وقيل : المراد وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال. وأصل «ميزان» «يوزان». وقد مضى القول فيه في «الأعراف».
قال ابن الخطيب (١) : قوله : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) إشارة إلى العدل ، كقوله : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) [الحديد : ٢٥] أي : ليعلموا بالكتاب ، ويعملوا بالميزان ، فكذا هنا (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) و (وَضَعَ الْمِيزانَ) ، فالمراد ب «الميزان» : العدل بوضعه شرعة ، كأنه قيل: شرع العدل لئلا تطغوا في الميزان الذي هو آلة العدل ، هذا هو المنقول ، قال : والأولى العكس كالأول وهو الآلة ، والثاني : بمعنى الوزن ، أو بمعنى العدل.
قوله : (أَلَّا تَطْغَوْا) ، في «أن» هذه وجهان (٢) :
أحدهما : أنها الناصبة ، و «لا» بعدها نافية ، و «تطغوا» منصوب ب «أن» ، و «أن» قبلها لام العلة مقدّرة تتعلق بقوله : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) ، التقدير : «لئلّا تطغوا» ، كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦].
وأجاز الزمخشري (٣) وابن عطية (٤) : أن تكون المفسرة ، وعلى هذا تكون «لا» ناهية ، والفعل مجزوم بها.
قال القرطبي : فلا يكون ل «أن» موضع من الإعراب ، فتكون بمعنى «أي» ، و «تطغوا» مجزوم بها كقوله : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٧] ، أي : «امشوا».
إلا أن أبا حيان رد هذا القول بأن شرط التفسيرية تقدم جملة متضمنة لمعنى القول ، وليست موجودة (٥).
قال شهاب الدين (٦) : «وإلى كونها مفسرة (٧) ذهب مكي ، وأبو البقاء (٨) ، إلا أن أبا البقاء كأنه تنبه للاعتراض ، فقال : «وأن ـ بمعنى أي ـ والقول مقدر».
فجعل الشيء المفسر ب «أن» مقدرا لا ملفوظا به ، إلا أنه قد يقال إن قوله «والقول مقدر» ليس بجيّد ؛ لأنها لا تفسر القول الصريح ، فكيف يقدر ما لا يصحّ تفسيره ، فإصلاحه أن يقول : وما هو بمعنى القول مقدر».
فصل في الطغيان في الميزان
والطغيان مجاوزة الحد ، فمن قال : الميزان العدل ، قال : الطغيان الجور ومن قال :
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ٢٩ / ٨٠.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٣٧.
(٣) الكشاف ٤ / ٤٤٤.
(٤) المحرر الوجيز ٥ / ٢٢٥ ، والبحر المحيط ٨ / ١٨٨ ، والدر المصون ٦ / ٢٣٧.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٨ / ١٨٨.
(٦) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٣٧.
(٧) ينظر : المشكل ٢ / ٧٠٤.
(٨) ينظر التبيان ١١٧٩.