النّدامة.
وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ، ونخلت لكم مخزون رأيي ، لو كان يطاع لقصير أمر! فأبيتم عليّ إباء المخالفين الجفاة ، والمنابذين العصاة ، حتّى ارتاب النّاصح بنصحه ، وضنّ الزّند بقدحه ، فكنت أنا وإيّاكم كما قال أخو هوازن :
أمرتكم أمري
بمنعرج اللّوى |
|
فلم تستبينوا
الرّشد إلاّ ضحى الغد |
ألا إنّ الرّجلين اللّذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم الكتاب وراء ظهورهما ، وارتأيا الرّأي من قبل أنفسهما ، فأماتا ما أحياه القرآن ، ثمّ اختلفا في حكمهما ، فكلاهما لا يرشد ولا يسدّد فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، فاستعدّوا للجهاد ، وتأهّبوا للمسير ، وأصبحوا في معسكركم يوم الإثنين إن شاء الله (١).
وتوالت المحن الكبرى على إمام العدل والحقّ يتبع بعضها بعضا ، فقد أفلت دولته ، وانهارت حكومته ، فقد تمرّد عليه جيشه كأشدّ ما يكون التمرّد ، فكان يأمره فلا يطيع ، ويدعوه فلا يستجيب ، قد مزّقه معاوية ، وعبث به وذلك بما كان يرسل من الأموال إلى قادة الجيش حتى آثروه على الإمام ، وقد قيل لرجل من بني تغلب : آثرتم معاوية على عليّ؟
فقال : ما آثرناه ، ولكنّا آثرنا العنب الأصفر والبرّ الأحمر والزيت الأخضر (٢).
وبالإضافة إلى ذلك فقد انبثقت في الجيش العراقي فكرة الخوارج وكانت سوسة تنخر في جسم الجيش ، وتدعوه إلى التمرّد والعصيان وهذا ما سنتحدّث عنه.
__________________
(١) نهج البلاغة ١ : ٨٥.
(٢) الامتاع والمؤانسة ٢ : ٦٣.