وروى عن الضحاك وقتادة ، أن الظاهر من القول : الباطل منه ، كما في قول القائل :
أعيرتنا ألبانها ولحومها |
|
وذلك عار يا ابن ربطة ظاهر |
أى : باطل زائد ... (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) إضراب عن حجاجهم ، وإهمال لشأنهم ، و «زين» من التزيين وهو تصيير الشيء زينا أى : حسنا.
والمكر : صرف الغير عما يريده بحيلة. والمراد به هنا : كفرهم ومسالكهم الخبيثة ضد الإسلام والمسلمين.
والمعنى : دع عنك أيها الرسول الكريم ـ مجادلتهم ، لأنه لا فائدة من ورائها ، فإن هؤلاء الكافرين قد زين لهم الشيطان ورؤساؤهم في الفكر مكرهم وكيدهم للإسلام وأتباعه ، وصدوهم عن السبيل الحق ، وعن الصراط المستقيم ، ومن يضلله الله ـ تعالى ـ بأن يخلق فيه الضلال لسوء استعداده ، فما له من هاد يهديه ويرشده إلى ما فيه نجاته.
هذا ، وقد اشتملت هذه الآية على ألوان من الحجج الساطعة التي تثبت وجوب إخلاص العبادة لله ، وتبطل الشركة والشركاء أشار إليها بعض المفسرين فقال :
قال الطيبي : في هذه الآية الكريمة احتجاج بليغ مبنى على فنون من علم البيان :
أولها : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) كمن ليس كذلك ، احتجاج عليهم وتوبيخ لهم على القياس الفاسد لفقد الجهة الجامعة لهما.
ثانيها : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) من وضع المظهر موضع المضمر ، للتنبيه على أنهم جعلوا شركاء لمن هو فرد واحد لا يشاركه أحد في أسمائه.
ثالثها : (قُلْ سَمُّوهُمْ) أى عينوا أسماءهم فقولوا فلان وفلان ، فهو إنكار لوجودها على وجه برهاني ...
رابعها : (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ) احتجاج من باب نفى الشيء أعنى العلم بنفي لازمه وهو المعلوم وهو كناية.
خامسها : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) احتجاج من باب الاستدراج لبعثهم على التفكر.
أى : أتقولون بأفواهكم من غير روية ، وأنتم ألباء ، فتفكروا فيه لتقفوا على بطلانه.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٠٤.