أحين كنتم تقتلون أهل الشام ، فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال محقّون ، فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم في النار ...
ولم تجد معهم هذه الحجج ، وراحوا مصرّين على جهلهم وغيّهم الذي جرّ للمسلمين الويلات والكوارث ، وألقاهم في شرّ عظيم ...
واندفع هؤلاء الممسوخون قائلين للأشتر :
دعنا منك يا أشتر! قاتلناهم في الله إنّا لا نطيعك ، فاجتنبنا ...
وأخذ الأشتر يمعن في نصحهم ، ويحذّرهم مغبة هذه الفتنة العمياء ، وأنّهم لا يرون عزّا أبدا ، وفعلا فقد صاروا بعد هذا التمرّد أذلّ من قوم سبأ ، فقد آل الأمر إلى معاوية فأخذ يسومهم سوء العذاب ويسقيهم كأسا مصبرة.
وطلب مالك من الإمام أن يناجزهم الحرب فأبى لأنّهم كانوا الأكثرية الساحقة في جيشه ، وفتح باب الحرب معهم يؤدّي إلى أفظع النتائج لأنّهم يقعون فريسة سائغة بأيدي الأمويّين.
وأطرق الإمام الممتحن برأسه إلى الأرض ، وقد طافت به موجات من الألم القاسي ، وتمثّلت أمامه الأخطار المحدقة بالمسلمين ، فلم يكلّم هؤلاء الوحوش بكلمة ، وراحوا يهتفون :
إنّ عليّا أمير المؤمنين قد رضي الحكومة ، ورضي بحكم القرآن ...
وغرق الإمام في تيارات قاسية وموجعة من الألم الممضّ ، فقد مني بانقلاب مدمّر في جيشه ولا يستطيع أن يعمل أي شيء ، وراح يقول :
« لقد كنت أمس أميرا ، فأصبحت اليوم مأمورا ، وكنت ناهيا فأصبحت اليوم منهيّا ... ».
وتركهم يتخبّطون في دياجير قاتمة أدّت إلى هلاكهم ، وانتصار الجور والطغيان عليهم.