وأمّا الوجه الآخر فأن يجعل «ما» منفصلة من (إنّ) فيكون «ما» على معنى الذي ، فإذا كانت كذلك وصلتها بما يوصل به الذي ، ثم يرفع الاسم الذي يأتى بعد الصلة ؛ كقولك إنّ ما أخذت مالك ، إن ما ركبت دابّتك. تريد : إن الذي ركبت دابتك ، وإن الذي أخذت مالك. فأجرهما على هذا.
وهو فى التنزيل فى غير ما موضع ؛ من ذلك قوله تبارك وتعالى : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١) ، (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) (٢) فهذه حرف واحد ، هى وإنّ ، لأن «الذى» لا تحسن فى موضع «ما».
وأمّا التي فى مذهب (الذي) فقوله : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) (٣) معناه : إن الذي صنعوا كيد ساحر. ولو قرأ قارئ (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) نصبا كان صوابا إذا جعل إنّ وما حرفا واحدا. وقوله (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) (٤) قد (٥) نصب المودّة قوم ، ورفعها آخرون على الوجهين اللذين فسّرت لك. وفى قراءة عبد الله «إنما مودّة بينكم فى الحياة الدنيا» (٦) فهذه حجّة لمن رفع المودّة ؛ لأنها مستأنفة لم يوقع الاتّخاذ عليها ، فهو بمنزلة قولك : إن الذي صنعتموه ليس بنافع ، مودّة بينكم ثم تنقطع بعد. فإن شئت رفعت المودّة ب «بين» ؛ وإن شئت أضمرت لها اسما قبلها يرفعها ؛ كقوله (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) (٧) وكقوله (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ) (٨).
__________________
(١) آية ١٧١ سورة النساء ، وهذه أمثلة لإنما التي هى حرف واحد. وأما الأخرى فستذكر عند قوله : وأما التي فى مذهب الذي إلخ.
(٢) آية ١٢ سورة هود.
(٣) آية ٦٩ سورة طه.
(٤) آية ٢٥ سورة العنكبوت.
(٥) فى ج ، ش : «وقد».
(٦) فى نسخ الأصل : «مودة بينهم» على الغيبة وهى قراءة أبى.
(٧) آية ١ سورة النور.
(٨) آية ٣٥ سورة الأحقاف. و (بلاغ) خبر مبتدأ محذوف قدّره بعضهم بقوله تلك الساعة بلاغ لدلالة قوله (إلا ساعة من نهار) وقيل تقديره : هذا (أي القرآن أو الشرع بلاغ) وانظر العكبري والسمين.