كثيرون ، فانهم لما رأوا شناعة المذهب الأول فروا منه بما لا ينفعهم ، وقالوا : ان أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله وحده وليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل الله سبحانه أجرى عادته بأنه يوجد في العبد قدرة واختيارا ، فإذا لم يكن هناك صانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقا لله تعالى ابداعا وإحداثا ومكسوبا للعبد.
وقد ذكروا في المراد من الكسب وجوها ، أحسنها ما قاله القاضى أبو بكر الباقلانى (١) ، وهو أن الإنسان ، وان كان فعله صادرا عنه بغير تأثير منه في صدوره ، الا أن تلونه بلون حسن أو قبيح انما يكون بقدرته واختياره. مثلا : ضرب اليتيم إذا صدر منه يكون المؤثر في أصل تحققه هو الله تعالى ، الا أن قصد كونه للتربية فيكون حسنا أو الظلم فيكون قبيحا انما فوض إلى العبد ، وهذا هو المعيار للثواب والعقاب (٢).
ولكن الظاهر أنه لا ينفعهم ذلك أيضا ، إذا القصد بنفسه فعل من
__________________
(١) هو ابو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني القاضي ، أصله من البصرة وعاش في بغداد استدعاه عضد الدولة الديلمي إلى بلاطه في شيراز ، فمكث هناك مدّة ثم عاد إلى بغداد بعد وفاة عضد الدولة ويعد الباقلاني من أهم متكلمي المدرسة الاشعرية ، كان معاصرا للشيخ المفيد وكان للمفيد معه مناظرات لطيفة ونافعة اوردها (ره) في كتابه مسألة في النص على علي (ع) ج ٢ ص ٢١ تحقيق محمد رضا انصاري ، دار المفيد بيروت ، وتجد ترجمة الباقلاني في تاريخ التراث العربي ج ٤ ص ٤٨.
(٢) هذا المعنى ذكره الباقلاني في كتاب الانصاف ، كما نسبه اليه غير واحد من الاعلام ، راجع ملحقات الاحقاق ج ١ ص ٤٠٠ وج ٢ ص ٥١ لآية الله المرعشي النجفي (قدِّس سره).