فإذا جعلت (مِثْلَ) معربة كانت (ما) مزيدة و (أَنَّكُمْ) في محل خفض بالإضافة كما تقدم (١). وإذا جعلتها مبنية إما للتركيب ، وإما لإضافتها إلى غير متمكن جاز في (ما) هذه وجهان : الزيادة وأن تكون نكرة موصوفة ، (كذا) (٢) قال أبو البقاء (٣).
وفيه نظر ، لعدم الوصف هنا ، فإن قال : هو محذوف فالأصل عدمه ، وأيضا فنصوا (٤) على أن هذه الصفة لا تحذف ، لإبهام موصوفها. وأما (أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فيجوز أن يكون مجرورا بالإضافة إن كانت ((ما)) (٥) مزيدة ، وإن كانت نكرة كان في موضع نصب بإضمار أعني ، أو رفع بإضمار مبتدأ (٦).
فصل
المعنى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ) أي ما ذكرت من أمر الرزق لحق كمثل ما أنّكم تنطقون فتقولون : لا إله إلّا الله.
وقيل : شبّه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي كقولك : إنّه لحقّ كما أنت ههنا وإنه لحق كما أنك تتكلم والمعنى أنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة. قال بعض الحكماء : كما أنّ كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره فكذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له ، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره (٧).
وقيل : معناه إن القرآن لحق تكلم به الملك النازل من السماء مثل ما تتكلمون (٨).
قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ)(٣٧)
__________________
(١) قاله أبو البقاء العكبري في التبيان ١١٨٠.
(٢) زيادة من «ب» وهو الأصح.
(٣) المرجع السابق.
(٤) كذا في النسختين والأوجه أسلوبيا : فقد نصوا.
(٥) ساقطة من ب والتصحيح من أ.
(٦) قال بهذا الإمام الفراء في المعاني ٣ / ٨٥ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٩١ ، ومكي في مشكل الإعراب ٢ / ٣٢٣ وأبو البقاء في التبيان ١١٨١.
(٧) البغوي والخازن ٦ / ٢٤٤.
(٨) وهو رأي الرازي في تفسيره ٢٨ / ٢٠٩.