وهذه الآية الكريمة معطوفة على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا ..) عطف القصة على القصة.
والعبادة : الطاعة البالغة حد النهاية في الخضوع والتعظيم.
أى : وهؤلاء الذين لا يرجون لقاءنا ، ويطلبون قرآنا غير هذا القرآن أو تبديله ، بلغ من جهلهم وسفههم أنهم يعبدون من دون الله أصناما لا تضرهم ولا تنفعهم ، لأنها جمادات لا قدرة لها على ذلك.
والمقصود بوصفها بأنها لا تضر ولا تنفع : بطلان عبادتها ، لأن من شأن المعبود أن يملك الضر والنفع ، وأن يكون مثيبا على الطاعة ومعاقبا على المعصية.
وقوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل (يَعْبُدُونَ) أى : يعبدونها متجاوزين الله وتاركين طاعته.
و (ما) موصولة أو نكرة موصوفة. والمراد بها الأصنام التي عبدوها من دون الله.
قال الجمل : «ونفى الضر والنفع هنا عن الأصنام باعتبار الذات ، وإثباتهما لها في سورة الحج في قوله (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) باعتبار السبب ، فلا يرد كيف نفى عن الأصنام الضر والنفع ، وأثبتهما لها في سورة الحج» (١).
وقوله : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) حكاية لأقوالهم السخيفة عند ما يدعون إلى عبادة الله وحده.
والشفعاء : جمع شفيع ، وهو من يشفع لغيره في دفع ضرر أو جلب نفع.
أى : أنهم يدينون بالعبادة لأصنام لا تضرهم إن تركوا عبادتها ، ولا تنفعهم إن عبدوها ، فإذا ما طلب منهم أن يجعلوا عبادتهم لله وحده قالوا : إننا نعبد هذه الأصنام لتكون شفيعة لنا عند الله في دنيانا ، بأن نتوسل إليه بها في إصلاح معاشنا ، وفي آخرتنا إن كان هناك ثواب وعقاب يوم القيامة.
وهنا يأمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم فيقول : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ).
أى : قل يا محمد لهؤلاء الجاهلين : إن الله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه شيء في هذا الكون ولا يعلم أن هناك من يشفع عنده مما تزعمون شفاعته. فهل تعلمون أنتم ما لا يعلمه ، وهل
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٣٧.