التبادر من علامات الحقيقة
الأمر الثاني عشر : في علامات الحقيقة والمجاز.
وقد ذكر الاصحاب للحقيقة علائم :
منها التبادر ، وغاية ما قيل في وجه كونه علامة الحقيقة ، ان الانسباق إلى الذهن وخطور المعنى فيه والانتقال من اللفظ إلى المعنى ، اما ان يكون ناشئا من العلقة الوضعية ، أو من جهة المناسبة الذاتية ، أو من جهة قرينة خارجية ولو كانت هي الاطلاق ، وحيث ان المفروض عدم الثالث ، وبطلان الثاني ، فلا بد وان يكون الانتقال مستندا إلى الوضع ، وكون اللفظ موضوعا له.
وفيه : انه قد يكون التبادر ناشئا عن الممارسة في كلمات اللغويين والمراجعة إليها فان ذلك ايضا يوجب الانتقال إلى المعنى ، وليس ذلك آية كونه موضوعا له إذ هو لا يزيد على اصله ومنشئه ، وهو قول اللغوي الذي لا يكون دليلا على الحقيقة ، فالتبادر لا يكون علامة للحقيقة بقول مطلق ، بل إذا كان منشأ الانتقال ، وهو الارتكاز النفساني ، غير ناشئ عن الممارسة في كلمات اللغويين فالعلامة الحصة الخاصة من التبادر ، وهو فهم المعنى من اللفظ نفسه بلا معونة خارجية وهي كاشفة عن الوضع لا محالة.
وربما يورد على ذلك ، باستلزامه الدور إذ من المعلوم بالضرورة ان الوضع بنفسه لا يوجب التبادر ، بل الموجب هو العلم بالوضع ، فلو انتفى العلم به انتفى التبادر ، ولو كان التبادر موجبا للعلم بالوضع لزم الدور.