يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره إنّما يتمّ إذا كان دليل المقدّمة إرشاداً إلى الشرطية مثل قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » ، وأمّا إذا كان بلسان الأمر المولوي بالمقدّمة فلا وجه لإنكار البعث نحوها كما في الآيتين التاليتين :
١. ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيديَكُمْ إِلَى المَرافِق ). (١)
٢. ( يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْركُمْ فانْفِروا ثُبات أَوِ انْفِرُوا جَميعاً ) (٢). (٣)
والآية الأُولى تؤكد على الوضوء وتبيّـن كيفيته ، ومعه كيف يقال : ليس فيه بعث نحوه ، كما أنّ الآية الثانية تأمر بحفظ الحذر وتبيّـن كيفية النفر ، ومعه كيف يقال : ليس في الأمر الغيري بعث إلى المقدّمة؟
وكون البعث إلى المقدّمة لأجل ذيها شيء ، وعدم البعث إلى المقدّمة شيء آخر ، والصحيح هو الأوّل دون الثاني.
وممّا يدلّ على وجود البعث الأكيد إلى المقدّمة في الآية الثانية قوله سبحانه في سورة أُخرى :
( يا أَيّها الّذين آمنوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُـمُ انْفِرُوا فـي سَبيـلِ اللّهِ اثّاقَلْتُـمْ إِلَى الأرْض أَرَضيتُمْ بِالحَياة الدُّنيا مِنَ الآخِرَة ). (٤)
الثالث : ما اخترناه وحاصله : انّ هناك فرقاً بين الثبوت والإثبات ، فالواجبان : النفسي والغيري يشاركان في أصل الوجوب ويتميّزان بفصل قوله :
__________________
١ ـ المائدة : ٦.
٢ ـ النساء : ٧١.
٣ ـ والحذر الآلة التي بها يتقى الحذر وهو كناية عن السلاح ، والثبات جمع « ثبة » جماعات في تفرقة ( مجمع البيان : ٢ / ٧٣ ).
٤ ـ التوبة : ٣٨.