وكرر استهين به ، والقرآن يكون إلى آخر الدهر ، ولا يزداد إلّا عزا. والقرآن إما ك «الغفران» ، والمراد به المفعول ، وهو المقروء ، كقوله : [هذا خلق الله](١) وإما اسم لما يقرأ ك «القربان» لما يتقرب به ، والحلوان لما يحلى به فم الكاهن ، وعلى هذا يظهر فساد قول من رد على الفقهاء قولهم في باب الزّكاة : يعطي شيئا أعلى مما وجب ويأخذ الجبران أو شيئا دونه ، ويعطي الجبران لأن الجبران مصدر لا يؤخذ ولا يعطى ، فيقال له : هو كالقرآن بمعنى المقروء.
فمعنى «كريم» أي : مقروء ، قرىء : ويقرأ بالفتح ، فإن معنى «كريم» أي : لا يهون بكثرة التلاوة ، ويبقى أبد الدّهر كالكلام الغضّ ، والحديث الطّري.
وهو هنا يقع في وصف القرآن بالحديث ، مع أنه قديم يستمد من هذا مددا ، فهو قديم يسمعه السّامعون كأنه كلام [الساعة](٢).
فصل
قوله : (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ). مصون عند الله.
وقيل : «مكنون» محفوظ عن الباطل ، والكتاب هنا : كتاب في السّماء (٣).
قاله ابن عبّاس (٤).
وقال جابر بن زيد وابن عباس أيضا : هو اللوح المحفوظ (٥).
وقال عكرمة : التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن (٦).
وقال السدي : الزّبور (٧).
وقال قتادة ومجاهد : هو المصحف الذي في أيدينا (٨).
فصل في تفسير معنى الآية
قال ابن الخطيب (٩) : قوله تعالى : (فِي كِتابٍ) يستدعي شيئا مظروفا للكتاب وفيه وجهان :
أحدهما : أنه القرآن ، أي : هو قرآن في كتاب ، كقولك : «فلان رجل كريم في
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : الجماعة.
(٣) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٤٦.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٥٩).
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٤٦).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٥٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٢) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
(٧) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٤٦).
(٨) ينظر المصدر السابق.
(٩) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ١٦٧.