وقيل : الخطاب مع الإنس والجن ، والنعمة منحصرة في دفع المكروه ، وتحصيل المقصود ، وأعظم المكروهات عذاب جهنم ، و (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) [الحجر : ٤٤] ، وأعظم المقاصد : نعيم الجنة ، ولها ثمانية أبواب ، فالمجموع خمسة عشر ، وذلك بالنسبة للجن والإنس ثلاثون ، والزائد لبيان التأكيد» (١).
روى جابر بن عبد الله ، قال : قرأ علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة «الرحمن» حتى ختمها ، ثم قال : «ما لي أراكم سكوتا؟ للجنّ كانوا أحسن منكم ردّا ؛ ما قرأت عليهم هذه الآية مرّة : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إلا قالوا : ولا بشيء من رحمتك ربّنا نكذّب ، فلك الحمد»(٢).
قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٢٥)
قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ). لما ذكر الله ـ تعالى ـ خلق العالم الكبير من السماء والأرض ، وما فيها من الدلالات على وحدانيته وقدرته ، ذكر خلق العالم الصّغير (٣) ، فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ).
قال المفسرون : يعني : آدم من صلصال وهو الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة ، وشبهه بالفخّار الذي طبخ.
وقيل : هو طين خلط برمل.
وقيل : هو الطين المنتن ، من صلّ اللحم وأصلّ : إذا أنتن.
وقال هنا : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ).
وقال في «الحجر» : (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٦] وقال : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [الصافات : ١١].
وقال : (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : ٥٩].
وكله متفق المعنى ، وذلك أنه أخذ من تراب الأرض ، فعجنه فصار طينا ، ثم انتقل فصار كالحمأ المسنون ، ثم يبس فصار صلصالا كالفخار.
__________________
(١) ينظر السابق.
(٢) تقدم تخريج هذا الحديث من حديث جابر وخرجنا له شاهدا من حديث ابن عمر.
(٣) ينظر القرطبي ١٧ / ١٠٥.