وَكُنْتُمْ أَمْواتاً). المعنى ـ والله أعلم ـ وقد كنتم ، ولو لا إضمار «قد» لم يجز مثله فى الكلام (١). ألا ترى أنه قد قال فى سورة يوسف : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ) (٢). المعنى ـ والله أعلم ـ فقد كذبت. وقولك للرجل : أصبحت كثر مالك ، لا يجوز إلّا وأنت تريد : قد كثر مالك ؛ لأنهما جميعا قد كانا ، فالثانى حال للأوّل ، والحال لا تكون إلا بإضمار «قد» أو بإظهارها ؛ ومثله فى كتاب الله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (٣) يريد ـ والله أعلم ـ [جاءوكم قد حصرت صدورهم (٤)]. وقد قرأ بعض القرّاء ـ وهو الحسن البصرىّ ـ «خصرة صدورهم». كأنه لم يعرف الوجه فى (٥) أصبح عبد الله قام أو أقبل أخذ شاة ، كأنّه يريد فقد أخذ شاة. وإذا كان الأوّل لم يمض لم يجز الثاني بقد ولا بغير قد ، مثل قولك : كاد قام ، ولا أراد قام ؛ لأنّ الإرادة شىء يكون ولا يكون الفعل ، ولذلك كان محالا قولك : عسى قام ؛ لأن عسى وإن كان لفظها على فعل فإنها لمستقبل (٦) ، فلا يجوز عسى قد قام ، ولا عسى قام ، ولا كاد قد قام ، ولا كاد قام ؛ لأن ما بعدهما لا يكون
__________________
(١) جرى الفراء فى هذا على القاعدة المقررة عند الجمهور أن الجملة الفعلية الماضوية المثبتة إذا وقعت حالا فلا بد من «قد» ظاهرة أو مقدرة لتقربه من الحال ؛ نحو «وقد فصل لكم ما حرم عليكم» ، «وقد بلغني الكبر». فإن لم تكن ظاهرة قدرت نحو «أو جاءوكم حصرت صدورهم» ، «هذه بضاعتنا ردت إلينا» وذلك أيضا قول المبرد وأبى على الفارسي. قال أبو حيان : «والصحيح جواز وقوع الماضي حالا بدون «قد» ولا يحتاج إلى تقديرها لكثرة ورود ذلك ، وتأويل الكثير ضعيف جدا ؛ لأنا إنما نبنى المقاييس العربية على وجود الكثرة. وهذا مذهب الأخفش ، ونقل عن الكوفيين ، بل نقله بعضهم عن الجمهور أيضا.
(٢) آية ٢٧ من السورة المذكورة.
(٣) آية ٩٠ سورة النساء.
(٤) ما بين المربعين ساقط من أ.
(٥) فى ج ، ش «كأنه لم يعرف إجازة أصبح ... إلخ».
(٦) فى أ : «لمستقبل فيستقبل».