الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ)(١٤)
قوله : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) لعن الكذّابون. وقرىء : قتل مبنيا للفاعل (١) ، وهو الله تعالى: الخراصين مفعوله ، والمعنى لعن الخراصون وهم الذين لا يجزمون بأمر ولا يثبتون عليه ، بل هم شاكون متحيرون. وهذا دعاء عليهم ، ثم يصفهم (٢) بأنهم في غمرة ساهون ، فقوله : (ساهُونَ) يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر والمبتدأ قوله (هُمْ) ، والتقدير : هم كائنون في غمرة ساهون ، كقولك : زيد جاهل جائر ، لا تقصد به وصف الجاهل بالجائر. ويحتمل أن يقال : (ساهُونَ) خبر ، و (فِي غَمْرَةٍ) ظرف له ، كقولك : زيد في بيته قاعد فالخبر هو «قاعد» لا غير ، و «في بيته» بيان لطرف القعود ، فكذا قوله : (فِي غَمْرَةٍ) ظرف للسّهوة (٣).
واعلم إن وصف الخارص بالسهو دليل على أن الخراص صفة ذم يقال : تخرّص عليه الباطل. قال المفسرون : هم الذين اقتسموا عقاب مكة ، فاقتسموا القول في النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليصرفوا الناس عن دين الإسلام. وقال مجاهد : الكهنة الذين هم في غمرة أي غفلة وعمّى وجهالة (ساهُونَ) غافلون عن أمر الآخرة. والسهو الغفلة عن الشيء وهو ذهاب القلب عنه (٤).
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) فقوله : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) مبتدأ أو خبر قيل : وهما ظرفان (٥) فكيف يقع أحد الظرفين (٦) في الآخر؟ (٧).
وأجيب : بأنه على حذف حدث أي أيّان وقوع يوم الدّين «فأيّان» ظرف الوقوع ، كما تقول : متى يكون يوم الجمعة (٨) ، وتقدم قراءة إيّان ـ بالكسر (٩) ـ في الأعراف.
قيل : وأيان من المركبات ، ركب من «أيّ» التي للاستفهام ، و «آن» التي بمعنى متى ، أو من «أيّ» (و) (١٠) أوان ؛ فكأنه قال : أيّ أوان ، فلما ركبت بني. وهذا جواب قوله : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) فكأنه قال : أيّان يقع؟ استهزاء.
__________________
(١) ولم يذكر من قرأ بها أبو حيان في البحر ٨ / ١٣٥ والزمخشري في الكشاف ٤ / ١٥.
(٢) في ب وصفهم.
(٣) الذي يصحح وصف المعرفة بالجملة ، قاله الرازي ٢٨ / ١٩٨.
(٤) وانظر : تفسير العلامتين البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٢٤٢.
(٥) ومعروف أن الزمان يجعل ظرفا للأفعال ، ولا يمكن أن يكون الزمان ظرفا لظرف آخر.
(٦) وهو «أيان».
(٧) وهو «اليوم».
(٨) بالمعنى من الكشاف ٤ / ١٥ والرازي ٢٨ / ١٩٨ و ١٩٩.
(٩) وهي قراءة السلمي وهي لغة وهي من الآية ١٨٧ من الأعراف :«يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها». وسيجيء الآن أن المؤلف قد تكلم عن اشتقاقاتها ، وانظر : اللباب ٢ / ٤٠٣ ب.
(١٠) سقط من ب.