وصح عن عمر أنه أبقى سواد «العراق» و «مصر» وما ظهر عليه من الغنائم ليكون في أعطيات المقاتلة ، وأرزاق الجيش والذّراري ، وأن الزبير وبلالا وغير واحد من الصحابة أرادوه على قسم ما فتح عليهم ، فكره ذلك منهم (١).
واختلف فيما فعل من ذلك : فقيل : إنه استطاب أنفس أهل الجيش فمن رضي له بترك حظه بغير ثمن ليبقيه للمسلمين فله ، ومن أبى أعطاه ثمن حظه فمن قال : إنما أبقى الأرض بعد استطابة أنفس القوم جعل فعله كفعل النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه قسم «خيبر» ، لأنّ اشتراءه إياها وترك من ترك عن طيب نفسه بمنزلة قسمها.
وقيل : إنه أبقاها بغير شيء أعطاه أهل الجيوش.
وقيل : إنه تأول في ذلك قول الله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) إلى قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) على ما تقدم أيضا.
فصل في اختلاف الفقهاء في قسمة العقار (٢)
اختلفوا في قسمة العقار ، فقال مالك ـ رضي الله عنه ـ للإمام أن يوقفها لمصالح المسلمين.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : الإمام مخير بين قسمتها ، أو وقفها لمصالح المسلمين.
وقال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ ليس للإمام حبسها عنهم بغير رضاهم ، بل يقسمها عليهم كسائر الأموال ، فمن طاب نفسا عن حقه للإمام أن يجعلها وقفا عليهم فله ، ومن لم تطب نفسه فهو أحق بماله.
وعمر ـ رضي الله عنه ـ استطاب نفوس القائمين واشتراها منهم ، وعلى هذا يكون قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) مقطوعا مما قبله ، وأنهم ندبوا بالدعاء للأولين والثناء عليهم.
فصل في فضل المدينة
قال القرطبي (٣) : «روى ابن وهب قال : سمعت مالكا يذكر فضل «المدينة» على غيرها من الآفاق ، فقال : إن «المدينة» تبوئت بالإيمان والهجرة ، وإن غيرها من القرى افتتحت بالسيف ، ثم قرأ : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) الآية».
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي (١٨ / ١٦).
(٢) ينظر القرطبي ١٨ / ١٧.
(٣) السابق.