أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يتولّى عنهم فأنزل الله : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) فطابت أنفسهم. والمعنى : ليس التولي مطلقا ، بل تولّ وأقبل وأعرض وادع فلا التولي يضرك إذا كان عليهم ، ولا التذكير يضيع إذا كان مع المؤمنين.
قال مقاتل : معناه عظ بالقرآن كفار مكة ، فإن الذكرى تنفع من علم الله أنه يؤمن منهم. وقال الكلبي : عظ بالقرآن من آمن من قومك ، فإن الذكرى تنفعهم (١)
قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)(٦٠)
قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). هذا الجار (٢) متعلق «ب (خَلَقْتُ).
واختلف في الجن والإنس ، قيل : المراد بهم العموم والمعنى إلا لآمرهم بالعبادة وليقروا بها ، وهذا منقول عن علي بن أبي طالب ، ويؤيده : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً)(٣) [التوبة : ٣١] أو يكون المعنى : ليطيعوني وينقادوا لقضائي (٤) ، فالمؤمن يفعل ذلك طوعا والكافر كرها ، فكل مخلوق من الجنّ والإنس خاضع لقضاء الله متذلّل لمشيئته (٥) ، لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق عليه. أو يكون المعنى : إلا معدين للعبادة ، ثم منهم من يتأتى منه ذلك ، ومنهم من لا ، كقولك : هذا القلم بريته للكتابة ، ثم قد يكتب به ، وقد لا يكتب وقيل : المراد به الخصوص ، أي ما خلقت السعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي ، والأشقياء منهم إلا لمعصيتي. قاله زيد بن أسلم. قال : هو ما جبلوا عليه من السعادة والشقاوة ، ويؤيده قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩].
وقال مجاهد : معناه إلّا ليعرفون. قال البغوي : وهذا أحسن ؛ لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده ، بدليل قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] ، وقيل : إلا ليعبدون أي إلا ليوحدون ، فأما المؤمن فيوحّده في الشدة والرخاء ، وأما الكافر فيوحده في الشّدة والبلاء دون النعمة والرخاء قال تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥] وقيل : المراد وما خلقت الجنّ والإنس المؤمنين. وقيل : الطائعين(٦). قال شهاب الدين : والأول أحسن.
__________________
(١) وانظر : تفسير العلامة البغوي والخازن ٦ / ٢٤٧.
(٢) المصدر المؤول أي إلا للعبادة.
(٣) وانظر : القرطبي ١٧ / ٥٥.
(٤) رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وانظر : السابق والبغوي ٦ / ٢٤٧.
(٥) في ب بتذلل المشيئة.
(٦) السابقين.