بعد أن أذل كرامتها ، وهو انتقام معهود من مثلها ، وممن دونها في كل زمان ومكان ...
وكاد يرد صيالها ويدفعه بمثله ، وهو قوله ـ تعالى ـ (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ولكنه رأى من برهان ربه في سريرة نفسه ، ما هو مصداق قوله ـ تعالى ـ (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) وهو إما النبوة ... وإما معجزتها ... وإما مقدمتها من مقام الصديقية العليا ، وهي مراقبته لله ـ تعالى ـ ورؤيته ربه متجليا له ، ناظرا إليه» (١).
وما ذهب إليه صاحب المنار من تفسير الهم منها بالبطش بيوسف ، وتفسير الهم منه برد الاعتداء الذي وقع عليه منها ... أقول : ما ذهب إليه صاحب المنار من تفسير الهم بذلك ، لا أرى دليلا عليه من الآية ، لا عن طريق الإشارة ، ولا عن طريق العبارة ...
ولعل صاحب المنار ـ رحمهالله ـ أراد بهذا التفسير أن يبعد يوسف ـ عليهالسلام ـ عن أن يكون قد هم بها هم ميل بمقتضى الطبيعة البشرية ، ونحن لا نرى مقتضيا لهذا الإبعاد ، لأن خطور المناهي في الأذهان ، لا مؤاخذة عليه ، ما دامت لم يصاحبها عزم أو قصد ـ كما سبق أن أشرنا إلى ذلك من قبل.
هذا وهناك أقوال أخرى لبعض المفسرين في معنى الآية الكريمة ، رأينا أن نضرب عنها صفحا ؛ لأنه لا دليل عليها لا من العقل ولا من النقل ولا من اللغة ... وإنما هي من الأوهام الإسرائيلية التي تتنافى كل التنافي مع أخلاق عباد الله المخلصين ، الذين على رأسهم يوسف ـ عليهالسلام.
قوله ـ سبحانه ـ (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله ـ تعالى ـ به ، ورعايته له.
والكاف : نعت لمصدر محذوف والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله «لولا أن رأى برهان ربه» أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك.
والصرف : نقل الشيء من مكان إلى مكان والمراد به هنا : الحفظ من الوقوع فيما نهى الله عنه ، أى : أريناه مثل هذه الإراءة أو ثبتناه تثبيتا مثل هذا التثبيت لنعصمه ونحفظه ونصونه عن الوقوع في السوء ـ أى في المنكر والفجور والمكروه ـ والفحشاء ـ أى كل ما فحش وقبح من الأفعال كالزنا ونحوه.
«إنه من عبادنا المخلصين» ـ بفتح اللام ـ أى : إنه من عبادنا الذين أخلصناهم لطاعتنا وعصمناهم من كل ما يغضبنا.
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٢ ص ٣٧٨.