وجملة (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) في موضع الحال ، لزيادة التعجب من جهلهم وطغيانهم ، لأن آثار الأقوام المهلكين بسبب كفرهم ما زالت ماثلة أمام أبصارهم ، وهم يمرون عليها في أسفارهم ، فكان من الواجب عليهم ـ لو كانوا يعقلون ـ أن يعتبروا بها.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) بيان لرحمة الله ـ تعالى ـ بعباده ، ولشدة عقابه للمصرين على الكفر منهم أى : وإن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ لذو مغفرة عظيمة للناس مع ظلمهم لأنفسهم ، حيث أطاعوها في ارتكاب الذنوب والمعاصي.
ومن مظاهر هذه المغفرة أنه ـ سبحانه ـ لم يعاجلهم بالعقوبة. بل صبر عليهم ، وأمهلهم ، لعلهم يتوبون إليه ويستغفرونه ، ويقلعون عن ذنوبهم.
قال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ...) (١).
وإن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ لشديد العقاب للمصرين على كفرهم وضلالهم ومعاصيهم.
وقدم ـ سبحانه ـ مغفرته على عقوبته ، في مقابل تعجل هؤلاء الكافرين للعذاب ، ليظهر الفارق الضخم بين الخير الذي يريده ـ سبحانه ـ لهم ، وبين الشر الذي يريدونه لأنفسهم بسبب انطماس بصائرهم ...
قال ابن كثير ما ملخصه : قوله ـ سبحانه ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ).
أى : إنه ذو عفو وصفح وستر للناس مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار.
ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ، ليعتدل الرجاء والخوف. كما قال ـ تعالى ـ (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).
وقال ـ تعالى ـ (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ).
وعن سعيد بن المسيب قال : لما نزلت هذه الآية (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ ...) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش. ولولا
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٤٥.