ارتكاب الفاحشة ، اندفاع المجنون إلى حتفه ، فقال بأسى وحزن : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ).
وهنا كشف له الرسل عن طبيعتهم ، وأخبروه بمهمتهم ؛ وطلبوا منه أن يغادر هو ومن آمن معه مكان إقامتهم ، فإن العذاب نازل بهؤلاء المجرمين بعد وقت قصير.
(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ، لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ، إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ ، إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
ثم تتابع السورة الكريمة في الربع الخامس (١) ، حديثها عن جانب من قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم ، فتحدثنا عن قصة شعيب ـ عليهالسلام ـ مع قومه ، وكيف أنه قال لهم مقالة كل رسول لقومه (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).
ثم نهاهم بأسلوب رصين حكيم ، عن ارتكاب الفواحش التي كانت منتشرة فيهم ، وهي إنقاص الكيل والميزان ، وبخس الناس أشياءهم ...
ولكنهم ـ كعادة السفهاء الطغاة ـ قابلوا نصائحه بالتهكم والاستخفاف والوعيد ... فكانت النتيجة أن حل بهم عذاب الله الذي أهلكهم ، كما أهلك أمثالهم.
قال ـ تعالى ـ (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ، وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ، أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ).
ثم تسوق السورة بعد ذلك بإيجاز ، جانبا من قصة موسى مع فرعون وملئه ، الذين اتبعوا أمر فرعون ، وما أمر فرعون برشيد.
ثم تعقب على كل تلك القصص السابقة ، بتعقيب يدل على أن هذا القرآن من عند الله ، وأنه ـ سبحانه ـ لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ... قال ـ تعالى ـ : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ. وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ، وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ...).
أما في الربع السادس (٢) والأخير منها ، فنراها تبين بأسلوب قوى منذر ، أن الناس سيأتون
__________________
(١) الآيات من ٨٤ ـ ١٠٧.
(٢) الآيات ص ١٠٨ إلى آخر السورة.