السريع ومار الدّم على وجهه والمور ـ أي بالضم ـ التراب المتردد به الريح (١).
وأكد بالمصدرية دفعا للمجاز أي هذان الجرمان العظيمان مع كثافتهما يقع ذلك منهما حقيقة.
وقال ابن الخطيب : فيه فائدة جليلة ، وهي أن قوله : (وَتَسِيرُ الْجِبالُ) يحتمل أن يكون بيانا لكيفية مور السماء ؛ لأن الجبال إذا سارت وسيرت معها سكانها يظهر السماء كالسائرة إلى خلاف تلك الجهة ، كما يشاهده راكب السفينة ، فإنه يرى الجبل الساكن متحركا فكان لقائل أن يقول : السماء تمور في رأي العين بسبب سير الجبال كما يرى القمر سائرا راكب السفينة ، والسماء إذا كانت (٢) كذلك فلا يبقى مهرب ولا مفزع لا في الأرض ولا في السماء.
فصل
لما ذكر أن العذاب واقع بين أنه متى يقع العذاب ، فقال : يوم تمور السماء مورا ، قال المفسرون : أي تدور كما يدور الرّحا وتتكفأ بأهلها تكفّؤ السّفينة.
قال عطاء الخراسانيّ : يختلف أجزاؤها بعضها في بعض.
وقيل : تضطرب. (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) فتزول عن أماكنها ، وتصير هباء منثورا ، وهذا إيذان وإعلام بأن لا عود إلى السماء (٣) لأن الأرض والجبال والسماء والنجوم كلها لعمارة الدنيا والانتفاع لبني آدم فإذا لم يبق فيها نفع فلذلك أعدمها الله تعالى (٤).
قوله : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يومئذ منصوب «بويل» والخبر «للمكذبين». والفاء في قوله «فويل» قال مكي : جواب الجملة المتقدمة (٥) وحسن ذلك ، لأن في الكلام معنى الشرط ، لأن المعنى إذا كان ما ذكر فويل (٦).
قال ابن الخطيب : أي إذا علم أن عذاب الله واقع ، وأنه ليس له دافع فويل إذن للمكذبين ؛ فالفاء لاتصال المعنى ، ولمعنى آخر وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان ، لأنه لما قال : إن عذاب ربك لواقع وأنه ليس له دافع لم يبين موقعه بمن ، فلما قال : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) علم المخصوص (به) (٧) وهو المكذب (٨).
فإن قيل : إذا قلت بأن قوله : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بيان لمن يقع به العذاب فمن
__________________
(١) المفردات له ص ٢٠٠.
(٢) في الرازي مارت. وانظر الرازي ٢٨ / ٢٤٣ ، واللسان «مور».
(٣) الصحيح كما في (ب) والرازي : الدنيا فالمعنى يحتم ذلك.
(٤) وانظر الرازي ٢٨ / ٢٤٣ ورأي الخراساني في البغوي ٦ / ٢٤٩.
(٥) في (ب) جملة المقدمة.
(٦) قال بذلك كله مكي في المشكل ٢ / ٣٢٧.
(٧) سقط من (ب) فقط دون (أ) والرازيّ.
(٨) وانظر الرازي المرجع السابق.