدّيار التي لم يعفها القدم |
|
بلى وغيّرها الأرواح والدّيم |
فأكذب نفسه. وأمّا قوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) (٥) فإنّ جوابه قوله : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) والفاء التي فى قوله : (فَتَطْرُدَهُمْ)
__________________
(١) آية ٨١ سورة طه.
(٢) آية ٦١ سورة طه.
(٣) آية ١٢٩ سورة النساء.
(٤) البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذرى ، ويروى صدره :
ألم تسأل الربع القواء فينطق
والقواء : القفر الذي لا ينبت. والبيداء : القفر الذي يبيد من سلكه أي يهلكه. والسملق : الأرض التي لا تنبت شيئا أو السهلة المستوية الخالية. وانظر الخزانة ٣ / ٦٠١
(٥) آية ٥٢ سورة الأنعام.