أجبنا : إن الكلام المزبور لا يدل على مقولة الأين ، نعم لازم ما يدل عليه ـ وهي نسبة الكون في المكان ـ تحقق مقولة الأين ، ولكن الكلام لا يدل عليها ، وهذا نظير ما لو اخبر المتكلم بمجيء احد المتلازمين ، فانه وان كان يستفاد منه مجيء الآخر إلّا أن الكلام المسوق لبيان مجيء أحدهما لا يدل عليه.
فتحصل مما ذكرناه أمور :
الأول : ثبوت الفرق بين الحروف والأعراض النسبية ، فما نسب إلى المحقق العراقي (ره) من عدمه ضعيف.
الثاني : انه لا فرق بين الحروف والهيئات ، كما عليه جماعة من الحكماء منهم صدر المتألهين (١) فإيراد المحقق العراقي عليه غير وارد.
الثالث : أن المعنى الحرفي إخطاري لا إيجادي ، ومع ذلك يكون مباينا مع المعنى الاسمي ذاتا ، لكونه متقوما وجودا وذاتا بالغير ، بخلاف المعنى الاسمي.
الرابع : أن المعنى الحرفي ملحوظ استقلالا ، لكنه في ضمن لحاظ المنتسبين لا وحده ، فانه بنفسه وذاته متقوم ، ومُتَدَلٌّ بهما ، ولا يكون ملحوظا آلة لغيره. فتدبر فانه حقيق به (٢).
__________________
(١) كما قد يظهر من كلامه صدر المتألهين في الاسفار بقوله : «ومعنى الحروف ، الجمل وهي الحروف المقطعة القرآنية والكلمات التامات المفردة ..» راجع ج ٧ ص ٤١ ، وما بعدها.
(٢) وبعبارة اخرى ان المعنى الحرفي له وجود مستقل ، هو ملحوظ فيه حين الاستعمال ، الا ان هذا الوجود بما هو ليس له قابلية الدلالة بمفرده ، فهو مفتقر في الدلالة إلى طرفين التي بهما