وأمّا ما ذكرت من أمر قتلة عثمان ، فإنّي نظرت في هذا الأمر ، وضربت أنفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك.
ولعمري لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك ولا يكلّفونك أن تطلبهم في برّ ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل.
وقد كان أبوك أتاني حين ولّى النّاس أبا بكر ، فقال : أنت أحقّ بعد محمّد صلىاللهعليهوآله بهذا الأمر وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك ، ابسط يدك ابايعك. فلم أفعل.
وأنت تعلم أنّ أباك قد كان قال ذلك وأراده حتّى كنت أنا الّذي أبيت ، لقرب عهد النّاس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام فأبوك كان أعرف بحقّي منك ، فإن تعرف من حقّي ما كان يعرف أبوك ، تصب رشدك ، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك ، والسّلام » (١).
وحفلت هذه الرسالة بامور بالغة الأهمّية ، فقد عرضت إلى ما لاقاه المنقذ العظيم الرسول صلىاللهعليهوآله من الجهد الشاقّ والعسير من الاسر القرشية التي هبّت في وجهه لإطفاء نور الله تعالى ، وإعادة الجاهلية الرعناء بآثامها إلى مسرح الحياة ، وقد انبرت الاسرة الهاشمية إلى اعتناق الإسلام ، والإيمان بالدعوة المباركة العظيمة ، فلاقت أقسى الأزمات وأكثرها محنة ، وأعظمها بلاء ، فحبست مع النبيّ صلىاللهعليهوآله في شعب أبي طالب ، وحرمت عليهم قريش جميع وسائل الحياة ، حتّى منّ الله عليهم بالخروج من ذلك السجن الرهيب ، ولمّا أمر الله تعالى نبيّه الكريم بالهجرة من مكّة إلى المدينة ، أضرمت عليه قريش أخزاها الله نار الحرب ، وجنّدت الجيوش للقضاء
__________________
(١) العقد الفريد ٢ : ٢٣٤. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ٤ : ١٧٧ ـ ١٨٥.