وشبه ـ سبحانه ـ الحياة الدنيا بماء السماء دون ماء الأرض ، لأن ماء السماء وهو المطر لا تأثير لكسب العبد فيه بزيادة أو نقص ـ بخلاف ماء الأرض ـ فكان تشبيه الحياة به أنسب.
وقوله : (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) معناه : وهذا النبات الذي نما وازدهر بسبب نزول المطر من السماء ، بعضه مما يأكله الناس كالبقول والفواكه. وبعضه مما تأكله الأنعام كالحشائش والأعشاب المختلفة.
وجملة (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) حال من النبات.
وقوله : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ ..) تصوير بديع لما صارت عليه الأرض بعد نزول الماء عليها ، وبعد أن أنبتت من كل زوج بهيج.
ولفظ (حَتَّى) غاية لمحذوف : أى نزل المطر من السماء فاهتزت الأرض وربت وأنبتت النبات الذي ما زال ينمو ويزدهر حتى أخذت الأرض زخرفها.
والزخرف : الذهب وكمال حسن الشيء. ومن القول أحسنه ، ومن الأرض ألوان نباتها.
أى : حتى إذا استوفت الأرض حسنها وبهاءها وجمالها ، وازينت بمختلف أنواع النباتات ذات المناظر البديعة ، والألوان المتعددة.
قال صاحب الكشاف : «وهو كلام فصيح. جعلت الأرض آخذة زخرفها وزينتها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها ، وتزينت بغيرها من ألوان الزينة ، أصل ازينت تزينت» (١).
وقوله : (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) أى : وظن أهل تلك الأرض الزاخرة بالنباتات النافعة. أنهم قادرون على قطف ثمارها ، ومتمكنون من التمتع بخيراتها ، ومن الانتفاع بغلاتها.
وقوله : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً ..) تصوير معجز لما أصاب زرعها من هلاك بعد نضرته واستوائه و (أَوْ) للتنويع أى : تارة يأتى ليلا وتارة يأتى نهارا.
والجملة الكريمة جواب إذا في قوله (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها ..).
أى : بعد أن بلغت الأرض الذروة في الجمال وفي تعلق الآمال بمنافع زروعها ، أتاها قضاؤنا
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٢٣.