قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) للإشعار بأن تلك الفاحشة صارت عادة من العادات المتأصلة في نفوسهم الشاذة ، فلا يسعون إلا من أجل قضائها.
ثم حكى القرآن بعد ذلك ما بادرهم به نبيهم بعد أن رأى هياجهم وتدافعهم نحو داره فقال : (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) ...
والمراد ببناته هنا : زوجاتهم ونساؤهم اللائي يصلحن للزواج ، وأضافهن إلى نفسه ؛ لأن كل نبي أب لأمته من حيث الشفقة وحسن التربية والتوجيه.
قال ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ...) يرشدهم إلى نسائهم ، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد ، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم ، كما قال لهم في آية أخرى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ. وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) ...
قال مجاهد : لم يكن بناته ، ولكن كن من أمته ، وكل نبي أبو أمته ...
وقال سعيد بن جبير : يعنى نساؤهم ، هن بناته وهو أب لهم ... (١).
ومنهم من يرى أن المراد ببناته هنا : بناته من صلبه ، وأنه عرض عليهم الزواج بهن ...
ويضعف هذا الرأى أن لوطا ـ عليهالسلام ـ كان له بنتان أو ثلاثة ـ كما جاء في بعض الروايات ـ وعدد المتدافعين من قومه إلى بيته كان كثيرا ، فكيف تكفيهم بنتان أو ثلاثة للزواج ...؟
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، وقد رجحه الإمام الرازي بأن قال ما ملخصه : «وهذا القول عندي هو المختار ، ويدل عليه وجوه. منها : أنه قال (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) وبناته اللاتي من صلبه لا تكفى للجمع العظيم ، أما نساء أمته ففيهن كفاية للكل ..
ومنها : أنه صحت الرواية أنه كان له بنتان وهما : زنتا وزعورا ، وإطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز ، لما ثبت أن أقل الجمع ثلاثة ...» (٢).
والمعنى : أن لوطا ـ عليهالسلام ـ عند ما رأى تدافعهم نحو بيته لارتكاب الفاحشة التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين ، قال لهم : برجاء ورفق (يا قَوْمِ) هؤلاء نساؤكم اللائي بمنزلة بناتي ارجعوا إليهن فاقضوا شهوتكم معهن فهن أطهر لكم نفسيا وحسيا من التلوث
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٦٨.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٨ ص ٣٢.