يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ)(٣٦)
أى : قل يا محمد لهؤلاء الغافلين عن الحق : هل من شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله ، أو أشركتموهم مع الله ، من له القدرة على أن يبدأ خلق الإنسان من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ... ثم ينشئه خلقا آخر ، ثم يعيده إلى الحياة مرة أخرى بعد موته؟
قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ، أما شركاؤكم فهم أعجز من أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ...
وإذا كان الأمر كذلك من الوضوح والظهور (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) والإفك الصرف والقلب عن الشيء. يقال : أفكه عن الشيء يأفكه أفكا ، إذا قلبه عنه وصرفه.
أى فكيف ساغ لكم أن تصرفوا عقولكم عن عبادة الإله الحق ، إلى عبادة أصنام لا تنفع ولا تضر؟!.
وجاءت جملة (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ ..) بدون حرف العطف على ما قبلها للإيذان باستقلالها في حصول المطلوب ، وإثبات المقصود.
وساق ـ سبحانه ـ الأدلة بأسلوب السؤال والاستفهام ، لأن الكلام إذا كان واضحا جليا ثم ذكر على سبيل الاستفهام ، وتفويض الجواب إلى المسئول كان ذلك أبلغ وأوقع في القلب.
وجعل ـ سبحانه ـ إعادة المخلوقات بعد موتها حجة عليهم في التدليل على قدرته مع عدم اعترافهم بها ، للإيذان بسطوع أدلتها ، لأن القادر على البدء يكون أقدر على الإعادة كما قال ـ تعالى ـ (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ..) (١).
فلما كان إنكارهم لهذه الحقيقة الواضحة من باب العناد أو المكابرة ، نزل إنكارهم لها منزلة العدم.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : «فإن قلت : كيف قيل لهم هل من
__________________
(١) سورة الروم الآية ٢٧.